في اليوم الذي كان الجيش السوري يعلن عن إنتهاء العملية العسكرية في يبرود في غرب ريف دمشق، والقريبة من الحدود اللبنانية-السورية، وإخراج منطقة القلمون السورية من سيطرة المسلحين التابعين لمنظمات إسلامية منضوية تحت لواء تنظيم «القاعدة»، كانت بلدة النبي عثمان تتعرّض لعمل إنتحاري في سيارة مفخخة، بعد الإشتباه بها من قبل شخصين مكلفين بمراقبة السيارات والأشخاص لمنع حصول أي عمل إرهابي، بعد أن باتت منطقتا الهرمل والبقاع الشمالي هدفاً للقوى التكفيرية الظلامية، المتواجدة في منطقة يبرود وقبلها في النبك، حيث كان يجري تفخيخ السيارات وتجنيد الأفراد وإرسالهم الى الداخل اللبناني لتفجير أنفسهم، وهذا ما كشفته التحقيقات الأمنية والقضائية منذ بدء مسلسل التفجيرات في الضاحية الجنوبية الى الهرمل، وبالتعاون مع مجموعات إرهابية في الداخل اللبناني وفي بلدات متاخمة للحدود السورية تحتضنها وباتت لها تواجداً وبنية تحتية كـ«جبهة النصرة» و«كتائب عبدالله عزام» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وهي تتواجد في عرسال كما في وادي خالد في عكار و في بعض المخيمات الفلسطينية وتحديداً في مخيم عين الحلوة.
ومعركة يبرود هي امتداد لمعركة القصيّر في ريف حمص التي لها تأثير كبير في المواجهة الدائرة بين النظام السوري وحلفائه وتحديداً «حزب الله» وبين القوى الإسلامية التكفيرية، إذ شكّل سقوط مدينة القصيّر في أيار من العام الماضي، تحولاً إستراتيجياً في سير المعارك العسكرية التي ربطت الساحل السوري بوسط سوريا في حمص التي حررها الجيش السوري من المسلحين أيضاً في العام 2012 في باب عمرو والخالدية، وتوجه بعضها الى أريافها في القصير، كما في تلكلخ والزارة وقلعة الحصن، حيث حققت القوات السورية مع عناصر من الدفاع الوطني السوري، الأسبوع الماضي إنجازات على الأرض بتطهير هذه المناطق من الإرهابيين، كما أكّدت مصادر عسكرية سورية، وأقفلت التواصل بين هذه البلدات والحدود اللبنانية في عكار التي كان منها يتسلّل وينتقل المسلحون والسلاح، حيث كشفت تقارير أمنية عن سقوط مئات القتلى من اللبنانيين الذين كان يتمّ تجنيدهم من الشمال خصوصاً على يد أمراء محاور في طرابلس ورجال دين سلفيين ينتمون الى «القاعدة»، وهم كانوا يعملون لكي تنجح القوى الإسلامية في معاركها بسوريا، بغية إقامة «إمارة إسلامية» في الشمال، تكون امتداداً «للدولة الإسلامية في العراق والشام»، كما أعلن أميرها في لبنان «أبوسياف الأنصاري» قبل حوالي ثلاثة أشهر من طرابلس، بإعلان ولائه لأميرها في العراق «أبو بكر البغدادي» الذي حاول إخضاع أمير «جبهة النصرة» في سوريا «أبو محمد الجولاني» له، لكن الأخير رفض فدارت معارك عسكرية بينهما في شمال حلب وإدلب ودير الزور والرقّة، سقط فيها خلال أسبوعين حوالي أربعة آلاف قتيل، وقد انتصر زعيم تنظيم «القاعدة» في العالم أيمن الظواهري للجولاني وأيّده في عدم الطاعة والولاء للبغدادي.
فمع تحرير يبرود وهي آخر المعاقل الرئيسية للقوى المسلحة الإسلامية، بعد قارة والنبك ومهين وصدد ومعلولا، وكلها تقع في جبال القلمون، فإن النظام السوري يكون حقّق إنتصاراً عسكرياً، بربط دمشق بالساحل السوري دون وجود لمسلحين على هذا الطريق الحيوي، كما أنه حاصر المسلحين في الغوطة الغربية في داريا والمعضمية، وقطع خطوط التواصل مع الغوطة الشرقية، وبذلك يكون الجيش السوري حمى العاصمة السورية وأسقط البؤر المسلحة من حولها، وفتح الطريق نحو القنيطرة والجولان، وباتت الحدود السورية مع لبنان خالية من الجماعات المسلحة، وهذا الوضع سيعيد الهدوء الى مناطق غرب بعلبك والبقاع الشمالي والهرمل التي كانت تتعرض للقصف الصاروخي والمدفعي، كما سيحدّ من عبور السيارات المفخخة، إلا أن الخشية هو من المسلحين الذين دخلوا الى عرسال التي نزح إليها حوالي مئة ألف سوري وبينهم آلاف من المسلحين، أن يحوّلوا البلدة المحاصرة الى مسرح جديد للعمليات العسكرية، للإنطلاق منها الى الداخل السوري أو المناطق القريبة في يبرود التي استعادها الجيش السوري، أو الى افتعال صدام مع البلدات المجاورة لعرسال التي بدأ أهالي المنطقة يضجون من الإحتضان الذي يمارسه بعض مَن فيها للمسلحين ويتعاونون معهم، وقد تسببوا بإغتيال عناصر عسكرية، وباختطاف مواطنين، وقتل آخرين، والسماح بعبور السيارات المفخخة، مما ولّد احتقاناً لدى أهالي الهرمل والبقاع الشمالي وبعلبك، والذي كان «حزب الله» مع الجيش اللبناني يعملون على التخفيف ولجم غضب الناس، كي لا تقع المنطقة خصوصاً ولبنان عموماً في صراع مذهبي واقتتال سنّي-شيعي، هو ما يريده التكفيريون كي تعم الفوضى ويقيمون إماراتهم الإسلامية كما حصل في سوريا وأكثر من دولة في العالم، وأن تفجير الإنتحاري سيارته في النبي عثمان بعد يوم على استهدافها مع اللبوة واستشهاد شاب من آل سيف الدين وجرح آخرين، من أجل حصول رد فعل ضد أشخاص أو مناطق ذات كثافة سكانية من الطائفة السنّيّة مثل عرسال والفاكهة التي تجاور اللبوة والنبي عثمان، والتي عبرت السيارة المفخخة من طرقات ترابية تتصل برأس بعلبك وجرود عرسال في وادي حميد الذي هو أحد المخابئ للقوى المسلحة من الجماعات التكفيرية، وفي هذه المنطقة المفتوحة على فليطا، قتل مسلحون من عرسال الضابط في الجيش اللبناني بيار مشعلاني ومرافقه.
![]() |
أطفال سوريون مع عسكري سوري في ريف حمص الغربي. |
وقد تزامن الإنتصار العسكري في يبرود مع دخول الأزمة السورية عامها الرابع، إذ قرّر النظام السوري أن يكون الميدان هو مكان الحوار الذي لا يفهم المسلحون التكفيريون غيره لغة، إذ به يكون قد حرّر دمشق وأريافها في الغوطتين الشرقية والغربية بإستثناء البؤر العسكرية، وأيضاً محافظة حمص التي تبلغ مساحتها ربع مساحة سوريا (42 ألف كم2)، ولم يعد أمامه سوى بعض أحياء حلب وريفها مع أرياف إدلب وبعض مناطق دير الزور والرقة، بحيث انقلبت المعادلات فأصبح النظام يسيطر على مساحة 70 بالمئة من سوريا، مع بقاء بعض الجيوب في درعا ومحافظات أخرى، وهذا ما سيؤهله لإجراء الإنتخابات الرئاسية القادمة في مطلع تموز (يوليو) المقبل، وإعلان الرئيس بشار الأسد ترشحه لها لدورة ثالثة، وهذا ما أغضب المعارضة وداعميها لاسيما أميركا والوسيط الأخضر الإبراهيمي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بحيث لم يعد من حاجة لعقد مؤتمر «جنيف 3»، الذي لم يحدَّد له موعد بعد تعليق أعمال «جنيف 2»، لأن المعارضة ومَن يؤيّدها من أصدقاء لها، كانوا يقصدون من المؤتمر الدولي، ومن الحوار مع النظام أن يقدّم الرئيس الأسد لهم السلطة ويتنحّى، وهذا ما حاول وفد المعارضة أن يطلبه من أعضاء وفد النظام الذي رفض الطرح الذي يأتي في آخر سُلّم بنود مؤتمر «جنيف 1» ويتحدّث عن هيئة إنتقالية للحكم وليس عن تنحي، على أن يسبقه وقف لإطلاق النار ومحاربة الارهاب مع آلية لعودة الهدوء ونزع السلاح إلخ…
فمعركة القصيّر فرضت على المعارضة أن تأتي الى طاولة الحوار، ومعركة يبرود وتطهير الزارة وقلعة الحصن ومحيطها والتقدّم في حلب وريفها، فتحت معركة رئاسة الجمهورية التي قد تعيد الرئيس الأسد إليها، حيث تبقى الأنظار مشدودة الى معركة أخرى يجري الحديث عنها في جنوب سوريا في درعا منذ فترة بعيدة، ويعدّ لها الأميركيون وحلفاؤهم من دول أوروبية وعربية، بتدريب عناصر من «الجيش السوري الحر» في الأردن والوعد بتسليحه بأسلحة متطورة بقذائف صاروخية ضد الآليات لاسيما الدبابات، ومدافع مضادة للطائرات على أن تقيم هذه الدول منطقة حظر جوي أمام الطيران السوري الفاعل في المعركة ضد المسلحين، لتمكينهم من التقدم من درعا تحت اسم «حوران» كما من محاور أخرى في السويداء والقنيطرة، حيث لا تبعد المسافة عن دمشق سوى 90 أو 100 كلم، للإطباق عليها وفرض الإستسلام على النظام السوري، وهذه المعركة التي جُربت في السابق ومن مناطق أقرب الى العاصمة السورية، ولا تبعد سوى كيلومترات قليلة وبعضها لا يتجاوز الثلاثة أو الخمسة كيلومترات قد فشلت، وأن بعض المجموعات المسلحة موجودة في جوبر والقابون وبرزة وكفرسوسه ومخيم اليرموك وغيرها، وقد حاصرها الجيش السوري ولم تتمكن من إسقاط النظام، بحيث ظهر الرئيس بشار الأسد في أكثر من مناسبة في أحياء تعتبر خطيرة كمنطقة عدرا قبل أيام للتأكيد على أن المعركة مع المسلحين تحرز تقدماً في الميدان الذي يؤكّد الرئيس السوري،ان من دونه لا حل مع الإرهابيين الذين لا يفهمون إلاّ لغة الحديد والنار، وأن المعارضة الوطنية موجودة في دمشق، وبعضها في السلطة تشارك النظام الحوار لتطويره، إذ تدخل سوريا عام أزمتها الرابع، وقد تبدّلت الظروف، حيث غابت شعارات الإصلاح عن مَن كان يريده فعلاً وتجاوب النظام معه وحاوره، وأدخل تعديلات على القوانين، فرفضها إسلاميون متشدّدون وأقاموا في المناطق التي سيطروا عليها إماراتهم، وهو ما دفع بالمواطنين الى تغيير في قناعاتهم وتحول المزاج الشعبي الى الدولة السورية، بدلاً من «دولة الخلافة»، وهو ما أحرج المعارضين الإصلاحيين، كما بعض دول الغرب التي تبعثرت أهدافها من سوريا، وتضعضع المحور الخليجي وتفكك، وانطوى العصر التركي-العثماني وانكفأ مع مشروعه «الإخواني»، بعد أن انهار حكم «الإخوان المسلمين» في مصر وتونس وليبيا.
Leave a Reply