كمال ذبيان
قبل عامين سقطت مدينة القصير فـي ريف محافظة حمص ومعها منطقة تلكلخ وقلعة الحصن، والعام الماضي تمّ تحرير بلدات قارة ويبرود والنبك وصدد، ونجح الجيش السوري مع مقاتلي «حزب الله» فـي طرد الجماعات الإرهابية التكفـيرية من على الحدود اللبنانية – السورية، ليفرّ المسلحون باتجاه عرسال وجرودها، والى جرود جبال القلمون فـي رنكوس وعسال الورد وفليطا وصولاً الى الزبداني وسرغايا.
لم تنتهِ المعركة مع المسلحين الذين بقيت طرق امدادهم مفتوحة ، وهدّدوا فـي انتشارهم بين جرود عرسال والقلمون البلدات اللبنانية المتاخمة من القاع ومشاريعها مروراً برأس بعلبك واللبوة ويونين ونحلة وبريتال والنبي شيت وبعلبك، وغيرها من الدساكر المنتشرة عند سفوح جبال لبنان الشرقية، فكانوا يقصفونها بالصواريخ والقذائف، بالرغم من تراجع تهديداتهم وتوقيف إرسال سياراتهم المفخخة التي كانوا يجهزونها بالمتفجرات فـي يبرود، إلا أن وجودهم المسلح ظلّ يشكّل خطر التمدد الى الداخل اللبناني عبر عرسال، وجرت محاولة فـي 2 آب الماضي، واستهدفوا بعمليتهم العسكرية الجيش الذي قتلوا عشرين منه بين ضابط وجندي وأسروا 25 بعد أن ذبحوا ستة منهم، وهو ما كشف عن خطر هذه المجموعات التكفـيرية التي سهّل لها فريق سياسي لبناني ينتمي الى 14 آذار عبورهم الى الأراضي اللبنانية واحتضانهم كنازحين، فإذا بهم يظهرون مقاتلين خرج منهم نحو ألف مسلّح من مخيماتهم فـي عرسال ليقاتلوا الجيش ويغدروا به.
عناصر من الجيش السوري في تلال القلمون(رويترز) |
ففتح معركة الجرود عند السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وفـي جرود وجبال القلمون داخل سوريا، لا بدّ منها وضرورة خوضها، كما كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أعلن عنها وحدّد موعد حصولها عندما يذوب الثلج، لأهداف أمنية وعسكرية، فرضتها ظروف الحرب القائمة فـي سوريا التي توسّعت، وباتت عناوينها مختلفة عما بدأت الأزمة من دعوة الى الإصلاح تجاوب معها النظام، لتدخل عليها دول عربية وإقليمية ودولية، لإسقاط سوريا كموقع استراتيجي وكدور مقاوم وكحليف لإيران وروسيا والصين، وممانع للمشاريع الأميركية فـي الشرق الأوسط الكبير، أو الإسرائيلية بفرض الحل الاستسلامي.
فلم يكد شهر نيسان ينتهي، حتى كان الجيش السوري و«حزب الله» يفتحان المعركة، بعد أن كانت «جبهة النصرة» حاولت مباغتة مواقع للحزب فـي جرد فليطا، لكن مقاتليه صدّوا مسلحيها وأوقعوا بهم قتلى وجرحى، وبدأت عملية القضم العسكرية، لمواقع الجماعات الإرهابية التي توحّدت تحت اسم «جيش الفتح»، كما حصل فـي إدلب قبل أسابيع حيث نجحت كل من تركيا والسعودية وقطر أن توحّد مَن تموّلهم وتسلّحهم من هذه الجماعات لخوض معركة إسقاط النظام، والتي باشرها المسلحون من جنوب سوريا عند الحدود مع الأردن فـي بصرى الشام، ثمّ فـي فتح معركة مثلث أرياف درعا – دمشق – القنيطرة، وكذلك فـي إدلب التي سقطت فـي يد المسلحين وبعدها جسر الشغور حيث استأنف الجيش السوري المعركة واسترجع أجزاء واسعة من المسلحين الذي غذتهم تركيا بالسلاح وامنت دخولهم الى المنطقة المتاخمة لحدودها، ومن أجل التضييق على النظام بإقفال الحدود من تركيا الى العراق فالأردن، وتبقى الحدود مع لبنان الذي حاول البعض من خلال سياسة «النأي بالنفس» التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة نجيب ميقاتي واستمرّت مع الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام، وهي أفسحت فـي المجال لإبقاء لبنان خاصرة رخوة كان المسلحون يدخلون منها ويخرجون، عبر حاضنة سياسية وشعبية أمّنها «تيار المستقبل» واستغلّها الإسلاميون المتشددون، ليدفع لبنان الثمن من خلال الكلفة العالية لطرد المسلحين من أرضه، ومنع خطرهم عنه، فتمّ تجهيز الجيش بما يلزم من أسلحة، فنشر حوالي سبعة آلاف ضابط وعنصر على طول الحدود عند سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية لاسيما فـي جرود عرسال وراس بعلبك ، لمواجهة أي تمدّد للمسلحين الذين لديهم مخطط تحويل لبنان الى أرض جهاد وإنشاء «إمارة إسلامية» عليها، تتّصل بالدولة الإسلامية فـي العراق والشام، ويكون لها منفذ على البحر، وهو ما كشفه قائد الجيش العماد جان قهوجي، وفق التحقيقات التي أدلى بها بعض قادة هذه الجماعات الإرهابية الذين وقعوا فـي قبضة الجيش.
فالجيش حصّن مواقعه فـي عرسال وجرودها كما فـي رأس بعلبك والفاكهة، وسيطر على عدد من التلال الإستراتيجية بعد طرد المسلحين منها، وكان آخرها تلة الحمراء، كما قطع خطوط الإمداد عنهم فـي وادي حميّد، وأوقف التواصل بينهم وبين مخيمات النازحين التي حاصرها وبات الدخول والخروج إليها يخضع لتفتيش ومراقبة، وقد أحكم السيطرة على كل المنافذ، وباتت المبادرة بيده بعد أن كانت مع المسلحين الذين أجروا اتصالات عدة لخروجهم من المنطقة التي يطوقها الجيش السوري و«حزب الله» من أماكن أخرى.
وقرّرت قيادة الجيش وبناء لقرار السلطة السياسية، أن تبقى فـي حالة الدفاع عن النفس وصدّ أي هجوم للمسلحين، لأن الجيش ليس فـي موقع يمكنه أن يشنّ هجوماً إذا لم ينسّق مع الجيش السوري لتحرير أرض لبنانية من اعتداء مجموعات إرهابية عليها، وتهدّد لبنان بأمنه وسلمه كما فـي أية محاولة للسيطرة عليه وتغيير فـي نظامه فـيما لو وقع لبنان تحت هيمنة الجماعات المسلحة التكفـيرية، كما حصل فـي أكثر من مكان فـي العالم.
وفـي الوقت الذي تمركز الجيش فـي مساحة هي الأكثر تهديداً للبنان، قرّر «حزب الله» مع الجيش السوري فتح المعركة من داخل سوريا، وبدأ عملية قضم للتلال والنقاط الاستراتجية و إخراج الإرهابيين من بقعة أرض تبلغ مساحتها أكثر من 100 كلم2، وتمتد على مسافة 42 كلم، وعرض ما بين 15 و25 كلم.
وخلال الأيام الأولى من التمهيد لمعركة القلمون الشاملة كان الجيش السوري و«حزب الله» يُحرزان تقدماً فـي الميدان ويسيطران على تلال وأماكن استراتيجية فقطع طريق جرد بريتال عن جرد عرسال، ومعها قطع تواصل المسلحين مع الزبداني التي تقع على مسافة قريبة من خط دمشق – بيروت، والتي لو تمكّن المسلحون من السيطرة عليها، لكانوا أغلقوا لبنان عن سوريا، وأقفلوا العمق الإستراتيجي للمقاومة، وهذا هو الهدف من الحرب على سوريا، التي دفعت «حزب الله» للتدخل فـيها والمشاركة بالقتال الى جانب النظام السوري، كي لا يسقط لأنه سند المقاومة فـي كل المراحل.
وخلال الفترة التي بدأت فـيها المناوشات للمعركة، سقطت دفاعات المسلحين فـي أكثر من موقع تحصّنوا فـيه، كما تهاوت قوتهم العسكرية، وفرّوا من المعركة بسرعة لم يكن أحد يتوقع
لـ «جبهة النصرة» و«جيش الفتح»، هذا الانهيار السريع، إذ تراجع عناصرهما الى مواقع خلفـية بالاندحار من جرد الجبة وصولا الى تلة موسى التي تشرف على عرسال ، وقد أحكم الجيش السوري و«حزب الله» الخناق عليهم من الجهة السورية، يبقى أن تقوم المعركة الكبرى التي قال السيد نصرالله أنها ستعلن عن نفسها فـي الميدان، وهي فـي أول طريقها الى الحسم العسكري الذي لا يتوقع أحد من الخبراء العسكريين كم من الوقت ستستغرق المعركة التي فـي طبيعتها الجغرافـية ليست سهلة ولكنها ليست صعبة والوقائع على الارض تكشف عن انها سريعة الحسم ، بالرغم من العتاد الذي يملكه المسلحون بالإضافة الى شراستهم فـي القتال وتدريبهم العالي، واستعدادهم للانتحار، أو تنفـيذ عمليات انتحارية، كما حصل فـي أكثر من مكان استهدفوا فـيه أعداءهم خلال القتال ضدّهم فـي سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر إلخ…
فكما جرت معركة القصير فـي حزيران 2013، ومعركة القلمون فـي أيار 2014، فإن معركة السلسلة الشرقية بدأت مطلع أيار 2015، لتكون آخر المعارك على الحدود اللبنانية – السورية، والتي بدأها «حزب الله» مع الجيش السوري، وتداعياتها السلبية على لبنان ستكون قليلة جداً لأن خوضها من داخل سوريا يوفّر على اللبنانيين الكثير من القتال والدمار والقتلى، ويمكن إخراج المسلحين بإتجاه مناطق بعيدة عن الحدود، أو استسلامهم، إذا ما نفدت ذخيرتهم، وهذا ما هو متوقع، إذ إن مفاوضات كان قد بدأها مندوبون عن «النصرة» لتسليم العسكريين المخطوفـين، مقابل السماح لهم بالخروج من المنطقة، لكن خلافاً وقع بين «النصرة» وتنظيم «داعش» منع حصول الصفقة التي مازالت مطروحة، مع اشتداد الخناق على المسلحين وتهاوي مواقعهم، وبذلك يكون «حزب الله» أخرس الأصوات التي تطالبه بالإنسحاب من سوريا، ووقف القتال الى جانب النظام السوري، ليأتي الجواب فـي الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، أن تقديرات الحزب للمعركة الاستباقية فـي سوريا ومنع تمددها الى لبنان قد أصابت، حيث لم يحرك «حزب الله» مقاتليه باتجاه جرود عرسال أو عرسال، وترك الأمر للجيش ليقوم بهذه المهمة، ليتفرّغ مقاتلو المقاومة للإرهابيين فـي داخل سوريا وقتالهم فـيها ومنع تحقيق أهدافهم، وهو يتّجه نحو تحقيق هدفه مع إحرازه مع الجيش السوري تقدماً فـي الميدان إذ سيطر على عشرات الكيلومترات، وعلى أهم النقاط الإستراتيجية، والتلال المشرفة على القلمون، وأسقط إمكانية أن يقوم المسلحون بالتقدم من الغوطة الغربية بإتجاه دمشق أو قطع طريق دمشق – حمص، أو طريق دمشق – بيروت.
فكل ما استعد له «حزب الله» لخوض المعركة نجح فـي أدائه، ومازالت خسائره البشرية مقبولة ومتوقعة فـي مثل هذه المعركة التي تخاض على طريقة حرب العصابات، وفـي مناطق جبلية وصخرية وعرة، دون طرقات، وفـي أماكن الصخور هي المتاريس، وهذه تجربة قتالية ستعطي المقاومة دروساً فـي المعركة المقبلة المنتظرة مع العدو الإسرائيلي الذي وعد السيد نصرالله، فـي حال وقعت أنها ستكون فـي الجليل الأعلى فـي فلسطين المحتلة، وهذا ما يرصده قادة العدو الصهيوني، الذين وبعد معركة القصير، بدأوا يقلقون من قدرة المقاومة، فكيف إذا ما انتصرت فـي جرود القلمون!.
Leave a Reply