أتسـاْل احيانا عـن اشـياء في عالمنا الحاضـر واندهش. فأنا بالرغم اننـي ابن هذه البيئة وابن اليوم الا انه لا يسعني الا أن استنكر افعال بعض اترابي واستعجبها. وبالرغم من عدم معايشتي لما كان عليه الحال في الماضـي الا انني أحاول ان اقارن احوال اليوم بتلك في الماضي، وقد اعود احيانا في استحضار التاريخ لفترات متباعـدة وبعيدة. تلك مقدمة لا بد منها ويعرف كنهها وعلة اصلها كل من قرأ لي من قبل. بلا اطالة حتى لا ادخل في لغو الحديث وهو اصلا موضوع نقدي وعلة مقالتي.
استلقيت على الكنبة في غـرفـة الجلوس اريد أن احمّلها بعضا من تعب يومي وأبث عني بعضا من هواجس أرّقتني. غفـت عيناي قليلا وشـعرت براحة منعشـة، بعد هنيهة ايقظتني احدى الفضـائيات اللبنانية التي لـن اذكـر اسـمهها رغم الحاح ضـميـري. برنامج فكاهي يحكي عـن واقـع الحياة الزوجية لـدى الجيل الجديد بأسلوب مضحك عفـوي. ورغـم انني لسـت متزوجا بعد الا ان ما عـرضـه الثنائي من تفاصـيل حيـاتهـم الزوجيـة بدا لي مع الاسـف واقعيا. فالهشـاشة (والولدنة) في تصـرفات كلا الزوجين امرا ليس مسـتغربا في حاضر ايامنا. انتهى ذلك البرنامج بعـد ان افرغ علينا هضامته المستوحاة من السـخف، وكان شـعوري جيدا فأنا لـم اكن بحاجة الى أي شـيء جـدي فـي تلك اللحظة وعـلـى تـلك الحـال. كان الليـل قد انتـصـف طبعا فتبعـه بـرنامج غنائي “طـربي” وأطّـل علينا مضيفاه -فهـما ايضا ثنائـي- بحـالة مـن السـخف تشـبه مـا تليناه عـن البرنامج السـابق. نكت كلامية وتشّـدق وابتسامات اتمنى ان تكون مصطنعة اكـل عليها الزمن وشـرب. موسيقى وغناء من كل حـدب وصـوب رميـت معا لا لسـبب سوى اللغو. تكاد لا تخلو ليلة او محطة ارضية وفضائية عربية مـن هـذا النـوع مـن البـرامج ومـا شـاكـلـه التـي لا طائلة لها ولا يمكن وصفها الا لغوا. طبعـا لا بد من الايـضاح انني لست من المتزمتين الذين يحرمون زينة الله، ولكن ذلـك الهرس للوقت والعمر كـل يـوم وعـلـى مـدار الساعة في التلفاز والـراديـو والانترنت وفي العمل والسيارة والمنزل، في الصبح وفـي المساء، وفي جـوف الليـل، ذلـك الامـر مـدعاة للعـجب. انا اتفهـم وأقـدر ان المواطن العربي الذي يكدح ويعمل طوال النهار يستأهل قليلا مـن الـراحة والاسترخاء آخـر النهار، ولكنني اعود فأستذكر أن ثلاثـة ارباع المواطنين العرب “عواطليـة”.
أخـذنـي الفكـر لا إراديا ودونما اسـتشارتي الى الماضي يـريد ان يقارنه باليوم. ولا بـد أن العـلـة فـي ذلـك سـيكولوجيـا انني عـادة اشـعـر بـالرّاحـة حينما اقارن الاشـياء بـالماضي، نتيجـة للصـورة الايـجابيـة التي أحصل عليها COMFORT ZONE THEORY والتـي ابني عليها اعتقـادي بأنه لا بد لكل شيء أن يعود الى حالته الطبيعية واصـله يـوما. لكن الصـورة هـذه المـرة اتت على واقعيتها السـلبية لتشـكل حـالة احباط لـدي. فأول صـورة اردفنـي التاريـخ بهـا كانـت مـا تعـلمـناه فـي المـدارس مـن مادة التاريخ ومفاده أن جلّ الخلفاء والملوك والسلاطين العـرب على مـدى العـصـور اضافـة الـى تلك الطـبقـة اللاكـادحـة المحيطة بهم كلهم اشـتركوا واشـتهروا بضلوعهم وضلاعتهم فـي أمـر واحـد وهـو اقامة حفلات الغناء والطـرب والمجون. اشـتهـروا بـدفعـهـم الالاف الـدنـانيـر والـدراهـم للمـغـنين والمغنيـات، والولـدان والقيـان، والجـواري والفتيـان. النـزر القلـيل منهـم انفق عشـر مـا انفقـه فـي حفـلات اللهـو والطـرب علـى العلم والعلماء والـرقي والأدب. التاريـخ يورثنا الغـث والسمين بأمانة ميـزان الـذهب وبنفس النسب، لا عجب اذا اراد كل عـربي اليوم ان يتشبّه بسلاطيـن الامس، فمـن شـابه التاريخ فمـا ظلـم.
Leave a Reply