زينة جعفر – «صدى الوطن»
مع تراجع الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات العقلية وتحسّن الثقافة العامة تجاه هذه المشكلة المتفاقمة في أوساط المجتمع المحلي، تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن مقاطعة وين إلى أن أعداد المرضى النفسيين والعقليين في تصاعد مستمر، رغم وفرة الموارد والإمكانات المخصصة التي تتيحها الحكومات والمؤسسات المحلية لعلاج المرضى، الذين يخرج بعضهم عن السيطرة ويتسببون بحوادث مأساوية قد تفضي إلى الموت أو إيذاء الآخرين.
ومن أبرز الحالات التي أفضت إلى موت أشخاص مضطربين عقلياً، عربيان أميركيان قتلا خلال العام الماضي على يد شرطة ديربورن، أحدهما في شباط (فبراير) بعد محاولته إحراق مسجد في شمال شرقي المدينة، والآخر بعد مداهمته مقر الشرطة في كانون الأول (ديسمبر) المنصرم ومحاولته إطلاق النار على أحد الضباط بمسدس مسروق لم يعمل.
وقد تبين أن الرجلين كانا يعانيان من اضطرابات نفسية وأنهما لم يتلقيا العلاج المطلوب، وهذه مشكلة تواجه عشرات آلاف الأشخاص المصابين باضطرابات عقلية ونفسية في مقاطعة وين، بمن فيهم عرب أميركيون ناجون من الصراعات المريرة التي عصفت ببلدانهم الأم، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا.
في هذا الإطار، تشير المسؤول الطبية الرئيسية في «شبكة الصحة المتكاملة في مقاطعة وين بديترويت»، الدكتورة شامة فهيم، إلى أن تراجع الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض العقلية خلال السنوات الأخيرة، لم يساعد في إنقاص أعداد المضطربين نفسياً أو عقلياً، لافتة إلى أن الأعداد ارتفعت من 41 ألف مصاب في عام 2020 إلى 44 ألفاً في عام 2021.
فهيم، وهي طبيبة نفسية مجازة لعلاج الأطفال والبالغين، أكدت بأن الأمراض النفسية والعقلية هي من أكثر المشكلات انتشاراً في الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يعاني أو يتم تشخيص 50 بالمئة من كامل السكان بمرض عقلي أو نفسي، في مرحلة ما من مراحل حياتهم.
وقالت فهيم: «يعاني واحد من بين كل خمسة أميركيين من مرض عقلي، في أي عام تريده، كما يعاني واحد من بين كل خمسة أطفال من مرض موهن أو خطير في الوقت الحالي، وواحد من بين كل 25 شخصاً مصاباً بالفصام أو الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب الشديد، وهذه جميعها أمراض خطيرة».
وأوضحت فهيم بأنه لا يوجد سبب محدد للأمراض العقلية التي تقف خلفها عدة عوامل يمكن أن تؤدي مجتمعة إلى تدهور أو تفاقم الصحة النفسية. وتشمل هذه العوامل –بحسب فهيم– التركيب البيولوجي والوراثي للأفراد، وسلوكياتهم وأفكارهم، وسوء المعاملة والصدمات التي يتعرضون لها، وكذلك وقوعهم ضحية مرض طبي مزمن.
ونوهت فهيم بأن العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية تتضافر مع بعضها البعض وتؤدي إلى خلل في الصحة النفسية عند الأفراد الذين يمتلكون استعدادات وراثية وأمزجة فردية للتأثر السلبي من الأفكار والمشاعر والسلوكيات في حياتهم اليومية
كما لفتت فهيم إلى أن تعاطي الكحول والمخدرات ومشاعر الوحدة والعزلة واحتقار الذات يمكن أن تسهم في تردي الصحة النفسية لبعض الأفراد.
وشددت فهيم على أهمية أن يكافح الأفراد الذين يعانون من الضغوط النفسية للتعافي من الأزمات بشتى الطرق، وضرورة أن يهتم المرء بنفسه، منوهة بأن أساليب الرعاية الذاتية يمكن أن تتضمن ممارسة الرياضة، والمشي لتحسين المزاج، والمحافظة على نظام غذائي صحي، والحصول على قدر كاف من النوم كل ليلة، وكذلك ممارسة أنشطة الاسترخاء أو تمارين التنفس.
وحثت فهيم على زيارة المتخصصين والمرشدين في حال فشلت تلك الأساليب في تدعيم حالاتهم النفسية، مشيرة في هذا الخصوص إلى أن «شبكة الصحة المتكاملة في مقاطعة وين» توفر حزمة من خدمات الصحة العقلية والعلاج من تعاطي المخدرات والاستشفاء من الاضطرابات العاطفية، وغيرها من الحالات النفسية الأخرى.
ويمكن لسكان مقاطعة وين الذين يحتاجون للدعم والعلاج النفسي التواصل مع شبكة الصحة المتكاملة على مدار اليوم، وفي جميع أيام الأسبوع، على الرقم: 1.800.241.4949
كما يمكنهم زيارة الموقع الإلكتروني لشبكة الصحة المتكاملة، على العنوان: Dwihn.org، للتعرف على الإمكانات والاختبارات الكفيلة بتشخيص أوضاعهم النفسية والعقلية، من خلال اختبارات إلكترونية (أونلاين) لإمدادهم بالموارد المناسبة بناء على نتائج تلك الاختبارات.
من جانبها، أشارت الدكتورة هدى أمين إلى أن مشاكل الصحة العقلية قد تفاقمت في كافة أنحاء البلاد خلال وباء كورونا الذي ساهم في زيادة مخاوف وقلق الأميركيين بشكل كبير.
أمين، وهي طبيبة إرشاد نفسي منذ 37 عاماً، وتمتلك عيادة للأمراض العقلية في مدينة ديربورن، اقترحت بعض الوسائل للتخفيف من التداعيات الناجمة عن تدهور الصحة النفسية، مثل التثقيف الذاتي، وأن يعمل الأفراد على تزويد أنفسهم بمستوى معين من الفهم للتعامل مع التحديات اليومية، إلى جانب اللجوء إلى الأخصائيين في حال الضرورة.
وقالت أمين: «إنه لمن المهم جداً التحدث لأخصائي، وليس مع شخص من أقاربك أو أصدقائك، لأن هؤلاء لن يقدروا –مهما كانوا يحبونك– أن يقدموا لك العلاج المناسب، أو المسار الصحيح للاستشفاء مما تعانيه».
وأضافت: «إن طلب المساعدة من الأخصائيين هو أمر في غاية الأهمية، ليس فقط لأنه يقدم لك الإرشادات المناسبة، وإنما –أيضاً– لأنه يمنح الأفراد منظوراً غير متحيز حول ما يعانون أو يشعرون به».
وأوصت أمين المرضى بضرورة البحث عمن أسمته «صديقاً مكلفاً» (في إشارة إلى طلب المساعدة غير المجانية)، لأن الأخصائي سيكون شخصاً محايداً وجاهزاً للاستماع، فضلاً عن كونه قادراً على وضع الأمور في نصابها، ومساعدة المرضى على كيفية التعامل مع المشاكل والأزمات التي يواجهونها، معتبرة أن اللجوء إلى الأطباء والمستشارين النفسيين هو علامة على قوة الشخص، وليس ضعفه.
وختمت أمين بالإشارة إلى أن تحديد الدوافع والأسباب التي تجعل المرء يشعر بالقلق أو الاكتئاب هي خطوة ضرورية لمساعدتهم في السيطرة على سلوكياتهم ومشاعرهم اليومية، مؤكدة عدم التهاون في طلب المساعدة الطبية المتخصصة إذا لم تفضِ الأساليب الشخصية إلى النتائج المرجوة.
Leave a Reply