هل لرئاسة الجمهورية حق دستوري في تشكيل الحكومة؟
في الوقت الذي كان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري يعلن من القصر الجمهوري، بأن لا خلاف مع رئاسة الجمهورية حول الصلاحيات، حرصاً على الدستور، كان الرئيس السابق فؤاد السنيورة يحضّر لاجتماع رؤساء الحكومات السابقين لدعم رئيس الحكومة والتأكيد على صلاحياته التي يحاول الرئيس ميشال عون أن يقفز فوقها.
تحريض السنيورة
استغلّ السنيورة، البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية حول صلاحياتها والأعراف المتبعة في تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد الطائف، والتي وضعت رئيس الجمهورية شريكاً في التأليف، لأنه دستورياً هو من يصدر –بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء– مرسوم تشكيل الحكومة. وقد جرى تفسير هذه المادة الدستورية على أنها تعطي رئيس الجمهورية صلاحية رفض التشكيلة الحكومية أو قبولها أو إجراء تعديلات عليها.
السنيورة وجد في هذا التفسير عودةً إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف عندما كان رئيس الحكومة أسيراً سياسياً لدى رئيس الجمهورية و«باش كاتب» عنده،. فكان الدستور لا يعطيه صلاحيات تعزّز موقعه كشريك في الحكم، وهو ما اصطلح على تسميته أثناء المطالبة بتحقيق إصلاحات سياسية في النظام، «الشراكة»، التي كان يفتقدها رئيس الحكومة في السلطة التنفيذية أمام رئيس الجمهورية الذي كان يسمي الوزراء ويختار من بينهم رئيس الحكومة. أما دستور الطائف فيلزمه اليوم بإجراء استشارات نيابية لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بعد اجتماع مع رئيس مجلس النواب.
مطالب رئيس الجمهورية
زاد موضوع الصلاحيات، عقدة على تشكيل الحكومة، التي مازالت ولادتها ضمن الفترة الزمنية المعقولة قياساً على المهلة التي تشكّلت فيها حكومات سابقة، كحكومة الرئيس تمام سلام التي دامت أكثر من 11 شهراً.
ويسعى الحريري إلى أن تكون المدة هذه المرة أقصر من تشكيل حكومته الحالية والمستقيلة. وبغض النظر عن التطورات الإقليمية والدولية، يواجه الرئيس المكلف ثلاث عقد رئيسية داخلياً وهي:
– العقدة الدرزية: تتعلق بتوزير النائب طلال إرسلان، – العقدة السنية: تتعلق بمشاركة نواب من خارج كتلة «تيار المستقبل»
– العقدة المسيحية: ترتبط بتقاسم الحصص بين الثنائي المسيحي، «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وحصة رئيس الجمهورية التي يدور حولها خلاف دستوري.
ويتمسك عون بتسمية نائب رئيس الحكومة مع وزيرين أو ثلاثة، استناداً إلى العُرف المتبع في الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف، في حين أن الدستور يحصر التشكيل برئيس الحكومة المكلّف، الذي يطالب بحصة أيضاً، كرئيس للجمهورية.
أزمة الصلاحيات والحصص هذه، تجلّت في بيان المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية الذي تمّ الرد عليه في لقاء رؤساء الحكومات السابقين الذين التقوا في بيت الوسط، وضمّ كلاً من: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، إضافة إلى الرئيس الحريري، الذي لم يلب رغبة السنيورة بعقد اللقاء في «دار الفتوى»، منعاً للتحريض الطائفي، وتحويل الخلاف السياسي إلى أزمة سنية–مسيحية.
قمة عرمون من جديد
ذكّر لقاء رؤساء الحكومات السابقين، بقمة عرمون الإسلامية التي ترأسها مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، ودعمت موقع رئيس الحكومة السّنّي في وجه استئثار رئيس الجمهورية الماروني بالسلطة، حيث انقسم لبنان سياسياً ثم طائفياً حول دور «المارونية السياسية»، وفتح الباب لإدخال تعديلات على ما سمي «الميثاق الوطني» الذي اتّفق عليه كل من الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح في العام 1943، لكن ظهرت فيه شوائب بالممارسة، تحت شعار أن رئيس الجمهورية يحكم ولا يُحاسب في حين أن رئيس الحكومة لا يحكم ويُحاسب، في مجلس النواب أو في الشارع. فكانت قمة عرمون للمطالبة بتعزيز صلاحيات رئيس الحكومة، وهو ما تم في اتفاق الطائف، الذي رأى رؤساء الحكومات المجتمعون بأن ممارسات رئاسة الجمهورية تشير إلى محاولات للانحراف عن الاتفاق الذي لم يكن عون من مؤيديه عندما أقره مجلس النواب اللبناني في العام 1989 وتحول إلى دستور، أقسم عون نفسه على الحفاظ عليه، وهو ما أكّد عليه للحريري، الذي طالب ببيان خفيف اللهجة صدر عن «بيت الوسط» دون أن يهاجم فيه رؤساء الحكومات السابقون رئيس الجمهورية منعاً لمزيد من التعقيدات في تشكيل الحكومة، وتفادياً لأزمة حكم جديدة في لبنان.
نزولاً عند رغبة الحريري، اكتفى الاجتماع بإيصال رسالة إلى القصر الجمهوري، بأن لا تلاعب في الصلاحيات التي أعطت الرئيس المكلف تشكيل الحكومة لوحده، وبالتشاور مع الكتل النيابية ورئيس الجمهورية.
تضامن سنّي
استفاد الحريري من لقاء «بيت الوسط»، ليس فقط بالتأكيد على الصلاحيات، بل بالتضامن السّني معه، لتوظيفه في تشكيل الحكومة التي يرفض تمثيل نواب من خارج كتلته فيها، وباعتبار «العقدة السّنّية» غير موجودة، وأن الوزراء السنّة هم من حصة «تيار المستقبل» ولا توجد «ثنائية أو ثلاثية سنّيّة» بل كتلة نيابية من 17 نائباً سنّيّاً حصل عليها التيار الأزرق مع ثلاثة نواب مسيحيين، وهو لا يرى وجود لعشرة نواب سُنّة بوجهه، بل أربعة منهم مستقلون عن ما يسمى «سُنّة 8 آذار» الذين اجتمعوا ولم يشكلوا كتلة منهم، لفرض توزير ممثل عنهم. وعلى ما يبدو لن يتنازل الحريري سوى عن مقعد سنّي واحد لرئيس الجمهورية ليحصل مقابله على مقعد مسيحي، كما هو الوضع في الحكومة الحالية.
والحريري المتمسّك بالتسوية الرئاسية التي عقدها مع «التيار الوطني الحر» وأوصلت العماد عون إلى رئاسة الجمهورية تحت شعار «المسيحي القوي» الذي يحق له بالرئاسة الأولى، فإن رئيس «تيار المستقبل»، هو السُّني القوي الذي يمثّل الطائفة السُنّية، ويحق له برئاسة الحكومة، وهذا الموضوع لا يختلف عليه الرئيسان عون والحريري، ويسوّق له الوزير جبران باسيل، الذي في مكان ما, انحرف عن هذه القاعدة عندما قرر عدم انتخاب نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب كرد على استخدام الأخير الورقة البيضاء في انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.
حضور ميقاتي
وكان حضور الرئيس نجيب ميقاتي في لقاء رؤساء الحكومات السابقين لافتاً، نظراً لعدم توافقه مع «تيار المستقبل» الذي لم يعطه بعد صكّ البراءة، منذ أن انقلب عليه في العام 2011 بتشكيل حكومة جديدة بعد إسقاط قوى «8 آذار» لحكومة الحريري.
إلا أن ميقاتي يحاول أن يقدم نفسه وسطياً ويظهر أنه على مسافة واحدة من الجميع، لكنه في مسألة حقوق الطائفة السّنّية، فإنه يتقدم الجميع، وهذه سياسة اتّبعها رؤساء حكومات سابقون، كما قوى سياسية، للظهور بمظهر الدفاع عن حقوق طوائفهم، وهو الخطاب المعتمد من كل الأطراف، فيتحدّث «التيار الوطني الحر» عن استعادة حقوق المسيحيين، ويؤكّد الوزير باسيل على فوز حوالي 47 نائباً بأصوات المسيحيين لا المسلمين.
إلا أن الرئيس ميقاتي واجه أثناء تكليفه بتشكيل الحكومة الثانية له في عام 2011، ضغطاً سنّيّاً، رفضاً لتكليف مَن لا يمثّل في طائفته، والخروج على الإجماع فيها. وقد سعى «تيار المستقبل» في اجتماع للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى إصدار بيان يطلب من ميقاتي الاستقالة وعدم القبول بتشكيل الحكومة. لكن مفتي الجمهورية آنذاك الشيخ محمد رشيد قباني الذي كان على خلاف مع «المستقبل»، لم يقبل بحشر ميقاتي الذي واجهه «تيار المستقبل» بإحراق الدواليب وقطع الطرقات، وعشرين جولة من المعارك في طرابلس، بين باب التبانة الحي الذي تسكنه أكثرية سُنّيّة، وجبل محسن الذي تقطنه أكثرية علوية، حيث تزامنت هذه الاشتباكات مع تصاعد الأزمة السورية.
حصر الأزمة
تمّ احتواء أزمة الصلاحيات هذه المرة. إذ لم يشأ رئيس الجمهورية ولا الرئيس المكلّف أن تتفاقم لأنها ستفتح الباب نحو معركة دستورية قد تعيد طرح عقد مؤتمر تأسيسي، كان دعا إليه أكثر من طرف سياسي، وبينهم «حزب الله» الذي تراجع عن الطرح بعد ظهور دعوات إلى «المثالثة» بين السنة والشيعة والمسيحيين، بدلاً من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين –كما في الطائف. في المحصلة، يبدو أن المسيحيين الذين كانوا يطرحون بين الحين والآخر، موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية في إطار حديثهم عن الحقوق المهدورة، قد استعاضوا عنها بـ«الرئيس القوي».
Leave a Reply