اتهمني الأستاذ جورج عربو، وبعد مقالي السابق بأنني ذات ميول عنصرية وأنني أنتمي إلى إحدى الخلايا الإرهابية النائمة هنا في الولايات المتحدة، التي حسب قوله، نأكل من خيرها ونحمد غيرها. ووصفني بصفات مش لطيفة، ما لها داعي، لأن الأستاذ عربو يعلم جيدا، هذا إن كان يقرأ ما أكتبه، أنني أنتمي إلى حزب الحب والمحبة لجميع الناس، وأن قلبي يفيض بالتسامح والتغاضي عن كل إساءة، وأن الداء الذي ابتلاني به الله، والذي أدعو أن لا يشفيني منه، هو حب وطني، البلد الصغير الجميل، لبنان، وحب من يحب لبنان وأهل لبنان، وحب كل البلاد العربية، التي يشملها ذلك النشيد الرائع الذي يبثه الأستاذ جورج كل ليلة والذي يتخذ منه شارة لبرنامجه الإذاعي.
ربما اكون من زمن لم يعد موجودا، ولن يوجد على ما يبدو، لأن الذي نسمعه من بعض الإذاعات العربية هنا، هو نسخة مكررة ومقززة عن كل مظاهر التخلف والتفرقة والفتنة التي يتم لها الترويج في الشرق. والمستغرب أن يحدث نفس الشيء هنا في أميركا، البلد العظيم والذي أحبه حتى العشق.
وفي وقت أحوج ما نحتاج فيه، للنظر بثقة نحو مستقبل أولادنا وأحفادنا، وأن نزرع فيهم ثقافة العيش وحب الحياة مع الجميع حولهم، مهما كان الآخر مختلفا في الدين واللون والانتماء، والذي نسمعه ونراه، هو العكس تماما، فثقافة العنصر الأعلى والأمثل، والدين الأقوم، والطبقة الأرقى يروج لها من قبل بعض الإعلاميين بإصرار وإلحاح بدون أخذ العبر من التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل أيضا. فلن يستطيع أحد إلغاء الآخر ولن يستطيع أحد تغيير عقيدة الآخر، وكل عمليات التجميل لا تستطيع تحويل الأسود إلى أبيض، ولا الأسمر إلى أشقر، فلماذا كل هذا العناء والعداء فيما بيننا، وخصوصا جيلنا نحن، جيل الآباء والأبناء، نحن الذين طفشنا من بلداننا وأوطاننا التي نحب، هجرناها وطفشنا منها لأسباب نعلمها ونعرفها جميعا. لماذا، يا أستاذ جورج عربو، لا نسعى لنشر ثقافة قبول الآخر، واحترام رأيه، والسعي بإخلاص للعيش والحياة معه حتى ولو اختلف معنا، حتى ولو وجد البعض منا، ممن مازال في نفوسهم مرارة الغضب والكره؟ أليس من الأفضل الحوار مع هؤلاء بالكلمة الطيبة حتى تبتعد خفافيش العتمة المعششة في صدورهم.
على الهواء مباشرة وفي أحد البرامج، هناك من يشتم العرب ويصف العروبة واللغة العربية بأبشع الصفات. “ليش بابا؟”. مش عاجبتك العربية، ما حدن غاصبك تحبها. لك ملء الحرية، أن تتكلم وتدعو وتروج لثقافتك وقوميتك ولكن بدون إساءة للآخرين، لأن الإساءة تسيء لقائلها أولا، والنقد بقصد التقويم.. غير الشتيمة والكلام القارص مثل برد هذه الأيام.
هذا البلد العظيم، أميركا، عظمتها بدستورها وقانونها وعظمائها الذين يتساوون أمام القانون والذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه، وهذا ما أتمنى وأرجو أن يكون لنا مثلا، نحن القادمين من الشرق، أن نقبل بعضنا بعضا وأن نملك الجرأة لنعترف بأخطائنا والسعي لعدم تكرارها وتجنب الوقوع فيها والدعاء بإخلاص أن يحمي هذا البلد من شرور العنصرية والكراهية والفتنة التي للأسف تنعب على الأبواب.
لكل إنسان في هذا العالم أن يحب من يشاء ويكره من يشاء فقط لينظر في المرآة وليرَ نفسه جيدا.
وأعتذر للأستاذ جورج عربو وجوقته من المستمعين الذين شنوا حملة شعواء علي وأسألهم فقط أن يخففوا الوطء قليلا حتى لا يصابوا بضغط الدم المرتفع، لا سمح الله! وكل المحبة لهم في عيد الحب.
Leave a Reply