خليل إسماعيل رمَّال
هبَّ أبناء الشعب العراقي الأماجد بالالاف ضد الفساد يوحِّد بينهم الحرمان والظلم، للتعبير عن ألمهم وإحباطهم فأجبروا حكومة حيدر العبادي على الإسراع فـي عقد جلسة برلمانية قُدِّمتْ فـيها حزمة من الإصلاحات وصوَّت عليها النوَّاب بالإجماع وبسرعة قياسية بلغت٣٠ دقيقة.
وللعلم فقط، كل عرس فـيه للبنانيين «الشطار» قرص. فقد نقَلَتْ الأخبار عن مسؤولين عراقيين قولهم أن من الأسباب التي دفعت أهالي محافظة البصرة لرفع مستوى احتجاجاتهم المطلبية، وجود عقود وصفقات لها علاقة بملفات إنماء وإعمار فـي المحافظة لم يجر الإلتزام بتنفـيذها فـي الوقت المناسب، وأن عمولات كبيرة دُفعت وتقاسمها سياسيون عراقيون ورجال أعمال لبنانيون، بعضهم مقرَّب من شخصيات نافذة فـي لبنان.
فـي العراق قام البرلمان بالتشريع فـي نصف ساعة، أما فـي وطن الصفة المشبَّهة فلا حياة لمن تنادي. أصلاً لا أمل فـي أي حراك شعبي عابر للطوائف ضد وحوش المال من الزعماء والسياسيين والنواب المُمَدَّد لهم لأنَّ أي تحرك يحصل يُوصَم بالطائفـية إذا كان عدد الأفراد من طائفة معينة يفوق أعداد الآخرين من باقي الطوائف والقبائل. فالناس على دين زعمائهم ولو على حدالسكين وكل «عنزة معلقة بكرعوبها». . فهل هناك أسوأ من بلد يشرِّع الرشوة بقرار رسمي وفـيه ٣٥ ألف مهندس عاطل عن العمل ويحتل المرتبة ١٢٧ (فقط) من أصل ١٧٧ دولة متميزة فـي الفساد على لائحة الفساد الدولي؟!! ومع هذا لا ثورة شعبية ولا تظاهرات ما عدا حركة واحدة خجولة!
لقد كان هناك بصيص نور عندما تحرَّكت عين دارة وبرجا وباقي قرى الإقليم بسبب ملف النفايات وثارت على «البيك الاشتراكي» وتيار المستقبل رغم انتماء تلك القرى السياسي لهما، لكن يبقى هذا الحراك محدوداً وغير قابل للتوسع والتعميم بسبب القيود المذهبية والحزبية والمناطقية المفروضة. ثم فـي أي بلد بالعالم يقوم سياسي مافـيوي إقطاعي «اشتراكي» بالتهكم على أبناء البلدات التي أعطته أصواتها ورجالها وجعلته من الأثرياء «المفحِّشين»، وبعد ذلك يتهمها بالسرقات لأنها رفضت أنْ تكون مطمر زبالة لشركته التي نهب بها البلد هو وسوكلين وسوليدير والحريرية السياسية؟!
بل فـي أي بلد فـي الأرض يكون فـيه وزير الكهرباء مثل «الأطرش بالزفِّة» ويسأل سؤاله الفلسفـي بلغته الأدبية الرفـيعة «شو بجيب الكهربا من بيت بيي؟!»، وكأن مشاريع الكهرباء لم توضع على سكة الحل من قبل «التيَّار الوطني الحر» ولكن أفشلتها الطبقة الحاكمة حتى لا يُنْسَب الفضل بهكذا إنجاز هائل للجنرال عون.
لقد بادرت حكومة العراق ومجلسها لتلبية المطالِب، ولكن مجلسنا العاطل عن العمل ماذا كان سيفعل إذا فتح ابوابه للتشريع؟ هل أنجز حضرة النوائب سلسلة الرتب والرواتب، أم عملوا على وأد أهم حركة مطلبية عامة عابرة للمذاهب والأحزاب والقبائل وتضم قطاعات واسعة من الكادحين والفقراء والمعلمين والموظفـين؟ بل أنجز أمراً واحداً فقط هو إرغام النقابي الوطني حنا غريب على الإعتذار من وصفه للمتسلطين على المال العام بالحرامية! وماذا عن قضية الملَّاكين والمستأجرين وغيرها من قضايا الناس المستعجلة التي عجزوا عنها؟! وبعد كل ذلك، هل هذا المجلس قانوني أم شرعي أم تنتفـي فـيه الصفتان؟!
وفـي أي بلد فـي التاريخ يُتَّخَذ قرار خارجي وإقليمي لعزل وكسر فريق وازن يمثِّل نصف المسيحيين بل أكثر ويتزعم أكبر كتلة وحيثية مسيحية، فـيُمنَع من المشاركة فـي الحكم وتحقيق إصلاحات فـي النظام واتخاذ قرارات مصيرية والوصول إلى الرئاسة؟! فنحن إذا تعلَّمْنا من الحرب اللبنانية شيئاً فهو خطورة عزل أي فريق سياسي فكيف اذا كان بحجم تمثيلي ضخم مع حليف شريفٍ مرجِّح؟! لذلك رفض سماحة الإمام السيِّد موسى الصدر عزل الكتائب انذاك رغم تسبُّبها بالحرب الأهلية. بل أين يحدث فـي أي بقعة من الأرض أنْ تتمكن مقاومة ما من الدفاع عن أرضها وتدحر العدو التاريخي الذي لم يكن يُقهر، ولا تحكم البلد بالمطلق؟ بل تتمتع هذه المقاومة بنفوذ وحرية وشعبية كاسحة فـي سوريا والعراق واليمن والحجاز وغيرها من البلدان فـي الخارج لكنها لا «تخندق» فـي دهاليز مسخ الوطن السياسية الداخلية وصعاليكها ومخلوقاتها الغريبة!
إنَّ معركة ميشال عون الأخيرة هي معركة مبدئية ولبنانية ووطنية بامتياز، من أجل لبْننَة استحقاقات البلد ضد التدخُّل الخارجي، بغضِّ النظر عن تعقيدات شخصية جبران باسيل والأعذار الواهية الأخرى. ومن كان عنده شك فـي ذلك فليتأمل ملياً صورة جان قهوجي عند ميشال سليمان الخشبي بعد التمديد بحضور وزراء الغفلة التابعين له والسفـير السعودي علي عواض «الأسيري» وهم يحتفلون بالتمديد مع كعكة تتمنى لقهوجي الرئاسة وزجاجة شامبانيا وسيكاراً بيد قائدالجيش الذي ينام جنوده فـي العراء على حد الذبح. هذا هو الخطأ الثاني لقهوجي بعد تلبية دعوة بهيَّة الحريري فـي أعقاب معركة عبرا. هذا كله مع العلم أنَّ قهوجي ادعى عدم تدخله بالتمديد الذي «لا يشكِّل هزيمة لفريق على اخَر» غير أنَّ الصورة لا توحي بذلك. ومع كل هذه الهمروجة لم يجد ميشال سليمان أهم من أنْ يغرِّد متسائلاً «وهل ثقافتنا تمنع الشمبانيا»؟! بِئْس من جعلك رئيساً.
لقد احسَنَتْ «السفـير» بعنونة عددها يوم الأربعاء الماضي «نصر الله وعون معاً: شراكة الانتصار لا الانكسار»، وتعزَّز العنوان بموقف السيِّد حسن نصرالله الحازم مع الجنرال، فعون يستأهل وفاء المقاومة، وهل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان؟ أما طائف الفساد والامتيازات وحكومة سلام المتواطئة، فليذهبا إلى الجحيم!
Leave a Reply