الاتفاق النووي الإيراني عنوان اشتباك جديد خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
دونالد ترامب، المتخبّط والغامض في آنٍ واحد، يقارب الملفّات الأكثر حساسية على المستوى العالمي، بطريقة باتت تشكّل إحراجاً، ليس لحلفائه الغربيين فحسب، وإنما أيضاً لدائرة المحيطين به، في المنظومة الحاكمة في الولايات المتحدة.
على هذا الأساس، يقارب ترامب الملف الإيراني، بالطريقة ذاتها، التي أدار فيها الملف السوري، قبل أسبوعين، حين وضع العالم على شفير حرب عالمية ثالثة، لمجرّد الرغبة في تعزيز مكانته الداخلية، المتهالكة، بفعل الضغوط التي تمارس عليه من قبل معارضيه، وسيل «الفضائح» السياسية، التي أفقدته أكثر من نصف فريقه الأصلي في البيت الأبيض.
من هنا، يرى البعض أن دونالد ترامب لن يتوانى في جعل الملف النووي أداة لـ«بروباغندا» استباقية، للالتفاف على الراغبين في نزع شرعيته الانتخابية، التي يسعى سيد البيت الأبيض للحفاظ عليها، تارةً بخطوات عسكرية استعراضية، كما حدث في هجمات الفجر الصاروخية الأخيرة على سوريا –وقبلها في هجوم «التوماهوك» على مطار الشعيرات العام الماضي– وطوراً بتعزيز الخزينة الأميركية بمليارات الخليجيين، ولا سيما السعوديين، الذين تحوّلوا إلى متعهّدين فاشلين لدفن الموتى، يدفعون على الموت، أكثر مما قد يجنونه من عملهم!
ولا شك في أن ترامب يبدو راغباً في استخدام تلك اللعبة حتى نهاياتها، التي قد لا تكون سعيدة بالنسبة إلى المنظومة الأميركية الحاكمة –ومن خلفهم الاسرائيليون والخليجيون– خصوصاً أنها تقترب من أن تكون لعبة «روليت روسية»، مع فارق بسيط، وهو أن «طلقات الحظ» المستخدمة فيها، لا تقتصر تداعياتها على تفجير دماغ اللاعب الخاسر، بل تمتد لتطال البشرية بأسرها.
محاولة فرنسية
من هنا، يمكن فهم التحرّك الفرنسي الأخير باتجاه الولايات المتحدة. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اقترح على نظيره الأميركي الذهاب إلى «اتفاق جديد»، يهدف إلى تجاوز الخلافات بين الأميركيين والأوروبيين على «اتفاق فيينا» الموقع في تموز العام 2015، بين إيران والقوى الكبرى (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا) بعد سنوات من المفاوضات، والذي قبلت الجمهورية الإسلامية على أساسه بتجميد برنامجها النووي حتى العام 2025.
المقترح الفرنسي ينطلق من أربع نقاط، هي:
أوّلاً، ابقاء حظر تخصيب اليورانيوم الذي يشكل المرحلة الأولى لإنتاج قنبلة ذرية، كما كان وارداً في نص اتفاق العام 2015. وفي هذه الحالة ستكون التسوية النووية أمام سيناريوهين: إذا بقيت الولايات المتحدة في الاتفاق، ستكون المشكلة قد حلت، وأمّا اذا قرر ترامب في 12 أيار (مايو) المقبل الخروج من الاتفاق، فتتمثل الفكرة في فتح مفاوضات حول طريقة مواصلة مراقبة النشاط النووي الإيراني رغم كل شيء.
ثانياً، التأكد من عدم وجود نشاط نووي إيراني «على الأمد الطويل»، أي بعد العام 2025، وهي السنة المحددة لبدء انتهاء بعض بنود الاتفاق الحالي التي تنص على عدد من القيود التقنية على النشاطات الإيرانية، ما يمكن أن يسمح للجمهورية الإسلامية باستئناف التخصيب.
ثالثاً، انهاء النشاطات البالستية لإيران في إشارة إلى البرنامج الإيراني للصواريخ المتوسطة والقصيرة.
رابعاً، إيجاد ظروف لحل سياسي يحتوي إيران في الشرق الأوسط، ولا سيما في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
مع ذلك، لا يبدو مسعى ماكرون سوى محاولة جديدة لكسب الوقت، في ظل سياسة الغموض المدمّر الذي يتبعه ترامب، وهو ما دفع بأحد المحللين الغربيين إلى التعليق على التحرّك الفرنسي بالقول إنه «طَموح الى حد يبدو من غير الممكن تطبيقه على الاطلاق»!
هذا الوصف يبدو دقيقاً للغاية، بالنظر إلى ردود الأفعال التي استقبلته، ابتداء من الرفض الروسي–الإيراني لتعديل الاتفاق النووي، وصولاً إلى التشكيك الأوروبي العام بجدوى التحرّكات الدبلوماسية في ظل التخبّط الداخلي الأميركي.
رفض إيراني روسي
إيران وروسيا رفضتا رفضاً قاطعاً أي اتفاق جديد حول النووي الإيراني، فالرئيس الأيراني حسن روحاني رد على المقترح الفرنسي، في خطابه الأخير في مدينة تبريز بلهجة حاسمة حين قال إن «ترامب يقول، الى جانب رئيس دولة اوروبية: نريد ان نقرر بشأن اتفاق تم التوصل إليه بين سبعة أطراف، للقيام بماذا؟ وبأي حق؟»، متوعّداً باستئناف التخصيب النووي في حال نقض الاتفاق، فيما شدد الكرملين، على لسان المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف على أن «لا بديل» عن الاتفاق النووي.
وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني صبّت بدورها دلواً من الماء البارد، على رأسي ترامب وماكرون، حين أكدت أن الاتفاق النووي «يعمل جيداً ويجب الحفاظ عليه»، مشددة على أنه «من غير الوارد» إعادة التفاوض بشأنه، وهو ما ذهبت إليه وزارة الخارجية الألمانية، على لسان المتحدث باسمها راينر براول، الذي أكّد أن «اتفاقاً نووياً جديداً غير مطروح»، وأن ثمة حاجة «للحفاظ» على الاتفاق الحالي.
حتى بريطانيا، الحليفة الدائمة للولايات المتحدة، رافضة لأي تعديل في التسوية النووية، وهو ما عبّر عنه المتحدث باسم رئيسة الوزراء تيريزا ماي، حين أكّد تمسّك لندن بـ«اتفاق فيينا» الذي كان «ثمرة 13 عاماً من الجهود الدبلوماسية الحثيثة»، مؤكداً أنّه «يعمل بشكل جيد وإيران خفضت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 95 بالمئة».
ذروة المواجهة
لعلّ المشكلة الرئيسية تكمن في أن أحداً لا يعلم فعلياً ما هي نوايا الرئيس الأميركي، فكل شيء يبقى رهناً بقراره يوم ١٢ أيار، وإن كان هذا اليوم لن يشكل «النهاية» بالضرورة، في ظل الخيارات المتاحة أمام الرئيس الأميركي للمزايدة على معارضيه الداخليين، وضخ المزيد من الأموال السعودية، في جيبه، ولعلّ أحد أبرز تلك الخيارات هو إعادة فرض العقوبات من دون تطبيقها فوراً، أو إيجاد سبل قانونية اخرى لتحسين أثرها، حفظاً لماء الوجه.
وأياً كان قرار ترامب، فإنّ سلوكيات الرئيس الأميركي، ومحاولاته التلاعب بالملف النووي الإيراني، يشي بأنّ منطقة الشرق الأوسط، والصراع القائم عليها، مرشحان للذهاب نحو ذروة المواجهة، التي يُستبعد أن تكون، بطبيعة الحال، مواجهة عسكرية مباشرة، كما يريدها «مصاصو الدماء» الإسرائيليون و«متعهدو دفن الموتى» الخليجيون، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال اختيار وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان توجيه تهديدات إلى إيران، عبر صحيفة سعودية إلكترونية (إيلاف)، حين توعّد عبر موقعها الإلكتروني، الجمهورية الإسلامية بالقول «إذا هاجمت إيران إسرائيل فإنها ستضرب طهران وستدمر كل موقع عسكري لها في سوريا».
ولعلّ التصعيد السعودي في اليمن، من خلال إقدام «التحالف» على ارتكاب جرائم اغتيال آخرها جريمة اغتيال القيادي في جماعة «أنصار الله» صالح الصماد، يجعل من الساحة اليمنية ميداناً رئيسياً للمواجهة المرتقبة. وأما الميدان الأكثر احتمالاً لتلك المواجهة فيبقى الميدان السوري، في ظل ما يثار عن محاولات تشكيل «قوات عربية» لتحل مكان القوات الأميركية التي يزمع ترامب سحبها من سوريا خلال الأشهر القادمة.
هذا الأمر، يثير معارضة المنظومة الأميركية التي باتت تخشى مغامرات الرئيس، وهو ما عبّر عنه بشكل واضح، المحلل الأميركي جون كيربي، وهو المتحدث الأسبق باسم «البنتاغون»، حين أشار إلى أنه «يوجد قلق حقيقي من أن الحلفاء العرب سوف يستخدمون العمليات في سوريا كذريعة لإثارة حرب أكبر بالوكالة ضد إيران، وتقديم الأسلحة إلى المقاتلين المعارضين، وهو ما قد يؤدي إلى إجبار الولايات المتحدة على التدخل مجدداً في الحرب الأهلية بطرق ليست في مصلحتها».
هكذا يبدو المشهد أقرب ما يكون إلى الانفجار الكامل، في ظل سعي إسرائيلي لاستعادة الردع المفقود في سوريا كما في لبنان، وجنون سعودي يتخذ أشكالاً متصاعدة من الجنون منذ تحوّل محمد بن سلمان إلى ملك غير متوّج… وتلاقي كل ذلك مع لعبة «روليت ترامبية» تضع العالم بأسره على تخوم الجحيم!
وزير الدفاع الأميركي: لم نتخذ قراراً بشأن الاتفاق النووي بعد
قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إن الولايات المتحدة لم تتخذ بعد قراراً حول الانسحاب من الاتفاق النووي أو عدمه، وذلك خلال جلسة استماع في الكونغرس الخميس الماضي.
وأشار إلى أن كلمة الفصل ستكون قبل الـ12 من أيار (مايو) المقبل.
وأعرب الوزير عن اعتقاده أن «تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل أمر ممكن»، وشدد على ضرورة التركيز على استقرار الشرق الأوسط، وخطر إيران في حال غاب نظام مراقبة سلاحها النووي.
وتحدث ماتيس أيضاً خلال جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ لمناقشة ميزانية وزارة الدفاع، عن ضرورة الحفاظ على ترسانة عسكرية قوية تواكب التحديات التي تواجهها البلاد.
وتطرق الوزير إلى الملف السوري، وقال إن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سوريا حالياً بل إنها ستزيد من عملياتها هناك. وقال إن «حشد دعم دول المنطقة هو أكبر تحرك نقوم به في الوقت الحالي في سوريا».
من جهة أخرى، قال ماتيس إن الولايات المتحدة تحملت العبء الأكبر في الحرب على الإرهاب، وأضاف أن العمل جار لتعزيز العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة وتشكيل تحالفات جديدة.
Leave a Reply