الاستحقاق الانتخابي في ديربورن والجوار أصبح وشيكاً، ممَّا يستدعي من كل الناخبين العرب الأميركيين في البلدة التي تُعتَبَر عاصمتهم في أميركا والتي شارفوا على أنْ يكونوا من أغلبية سكانها، أنّْ يفكِّروا مَليَّاً منذ الآن لمن سيقترعون لمنصب رئيس البلدية وباقي أعضاء المجلس البلدي، حيث يتنافس قطبان على مركز المايور، الرئيس الحالي للبلدية جون أورايلي ونائب رئيس المجلس البلدي الحالي توم تافيلسكي.
ومن دون دَوَران حول الموضوع كعادة العرب الواقفين على الأطلال يعتقد غالبية أقطاب الجالية في ديربورن ورجال الأعمال والنشطاء فيها، وبينهم كاتب هذه السطور، بأفضلية أورايلي على منافسه تافيلسكي، لعدة أسباب سنأتي على ذِكْرِها تالياً، وذلك برغم خطر التوريث السياسي والسلالات الحاكمة والإقطاع الحديث الناعم الذي اختطه الديكتاتور رئيس البلدية الأسبق أورڤيل هابرد وسار عليه مايكل غايدو ومن خَلَفَه. ذلك أنَّ البعض المعارض قد يقول (بحق) أنَّ ديربورن مبتلية مثل بلدنا الأصلي لبنان وعالمنا العربي، لسوء الحظ، بتوريث الأبناء. فالناخبون الأميركيون في ديربورن يشبهون ناخبي لبنان من حيث تمسكهم بالعائلة الحاكمة. خذوا مثلاً عائلة هابرد وفوز كل من انتمى لسلالة المايور الراحل من أبناء وحتَّى أبناء أخ وأخت في كل حملة إنتخابية لدرجة أنَّه لو ترشحت عصى «هابردية» لفازت و«هَّبَّرتْ» و«شحَّرَتْ» صندوق الاقتراع بالتأكيد بسبب شهرة الإسم والتاريخ وأسباب أخرى منها حنين الجيل القديم من الناخبين إلى الزمن (العنصري) الجميل بالنسبة إليهم أيام هابارد.
وبالمقياس نفسه، يذكر المعارضون أنَّ أورايلي الحالي هو إبن أورايلي الأب الذي تسلَّم رئاسة البلدية في السابق وترسَّخ اسمه على لوحة المايور ممَّا مهد الطريق لولده لكي يرث هذا المنصب بمساعدة الناخبين المُتمسِّكين بالإقطاع العائلي ولولا الإسم لما رأينا «الكَسْم»!
ويقول هؤلاء أيضاً إن أورايلي يحتل هذا المنصب منذ عام 2007 بعد أن كان عضواً في المجلس البلدي منذ 1990، ولذا فإن البلدية التي شاخت في عهده بحاجة إلى تجديد دمائها بقيادة شابة متحركة تواكب المتغيرات وضرورات العصر.
ولنرد على هذه المداخلة من آخرها. صحيح أن البلدية تحتاج إلى دم جديد يسري في عروقها لكي تتمكَّن من توحيد المدينة ومجابهة تحديات الإنماء العقاري والاقتصادي والاجتماعي فيها وحل مشكلات الإدمان على الحبوب والمخدرات والانتحارات والجرائم، ولكن لِنَرَ من هو المنافس لأورايلي وهل يُعتَبَر من الدماء الجديدة؟
فتافيلسكي الذي عيَّنَه غايدو في التسعينيات رئيساً لدائرة بلدية ربَّما لأنه كان على شاكلته سياسياً (من يذكر بداية عمل غايدو السياسي وحملته ضد العرب؟)، تم انتخابه في المجلس البلدي لأول مرة عام 2000. أي أن تافيلسكي ليس جديداً على الساحة بل هو وجه قديم خارج من نفس الطبقة البيروقراطية البلدية الحاكمة وأي ادعاء بأفكار جديدة يذكِّرني بالمناظرة بين المرشَّحين الديمقراطيين لرئاسة الجمهورية عام 1984 بين نائب الرئيس آنذاك وولتر مونديل والسناتور جيري هارت صاحب مقولة ضرورة انتخاب «قيادة جديدة بأفكار عصرية» فكان رد مونديل التاريخي هو بسرقة جملة من إحدى الدعايات التلفزيونية «أين البيف (اللحم)؟» (Where’s the beef)! أي أنَّ كلام هارت بلا مضمون وما هو إلا ترداد لأفكار قديمة بكلمات جديدة.
ربما لو كان المنافس لأورايلي «حرزاناً» وجدِّياً مثل المحامي عبد حمَّود الذي اتخذ قراراً تاريخياً بالترشح ضد غايدو، وهو على كل حال كان أكفأ من غايدو من حيث التربية (بمعنيَيها) والثقافة والعلم، لكُنَّا غيَّرنا رأينا. إلاَّ أنَّ مُنافِس أورايلي الآني هو من الطقم القديم ولا شيء جديد في سجله في المجلس البلدي ولا بأفكاره.
من ناحية ثانية، رغم أنَّ أورايلي ينحدر من سلالة حاكمة إلاِّ أنَّه أفضل الممكن حالياً حتَّى يقضي الله أمراً كان مقضياً طالما لا بديل عنه اليوم، عدا عن أنَّ المايور أكثر قُرباً من النسيج السكاني للمدينة وخصوصاً الجالية العربية الأميركية بينما خَصمه لم يُعرَف عنه أنَّه يكُنُّ أي وُد تجاهها إذا حَكَمنا عليه من خلاله تصويته ورئاسته للمجلس البلدي ونشاطه في الجالية لا من خلال كلماته هو كمرشح خصوصاً في مقابلته مع «صدى الوطن» في هذا العدد.
أورايلي يملك الخبرة اللازمة بصفته رئيساً للبلدية لمدَّة طويلة، لقيادة الاستثمار الإنمائي الذي عماده شركة فورد للسيارات والذي سيكلف ملياراً و200 مليون دولار ويجعل من داونتاون ديربورن الغربية واحدةً من أهم المعالم التجارية والاقتصادية في أميركا، وكذلك للاستمرار في دفع الأذى الدعائي والمفاهيم الخاطئة عن عاصمة العرب في أميركا، كما فعل عندما قام القس جونز وبعض السياسيين الاميركيين المُضلَّلين العنصريين بحملاتهم الحاقدة الموتورة ضد العرب والمسلمين في المدينة.
لكن على أورايلي أن يشحذ همته أكثر ويُظهِر حماسةً أكبر إزاء الدعايات المغرضة حول تطبيق الشريعة في ديربورن واستهداف العرب الاميركيين فيها وأن لا يخجل من التعبير عن تمسكه وفخره بوجود العرب الأميركيين كذخر للمدينة وأحد أسباب غناها وتنوعها المادي والثقافي. كما على أورايلي أن يتنبه أكثر للمصالح التجارية الصغيرة في الداونتاون الغربي ويحميها من شركة فورد التي تكتسح المنطقة، وتحسين وتنظيف شارع وورن في شرق ديربورن وجعله يتساوى من حيث الأهمية مع «غريك تاون» وسط مدينة ديترويت أو حتَّى قرية فرانكنمووث في شمال ميشيغن التي يقصدها السياح من كل العالم بسبب طرازها العمراني الباڤاري الألماني، فلا ينقص ديربورن شيئ حتَّى تصبح كمثيلاتها من المدن التاريخية في الولاية التي حافظ مواطنوها المهاجرون Ngdih على تراثهم الأصلي مثل مدينة هولاند وغيرها.
بهذا فقط يكون أورايلي قد حقَّق مكاسب تاريخية لمدينة هنري فورد ولم يمر على الكرسي كغيره مرور الكرام. وإلى أنْ يتحضر قائد يأتي من أقصى المدينة يسعى للترشح ويتمتع بكاريزما خاصة وأفكار (بيف) فعلاً تحاكي العصر والحداثة، ما علينا الآن إلا انتخاب أورايلي لأنَّه الأقرب لمطالب وتطلعات الناخبين كلهم ومن ضمنهم العرب الأميركيون.
Leave a Reply