عنونت مجلة «تايم» الأميركية أن البيت الأبيض في واشنطن معروض للبيع بمبلغ ٢.٥ مليار دولار من أجل لفت إنتباه القراء إلى أن الأموال الطائلة التي سينفقها الحزبان الديمقراطي والجمهوري على الحملة الإنتخابية من الآن وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) ستصل إلى هذا السقف وهو الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة. وتقفز الى الذهن سريعاً المقارنة بين أميركا والبلد السائب وأنظمة وعروش البلدان العربية المتخلفة.
المقاربة «أشلب» مع لبنان، بلا قياس وتشبيه، على أساس أنه بلدٌ ديمقراطي (مذهبي) خصوصاً عندما تعلق مصير الكون على انتخاباته النيابية صيف ٢٠٠٩. دولة عظمى بمثابة قارة كاملة حققت لمواطنيها كل الكماليات من علم مجاني إلزامي وطبابة وعمل وضمانات صحية وإجتماعية ومالية وعجز وشيخوخة ونهاية الخدمة مع الكرامة والحرية وعزة النفس (مع إستثناءات طبعاً)، تنفق هذا المبلغ الأسطوري فيستهجنه الإعلام، أما في بلد «خيال الصحرا» الذي لا يمكن رؤيته على الخريطة بالعين المجردة وينعدم فيه الأمل والمستقبل، تصرف فيه السعودية ملياراً ونصف، وقيل ربما خمسة مليارات، من أجل إنجاح التيار «الزرقاوي» وجماعة «١٤ عبيد زغار» فكانت كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء. فما هو مبلغ المليارين ونصف؟ لا يعني شيئاً لمن حسب أن ماله أخلده. هذا المبلغ قد يكون مجرد رشوة صغيرة من آل سعود لمنافق كوليد جنبلاط. في أميركا القوانين الإنتخابية ليس بينها قانون الستين الحجري. أما في لبنان، فهو مبلغٌ هين أنفق على الجيوب وشراء الذمم والمغتربين الذين شدهم الحنين لـ«صحن الكبة».. لمَ العجب ففؤاد السنيورة نهب ١١ مليار دولار من دون محاسبة بينما السناتور جان إدواردز، الذي كاد أن يكون رئيساً، «زمط» من السجن بأعجوبة بعد محاكمة علنية بسبب مخالفات مالية لا تتعدى بضعة آلاف من الدولارات.
المقارنة الثانية هي كيفية تعامل الجمهورية الإسلامية في إيران مع مسألة إختطاف مواطنيها على يد العصابات الإرهابية الطائفية أثناء زيارتهم لمقام السيدة زينب، وبين تعامل «شبه الوطن» مع نفس المسألة. فإيران جعلت من سلامة ابنائها أول الأوليات الوطنية فوجهت تحذيراً للدول المتورطة في رعاية وتسليح الجماعات المسلحة وحملت تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة كامل المسؤولية، وأوفدت كبار مسؤوليها إلى تركيا وسوريا والعراق ولبنان مع توسيع مهمتهم لمساندة محور الممانعة والدعوة إلى المؤتمر التشاوري في طهران الذي هو مؤتمر أصدقاء سوريا فعلاً لا قولاً. أما عندنا، فتجد مسؤولاً يستحي من خياله، وآخر من حيتان المال تهمه ملياراته المستثمرة في السعودية على أرواح مواطنيه. بإختصار، إيران دولة عندها كرامة ومواطنية وعزة نفس. أما «دولة» لبنان الكبير.. ففهمكم كفاية! لوكان لهذه الدولة والحكومة ذرة من شرف لما تركت الأتراك يخدعوننا ويهينون ذكاءنا بالإدعاء أن ليس لهم مونة على الخاطفين المجرمين الذين يدعون «الضيافة» العربية ويسمحون لتلفزيون «الجديد» بزيارة «الضيوف غصباً عنهم» في «زنزانتهم» ليقولوا لنا أنهم في بيتهم الأول، إمعاناً في قهر العائلات وممارسة أبشع أنواع المازوشية عليهم. الدولة اللبنانية العلية، تقبل يد الأتراك وتنذل وتخنع وتطأطأ الرأس لهم وتزورهم بكل فرح وحبور من دون نتيجة مرتجاة، بل هي تنتظر كمتفرج من دون أن تقوم بمبادرة ما. فالسلطة ليست المقاومة التي لاتترك أسرانا قيد الإحتجاز. وبعد ذلك يجرؤ الجبناء على المطالبة بنزع سلاح المقاومة في حين أن الدولة بكل قضها وقضيضها غير قادرة على تحرير مواطنين تعرف مكانهم بالضبط وهوية المدعو «أبو إبراهيم» بدليل أن قناةً تلفزيونية وجدتهم وجمعت شمل بعض أهلهم معهم! أحد المخطوفين تمنى أن لا تعاملهم الدولة كما تعاملت مع قضية سماحة الإمام السيد موسى الصدر. ألحق كله مع هذا المواطن الصابرإزاء هكذا سلطة «لا تهش ولا تنش»!
بالمناسبة، سياسة «النأي بالنفس» الميقاتية المقيتة أدت بلبنان لكي يمتنع عن حضور المؤتمر التشاوري حول سوريا في إيران التي أكدت حضور ٢٠ دولة، تتقدمها روسيا والصين وتركيا وباكستان والهند وموريتانيا والجزائر وعمان والإمارات والعراق وتونس، وبعض هذه الدول تنتمي إلى معسكر أعداء سوريا. لكن «النعي بالنفس» الأمارة بالسوء لم تمنع لبنان من حضور كل المؤتمرات التآمرية التي عقدتها جامعة الدول القطرية ضد سوريا، ولم تمنعها من غض النظرعن تغلغل «القاعدة» في الشمال والحزام الأمني للمعارضة السورية هناك، وعودة «فتح الإسلام» إلى المخيمات!! فإذا كانت بلدان كتركيا وتونس حاضرة في المؤتمر من أجل دعم الحل السياسي في سوريا الأبية، فما الذي يمنع شبح الوطن هذا من الحضور؟ هل هو معارض للحوار والحل الديمقراطي بدل إسالة الدماء؟ موقف لبنان لا يهم بكل الأحوال ولا وزن له مطلقاً، فكل التقارير الغربية والأميركية تشير إلى تصدع جبهة معادي سوريا مقابل ثبات وصمود النظام والشعب والجيش في وجه الحملة الكونية رغم «هرهرة» بعض الفاسدين الخونة من أجل حفنة من الملايين القطرية، ولعل هذا ما يفسر حدوث مؤتمر طهران وبداية الهجوم الإيراني المعاكس. كما أن التقارير باتت تتحدث عن ما بعد بعد حلب عندما يعزز النظام سيطرته التامة على المدينة كما فعل في معركة «بابا عمرو» التي اعتبرها وليد جنبلاط معركة «ستالينغراد» التي ستقرر المصير، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أنهم إنسحبوا تكتيكياً.
عقبال ما ينسحبوا تكتيكياً من كل سوريا وينأى النائي بنفسه عن السلطة تماماً فيتفرغ لعد ملياراته التي لن تنفعه يوم تقع الواقعة!
Leave a Reply