بقلم: مريم شهاب
يقول المثل القروي: «اقعد أعوج واحك جالس» المأساة التي تعرض لها مسيحيو الموصل في العراق، هي نموذج آخر من مآسي الشرق، الذي صار كله مخيماً للاجئين وعويلاً للمشردين، وتعيش مناطقه على أبواب مؤسسات الإغاثة ووقاحة الوسطاء وتستهلك أكبر كمية من أقمشة وأوتاد الخيام، ويطلقون على الحالة أسماء كبيرة ومعقدة: صراعات وتحولات وأقليات وأكثريات، ولها جميعا تفسير واحد في الشرق الأوسط «القديم والمتوسط والحديث»: أرض العذاب والموت وإنعدام الأمان.
إن تهجير المسيحيين ونزوحهم بعد نسف كنائسهم، واغتيال كهنتهم ونهب ممتلكاتهم، لم يكن خياراً، سواء تم ذلك في فلسطين أو العراق أو سوريا أو لبنان أو مصر، ولم يكن بسبب الإسلام والمسلمين، فالنزوح المسيحي الأخير من العراق سببه جرائم وابتزاز يرتكبها خليط من المتعصبين والمتشردين وزعران الحروب والانفلات المتوحش مما سبّب أيضا هجرة الألوف من المسلمين وقتلهم وتعذيبهم وتدمير أماكن عبادتهم.
ليس من الضروري أن تقع مأساة كبرى كتلك التي وقعت في الموصل، لكي يتأكد لنا ما كنا نعرفه، بأنه تدهور مريع يحدث في الشرق وعلامته العراق!.
وليس المسيحيون وحدهم من نفحتهم نار التعصب والتوحش البربري الداعشي الذي يحمل راية الإسلام المتعصب، ولو لم يكن المهجرون في الموصل مسيحيين فهل كان «الداعشيون» أكثر رحمة؟
إن المتوحّش من البشر لا يميز بين إنسان وآخر، ولم يكن سبب الهجرة الكبرى في فلسطين، من أرض بيت لحم، المسلمون ولا الدين الاسلامي، وانما كان السبب هو الكيان الإسرائيلي ووحشيته.
ولا ننسى أن نِصْفَ العراقيين والسوريين الآن مهجرون. ولا زال الفلسطينيون يعيشون في مخيمات بائسة بانتظار العودة إلى ديارهم.
للأسف الشديد نقول: إن الشرق غارق بجشع الأحزاب والطوائف التي أغرقت الشعوب في البحث عن الذات وبين أكوام الرماد.
مشكلتنا في الحاضر، وفي المستقبل، تكرار لتشوهات الماضي، والبحث عن أية كلمة في الكتب المقدسة، أو غير المقدسة،وتفسيرها على نحو عدائي خصوصا هذه الأيام العصيبة، المثقلة بالنفور من الآخر، خاصة بين المسلمين والمسيحيين، بدلا من التواصل الفكري والإنساني والتسامح والتآخي والتواصل وتبادل الاحترام بين الأديان. والتمسك بالنصوص المقدسة السامية وفي التاريخ والتراث والتقاليد والقيم العربية الأصيلة التي تربينا عليها سويا منذ نعومة أظفارنا، حيث كانت التعددية والتجاور والبساطة سمة من سمات مجتعاتنا.
وبدلا من أن ينشر الربيع العربي مواسم العدل والحرية، فتح أبواب الجحيم وأطلق نعيق الغربان لتشويه ديننا الحنيف. لم يقل الله لرسوله: سوف تبسط سلطانك في الأرض، بل قال «إنك لعلى خلق عظيم» ولم يقل الرسول للمؤمنين: جئت لكي تحكموا العالم، بل قال «جئت لأتمم مكارم الأخلاق»
العناد من الخطايا لا من المزايا، وفي بلاد «الكرب» أمضينا العمر نقرأ في الماضي. تذكروا يوم برز محمد عبده وجمال الأفغاني، قبل مئة عام، من بلاد مصر، عمامتان تبشران بقداسة الدين، وغلاء الفرد وعظمة الحياة ووجوب العيش برقي وبعد مئة سنة خلفَ الملا عمر وعصابات «داعش» في بلاد التورا بورا. إنها مقارنة موجعة.
Leave a Reply