رغم أنه أدخلني السجن قبل أربعين عاما، إلا أني أكن الكثير من المحبة والاحترام للشيخ عبداللطيف بري. وأنا أكتب هذه الكلمات تقديرا له وإشفاقا عليه من الأمانة التي حمّلها لنفسه أخيرا، وهي إعلان نفسه كمرجع للجالية الإسلامية في الغرب.
لا يختلف اثنان، أن المرجعية مفهوم وركن هام في البناء الشيعي، والمؤمن لا بد له ضمنياً من اعتماد مرجع يقلد آراءه ويسلّم باجتهاداته، خصوصا هنا في المهجر، حيث الحاجة ملحة، حسب رأي الشيخ بري، لمواقف شرعية واضحة وصريحة ومسؤولة لملء الثغرات الناتجة عن المستحدثات العصرية المستجدة. وقد وجد سماحة الشيخ نفسه مؤهلا لذلك كونه يقيم منذ فترة طويلة في ديربورن.
كنت أتمنى من الشيخ عبداللطيف بري ذي الشخصية الهادئة أن يتجول بنفسه في أنحاء مدينة ديربورن، تمثلاً بالأسلوب الفريد الذي كان يسلكه إمامنا العظيم علي بن أبي طالب (ع) ليكتشف الجوانب السلبية، التي ربما لا ينقلها مساعدوه وحاشيته إليه، إذ لعله يتأكد بنفسه وبرغم وجود المراكز والجوامع الكثيرة في ديربورن، التي يتلى فيها، ليل نهار، أطهر كلام أنزل من السماء، وأن المنابر والمدارس الدينية والخطب والمواعظ المروية عن اهل البيت النبوي، عليهم السلام، ومجالس عاشوراء، كل ذلك لم يحسن بعض طباعنا الإنسانية ولم يضخ في دورتنا الدموية السماحة والتسامح بيننا نحن على الأقل، وبين بعض علماء الدين والمشايخ الافاضل المتخانقين مع أنفسهم دوما.
وترى العديد منا متجهما عابسا قرفانا من خلق الله، ولو ان الأمر بيديه لرمى الآخرين في الجحيم. نظرة بسيطة تؤكد ذلك وهم خارجون من صلاة الجمعة متدافعين ومتزاحمين بسياراتهم، وكأن القيامة قد قامت!
سيدي المرجع، في ثانوية فوردسون أكثر من ألفين طالب مسلم، والمئات في ثانوية ديربورن هايتس وأدسل فورد.. يتخذ معظم هؤلاء الطلاب من أشباه المطربين والفنانين قدوة ومثالا ويقلدونهم في الشكل والمضمون، وأكثرهم يعيشون في فراغ فكري ومعرفي وافتقار الى الحلم، والسعي للتفوق والطموح، ولا شك يا سيدي، أنك تتفق معي في أن تلك مصيبة وخسارة تدل على فراغ في نفوس الأبناء وشرخ خطير في البنية التربوية الغربية لمعظم هذا الجيل، وتقصير واضح من قبل الآباء والمربين وعلماء الدين المشغولين جدا، الذين لا يخصصون ولو مرة واحدة في السنة وقتا للقاء هؤلاء الشباب والشابات، والإنصات لهم، ورفد عقولهم بقصص نجاح وتفوق تعزز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم وتحفز مواهبهم وتسمو بأحلامهم.
هل تعلم يا سيدي، أن اثنين من مباني المسنين التي تملكها بلدية ديربورن، معظم ساكنيها من آبائنا وأمهاتنا المسنات، ومعظمهم منسيون من عائلاتهم وعلماء الدين الأفاضل، “لكل منهم شأن يغنيه”، فلا يتطوع أحدهم لزيارتهم ولو مرة في الأعياد والمناسبات الدينية. والعديد من المرضى والحزانى في الجالية بحاجة للكلمة الطيبة والتعزية الحارة وشد العزيمة والحث على الصبر من قبل رجال الدين، ولا يجدونها.
أتمنى يا حضرة العلامة ألا تبهرك الألقاب الدنيوية وألا تكون مرجعا لمدمني الفتاوى والاستخارات في كل شيء. وأتمنى ألا يضيع وقتك الثمين في الرد على الكثير من الاسئلة السخيفة التافهة التي لا تهم إلا قلة قليلة ترفل في الرفاه والدلال.
إن الجالية بحاجة اليك والى كل العلماء الأفاضل ممن يملكون الأسلوب الغربي الواضح للتواصل مع كل شرائح الناس وخصوصا الشباب وتجديد دماء المساعدين معكم. ولا أملك في النهاية إلا القول أتمنى لك التوفيق للقيام بمهام المرجعية، وأشكرك على كل مجهود تقوم به لخدمة الجالية، ولي عتب عليك، لأنك لم تحذرني.. قبل إدخالي السجن المؤبد الزوجي قبل أربعين سنة!
Leave a Reply