حسن خليفة – «صدى الوطن»
مهنة بيع السيارات في منطقة ديترويت ليست بالأمر اليسير، فكأنك تبيع الماء في حارة السقّايين. إذ ليس من السهل مواكبة حركة العرض والطلب في سوق تنافسي حاد، غير أن معرض «سوبيرير» لسيارات «بويك» و«جي أم سي» في ديربورن تمكن خلال العام الماضي من إثبات مكانته المتقدمة على خارطة معارض السيارات في البلاد، بتحقيقه أعلى المبيعات لهذين النوعين من السيارات.
المعرض الذي تأسس قبل عدة عقود على شارع ميشيغن أفنيو في شرق ديربورن، ظل على مدى السنوات السمان والعجاف محافظاً على مرتبة متميزة سواء على مستوى الخدمة أو المبيعات. ولكن الزوجين العراقيين الأميركيين باس وتانيا روبن، اللذين اشتريا المعرض مطلع العام ٢٠١٥، نجحا سريعاً بجعله اسماً على مسمى (سوبيرير تعني الأعلى)، بـ«تفوّقه» على مبيعات جميع معارض سيارات «بويك» و«جي أم سي» في منطقة شمال الوسط الأميركي المؤلفة من تسع ولايات.
تانيا روبن أعربت لـ«صدى الوطن» عن تفاجئها بهذا النجاح المنقطع النظير في المبيعات، خصوصاً أنه حصل بعد سنة واحدة من الجهود المضنية التي بذلتها الإدارة الجديدة لتحسين الخدمات وزيادة أسطول السيارات، حيث بات لدى معرض «سوبيرير» اليوم أكثر من 500 سيارة للبيع. في حين أن المعرض لم يحقق في تاريخه قط مبيعات عالية تؤهله ليكون ضمن قائمة أفضل 75 معرضاً لبيع السيارات في الولايات المتحدة.
ولكن روبن لا تحمّل رجل الأعمال والتر شوارتز، المالك السابق للمعرض على مدى 35 عاماً، مسؤولية تواضع المبيعات على مر السنين، بل تُرجع ذلك إلى كون ديربورن ومنطقة ديترويت عموماً، لديها وفاء خاص لشركة «فورد»، ولذلك لطالما تسيّدت معارض سيارات الشركة قائمة المبيعات في المنطقة.
وأوضحت روبن أن المشكلة لم تكن في المعرض نفسه بل هي قصة تتكرر مع معظم معارض السيارات غير التابعة لشركة «فورد» في المنطقة، وذلك لأن فورد تاريخياً لديها تسهيلات أكبر في سوق المبيعات المحلي.
وعلى الرغم من أن جغرافيا الانتاج من السيارات تلعب لصالح معارض «فورد»، إلا أن «سوبيرير» تمكنت في 2016 من الفوز بجائزة أفضل معرض لسيارات «جي أم سي» التي تنتجها شركة «جنرال موتورز»، بفضل الجهود الجبارة التي بذلها أعضاء فريق المبيعات والذين حازوا على المراتب الأولى والثانية والثالثة والسابعة في قائمة أفضل البائعين على مستوى ولايات: ميشيغن، أوهايو، إنديانا، إلينوي، أيوا، مينيسوتا، ويسكونسن، نورث داكوتا، وساوث داكوتا.
كذلك حاز معرض «سوبيرير» على جائزة أفضل مؤسسة تجارية للعام 2016، قدمتها غرفة التجارة الكلدانية.
أما عن أسرار هذا النجاح، فتكشف تانيا روبن أنها تعود بشكل أساسي إلى التركيز على المنحى العائلي في التعاطي مع الزبائن والاهتمام بأدق التفاصيل في متطلباتهم. وأردفت «الأساس هو العلاقة الإنسانية»، كما أن «خدمة مجتمعنا هي الأولوية في عملنا»، حيث يساهم المعرض بشكل منتظم في دعم المنظمات الخيرية المحلية وغيرها من القضايا الاجتماعية.
مبيعات قياسية ومندوبون متفوقون
بدأ الزوجان الشريكان حياتهما بداية متواضعة. حيث أن باس (بسام) روبن، زوج تانيا، هو لاجئ عراقي قدم مع والديه إلى الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي ونشأ ضمن أسرة محدودة الدخل تضم 12 طفلاً، وهو ما دفعه إلى سوق العمل في سن مبكرة حيث تولى عدة وظائف لمساعدة أبويه في دفع الفواتير.
ويقول باس في هذا الصدد إن التزامه بالعمل لم يساعد أسرته وحسب، بل ساهم بمساعدة أطفال الآخرين، في إشارة إلى فرص العمل والنجاح التي يوفرها المعرض لموظفيه الذين يتحدثون اللغتين العربية والكلدانية تلبيةً لمتطلبات أبناء الجالية.
فبعد انتقال ملكية «سوبيرير» إلى الزوجين روبن، بدأت باميلا عبو، وهي عراقية أميركية، مسيرتها المهنية في بيع السيارات، وسرعان ما تمكنت من إثبات نجاح عالٍ ببيعها 700 سيارة خلال العام 2016، وهو ثاني أعلى رقم مبيعات لسيارات «جنرال موتوز» مسجل في المنطقة.
وتبدي عبّو ثقتها بأنها ستتجاوز الرقم القياسي خلال السنة الجارية (2017) بمواصلة عملها 70 ساعة أسبوعياً، مؤكدة أن تعبها آتى ثماره لأنها تؤمن بأن المعاملة الحسنة للزبائن –وكأنهم من أفراد الأسرة– سوف يعيد المتسوقين إلى المعرض مرة أخرى أو قد يحيلون إليه أصدقاءهم.
وأضافت، في حين أن «المنافَسَة» تعتبر «قاعدة اللعبة» في هذه المصلحة، إلا أن هذه الكلمة غير مرحب باستخدامها في معرض «سوبرير»، حيث يدرك أعضاء فريق المبيعات أن الزبائن يأتون ولديهم فكرة واطلاع مسبق على ما هو متوفر في السوق، وغالباً ما يتجولون بين المعارض للحصول على صفقات أفضل.
تقول عبّو إن مهمتها تتلخص بفهم احتياجاتهم وتوضيح المغالطات الناتجة عن الإعلانات الخادعة.
مايك بزي، عضو مميز آخر في فريق مبيعات «سوبيرير»، وقد حاز العام الماضي على المرتبة الثالثة في المبيعات الإقليمية.
قال لـ«صدى الوطن» إن نجاحه في بيع هذا الكم الكبير من السيارات في ديربورن، قائم على اكتساب «ثقة الزبائن»، فهو «يأخذ الوقت الكافي للتعرف على الزبون من أجل تقديم أفضل حزمة خيارات واقعية إضافة إلى توفير خيارات متعددة للتقسيط»، مشيراً إلى أن التحسن الاقتصادي وتعافي الرصيد الائتماني للزبائن أدَّى إلى ارتفاع مبيعات السيارات عموماً.
بدوره، لفت مندوب المبيعات طوني جابر، الحاصل أيضاً على المرتبة السابعة إقليمياً في بيع سيارات «جنرال موتورز»، إلى أن المستهلكين عموماً صاروا يعتمدون على التكنولوجيا وآليات السوق الجديدة، «ممَّا فرض تحدياً على المعرض تمثَّل بمعرفة أفضل الميزات التي تناسب الزبائن وأن يكون المعرض سبّاقاً بتقديم أحدث الموديلات»، ولهذا السبب «على المعارض أن تكون على تواصل دائم مع الشركات».
ووفقاً لتانيا روبن، طالما أن رغبات المستهلكين وأذواقهم تتطور مع مرور الوقت، فان شركات صناعة السيارات مثل «جي أم سي» تلتقي شهرياً مع الوكلاء المحليين كما تنظم مؤتمرات سنوية للحفاظ على تواصلها معهم.
وأضافت «نحن نعرف تماماً ما يطلبه المستهلكون لأننا في مكان واحد معهم».
سوق متغيّرة
يقبل سوق السيارات في منطقة ديترويت والولايات المتحدة عموماً على تحولات كبرى، مع توجه الشركات العملاقة إلى إنتاج سيارات ذكية، في حين تسعى ولاية ميشيغن، بعمالقتها الثلاثة (جنرال موتوز، وفورد، وفيات–كرايسلر) إلى حجز موقع ريادي لها في تكنوجيا سيارات المستقبل.
وستكون مدينة ديربورن، مهداً رائداً لصناعة السيارات، عبر إعلان شركة «فورد» عن استثمار بقيمة 1.2 مليار دولار لإعادة بناء مقرها العالمي في ديربورن ليصبح أكثر عصرية وملائمة لإبداع التكنولوجيا الحديثة وتلبية تطلعات الشركة.
ومن المتوقع أن ينعكس المقر الجديد لفورد بشكل إيجابي على جيمع سكان وشركات ديربورن.
وعلى الرغم من أن «بويك» و«جي أم سي» تابعتان لشركة «جنرال موتورز» المنافسة، غير أن مخطط تطوير مقر «فورد» يلقى ترحيباً كبيراً من تانيا روبن التي وصفت المشروع المتوقع إنجازه في العام 2026، بأنه مثير للحماس، وإشارة واضحة إلى أن صناعة السيارات الأميركية ستقوم بالاستثمارات اللازمة للحفاظ على قدرتها التنافسية في العالم. وأضافت «مع توفر التكنولوجيا الحديثة، والمهندسين والأنظمة الروبوتية، ستصبح ديربورن مثل سيليكون فالي» في كاليفورنيا.
وختمت روبن كلامها بالقول «انها مدينة مزدهرة؛ والناس الذين يسكنونها يعشقون العيش هنا فعلاً».
Leave a Reply