نبيل هيثم – «صدى الوطن»
لم تنتظر معركة تحرير حلب الساعة الصفر لانطلاقها.. إذ هي بدأت عملياً.
العمليات المسلحة والحملات الاعلامية التي قام بها المسلحون خلال الايام الماضية، بدءاً بعمليات حفر الانفاق والتسلل والقصف باسطوانات الغاز، وصولاً الى تدشين حملة «حلب-تحترق»، بدا الهدف منها تأخير الساعة الصفر للمعركة الكبرى التي بدأ الجيش السوري وحلفاؤه بالتحضير لها، فـي حال أفضى تعنت «معارضة الرياض» الى تعطيل المسار السياسي فـي جنيف، كما كان بادياً خلال الاسابيع القليلة الماضية.
وإذا كان الجيش السوري وحلفاؤه قد ارتضوا بالهدنة الأممية التي جرى التوصل اليها لتسهيل عملية التفاوض فـي جنيف، فقد بدا من اللحظة الأولى ان قوى المعارضة واجنحتها المسلحة غير راغبة بتبريد الجبهات، بالرغم من أن ذلك كان شرطها الاساسي للذهاب الى المفاوضات.
ولا يمكن فهم حقيقة ما يجري فـي حلب اليوم إلا من خلال مقاربة تعيد رسم خريطة التحالفات والتقاطعات داخل فصائل المعارضة المسلحة نفسها، التي كشفت فـي جولة التفاوض الماضية حقيقة تحالفها مع الجماعات المتشددة، بعد إصرارها على تمثيل «جيش الإسلام» فـي جنيف، وها هي اليوم تكشف عن تحالف أكثر خطورة مع «جبهة النصرة» الذراع السوري لتنظيم «القاعدة» الإرهابي.
وليس إخراج حلب من دائرة التهدئة سوى محاولة من الفصائل المسلحة ورعاتها الاقليميين والدوليين لتعويم هذا التنظيم الإرهابي، الذي استثني، هو وتنظيم «داعش»، من الهدنة السورية، من خلال اعادة اشعال الجبهة الحلبية لتحقيق هدفـين اساسيين، اولهما التوصل الى هدنة بنسخة جديدة تشمل «جبهة النصرة» وقطع الطريق امام اي عمل عسكري قد يلجأ اليه الجيش السوري لتحرير حلب فـي حال انهارت المفاوضات السياسية بشكل كامل.
وفـي وقت تتسابق الوسائل الإعلامية العربية والاجنبية، سواء عن قصد او غير قصد، على دعم الحملة الدعائية للمجموعات المسلحة -حتى وإن اقتضى الأمر نشر صور قديمة أو حتى ملتقطة خارج سوريا!- فإن قلة منها قامت بتغطية عمليات القصف المنهجي لفصائل المعارضة المسلحة التي استهدفت المدنيين فـي احياء حلب الخاضعة لسيطرة الجيش السوري، والتي شملت اطلاق اكثر من الفـي قذيفة هاون واسطوانات غاز معدّلة وصواريخ محلية الصنع تعرف باسم «جهنم».
مأساة حلب ليست وليدة الأيام الماضية بل عمرها من عمر الأزمة السورية، ومنذ أكثر من شهر تعيش المدينة السورية حالات خرق الهدنة من قبل الجماعات المسلحة، كانت لحظة الذروة فـي خرقها، سيطرة تلك الجماعات على تل العيس وبعض المواقع المحيطة به، تبعتها سلسلة من الهجمات ليس آخرها محاولات دخول حلب الغربية عبر اختراق منطقة الزهراء شمالاً، ومنطقة البحوث العلمية غرباً، فضلاً عن الهجمات المتكررة على خان طومان ومنيان.
يبدو واضحاً إذاً أن ما يجري اليوم، معركة اطلقتها الجماعات المسلحة لكسر ميزان القوى واستثمار ذلك فـي المفاوضات السياسية، وهو توجه، يبدو واضحاً انخراط الولايات المتحدة فـيه، التي حضرت لما يجري حالياً فـي حلب حتى قبل بدء سريان الهدنة الهشة، عبر إعادة تنظيم صفوف الجماعات المسلحة، وايصال اكثر من ثلاثة الاف طن من الأسلحة النوعية اليها، ووضع ما يلزم من الخطط العسكرية فـي غرفة العمليات المشتركة فـي تركيا، فضلاً عن عرقلة المسعى الروسي لتصنيف الجماعات المسلحة.
المعادلة القائمة يراد لها ان تستمر لترميم الانتكاسات العسكرية التي تعرضت لها المجموعات المسلحة، واستنزاف الجيش السوري وحلفائه، لمنعهم من المضي قدماً باتجاه تحديد الساعة الصفر لبدء العملية العسكرية الشاملة لتحرير حلب.
مصير حلب
معركة حلب المرتقبة تكتسب أهمية قصوى لكل الاطراف السورية المتحاربة، والقوى الإقليمية والدولية المتصارعة على سوريا، فتداعياتها لن تقف عند تحديد دفة الصراع بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، وبين المجموعات المسلحة على اختلاف تلاوينها فحسب، بل ستتجاوز ذلك إلى التأثير الفعلي والمباشر على العديد من المعادلات الإقليمية.
لكن ما تقوم به المعارضة المسلحة يمثل سلاحاً ذا حدّين، اذ من شأن أي انهيار كامل للهدنة أن يقود دفة المعارك الى نحو لا يرغب به خصوم الرئيس بشار الاسد فـي الداخل والخارج، بالنظر الى موازين القوى الميدانية.
وخلال سنتين واربعة اشهر من المواجهة، وتحديداً منذ اطلاق الجماعات المسلحة معركة «بتر الكافرين» مطلع العام 2014، تغيرت خرائط السيطرة لمصلحة الجيش السوري، بدءاً من تحرير السجن المركزي والمدينة الصناعية، وصولًا الى عمليات الريف الجنوبي الغربي والريف الجنوبي الشرقي وفك الحصار عن نبل والزهراء. ما يعني أن الجماعات المسلحة باتت تعمل ضمن جيوب منعزلة عن بعضها رغم امتلاكها خطوط امداد لهذه الجيوب.
وأما المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري فتمثل نقاط ارتكاز أساسية باتت تشكل محيطاً جغرافـياً واسعاً حول حلب، بما يؤمن للمدينة نطاق أمان واسع وحصين يصعّب على الجماعات المسلحة احداث خروقات كبيرة، يمكن من خلالها التحدث عن تغيير ميداني كاسر للتوازن.
علاوة على ذلك فإنّ حجم القوات ونوعية الدعم والأسلحة الموجودة لدى الجيش السوري وحلفائه باتت افضل وأفعل، لا سيما بعد توفـير القوات الروسية الغطاء الجوي الفعال للعمليات العسكرية كما جرى فـي ريف اللاذقية وتدمر.
العائق الأكبر أمام بدء الجيش السوري لعملياته العسكرية فـي حلب ومحاورها، هو حالة المراوحة السياسية والحملات الإعلامية الكبيرة التي تحصل، وهو أمر ليس بالسهل حيث يجب تذليله والعمل على تخطيه، قبل البدء بأية عملية عسكرية.
ومن شأن نجاح الجيش السوري فـي تلك المعركة الكبيرة ان يمهد لتغيير دراماتيكي فـي الواقع الميداني، بما يتجاوز فـي الأهمية الحملات السابقة التي انتهت الى تطهير ريف اللاذقية والسيطرة على حمص وتحرير تدمر من براثن الإرهابيين، وستكون من دون أدنى شك، محطة مفصلية من الحرب الشاملة ضد المسلحين، وهو يفترض أن يدخلها فـي توقيت سياسي مثالي، يتمثل فـي دخول الولايات المتحدة فترة العد التنازلي للانتخابات الرئاسية.
معركة حياة أو موت
وبقدر ما تكتسب معركة حلب اهمية استراتيجية للجيش السوري، فإنها تعد بالنسبة الى المعارضة المسلحة معركة حياة أو موت، لما تشكله حلب من قيمة رمزية ومعنوية.
ويذهب المحللون المقربون من المجموعات المسلحة الى القول ان سيطرة الجيش السوري على حلب ستؤدي إلى تغييرات دراماتيكية فـي جغرافـية المعارك، على نحو سلبي فـي استراتيجيتهم العسكرية، ولا سيما ان تداعياتها الميدانية ستتجاوز الريف الحلبي إلى العمق السوري مروراً بمحافظة ادلب وصولاً الى كامل المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، ما سيفقد «معارضة الرياض» على وجه الخصوص القوة اللازمة لخوض مفاوضات جنيف المقبلة.
والى ان تتضح معالم التهدئة القصيرة التي أفضت اليها الاتصالات الأميركية-الروسية بشأن حلب خلال اليومين الماضيين.. فإن مصير حلب يبقى مرتبطاً باللحظة التي تبدأ فـيها الساعة الصفر من قبل الجيش السوري.
#حلب–تحترق .. حملة لتشويه الحقائق
أكد موقع «غلوبال ريسيرتش» البحثي الكندي أن الغرب يعتمد دعاية إعلامية مكثفة تشوه حقيقة ما يجري فـي مدينة حلب بين الجيش السوري وحلفائه فـي مواجهة تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من الجماعات الإرهابية.
وجاء فـي تقرير نشره الموقع تحت عنوان «الحقيقة غير المروية هي أن واشنطن تدعم القاعدة… دعاية كثيفة حول المعركة فـي حلب والإرهابيون يصورون كمقاتلين من أجل الحرية حرية»، إن وسائل الإعلام الغربية «تبارت فـي إطلاق الأكاذيب والزعم بان سكان المدينة مهددون من قبل الجيش السوري رغم أن مصادر سورية أظهرت بوضوح أن المدنيين الذين يرزحون تحت نيران القذائف يطالبون الجيش بالقضاء على هذه التنظيمات الإرهابية».
وأشار التقرير الى أن «الولايات المتحدة، وفـي محاولة منها للتظاهر بانها تعتمد الاخلاق العليا، تقوم باستخدام منظمات غير حكومية بالوكالة، تماما كما تستخدم ميليشيات بالوكالة من أجل نشر رواية خيالية بأن الجيش السوري لا يفعل شيئا سوى استهداف المدنيين».
ولفت المركز الى ان من أبرز تلك المنظمات ما يسمى «الخوذات البيضاء» التي تعد المصدر الرئيسي للادعاءات بأن الطائرات السورية والروسية تستهدف المستشفـيات.
وأضاف مركز الأبحاث الكندي الى أن ما يسمى «الخوذات البيضاء» التي تدعي الاستقلالية ليست فـي واقع الامر سوى تشكيل أميركي يقوده الجندي البريطاني السابق جيمس لو وهي تعمل الى جانب تنظيم «جبهة النصرة» المدرجة على قائمة الإرهاب الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي، وعليه يتم تصوير أي هجوم على هذا التنظيم الإرهابي على انه هجوم يستهدف المدنيين والعيادات الطبية أو حتى العاملين بمجالات الصحة والطوارئء وهذا الأمر ينطبق على منظمة «أطباء بلا حدود» التي تمول عيادات «جبهة النصرة» فـي المناطق التي ينتشر فـيها إرهابيوها!
Leave a Reply