قام حوالي ٨٠ طالباً من «جامعة ميشيغن-آناربر» مساء الأربعاء الماضي، باحتلال قاعة «الحكومة الطلابية» في الجامعة، وذلك بعد يوم واحد من تأجيل التصويت على مشروع قرار يطالب بالتحقيق بمدى ارتباط أربع شركات عالمية بجيش الإحتلال الإسرائيلي تمهيداً لسحب الإستثمارات الجامعية منها.
جانب من الإعتصام الطلابي داخل قاعة الحكومة الطلابية. |
الحركة الإحتجاجية كانت قد بدأت يوم الثلاثاء الماضي بتظاهرة نظمت بشكل عفوي رداً على تصويت الجسم الطلابي لصالح تأجيل البت بالقرار المقترح الى أجل غير مسمى، فيما تعهد الطلاب بمواصلة احتجاجاتهم لحين الإستجابة لقائمة من المطالب تتضمن إلغاء قرار التأجيل وتقديم إعتذار خطي من رئيس الحكومة الطلابية ونائبه والناطق باسم الحكومة الطلابية إلى الطلبة الأعضاء.
وكان حوالي ٢٥٠ طالباً حضروا جلسة الثلاثاء قد بدأوا بالهتاف بأعلى الصوت «أوقفوا الإستثمارات» احتجاجاً على قرار التأجيل. واستمر احتجاج الطلاب لمدة عشر دقائق إضافية داخل القاعة التي شهدت عملية التصويت، وهي قاعة أكبر من قاعة الحكومة الطلابية التي تتسع لـ٨٠ شخصاً فقط فيما حضر مئات الطلاب لمشاهدة عملية التصويت التي جاءت مخيبة لآمال المدافعين عن الحقوق الفلسطينية الذين شكلوا الأغلبية الساحقة من الحضور.
بعد ذلك قام الطلاب المعترضون بالتجمهر وإقامة تظاهرة إحتجاجيـة أمام المبـنى استـنكاراً لتأجيل التصويت على المقترح الذي تقدمت به جمعية «طلاب من أجل الحرية والمساواة» (سايف) والذي يطالب بإعادة النظر بالعلاقات التجارية التي تربط «جامعة ميشيغن» مع ثلاث شركات أميركية وهي «يونايتد تيكنولوجيز» و«كاتربيلر» و«جنرال ألكتريك» إضافة الى شركة «هايدلبرغ» الألمانية للإسمنت، وذلك نظراً لارتباطاتها بجيش الإحتلال الإسرائيلي، إلا أن إقتراحاً بالتأجيل طرح أمام المجلس الطلابي وحاز على أغلبية ٢١ صوتاً مقابل ١٥ وامتناع عضو واحد.
وكان إجتماع التصويت قد حدد عند الساعة السابعة والنصف مساءً لكنه تأخر ساعة عن موعده بسبب الحشد الكبير الذي اضطر جزء منه الى الإنتظار خارج القاعة، وعندما كان الطلاب المؤيدون لوقف الإستثمار مع إسرائيل ينتظرون وصلت معلومات تفيد بأن جامعة «لويولا» في شيكاغو قد أقرت مشروعاً مماثلاً فضجّ الحضور الذي طغت عليه الكوفية الفلسطينية بالتصفيق والهتاف احتفالاً.
ووصف الناشط الفلسطيني علي أبو نعمة وهو أحد مؤسسي منظمة «الإنتفاضة الإلكترونية» الإقبال الكثيف على الإجتماع بأنه «مدهش»، وقال لـ«صدى الوطن» إنه «حتى لو لم يمر المشروع إلا أن الحماس الكبير يدل على نجاح الحركة في شبك عدد ضخم من الناس في النقاش حول فلسطين». وأضاف أبو نعمة «أن حركة مقاطعة إسرائيل والمطالبة بوقف الإستثمارات الجامعية في شركات متعاونة مع الإحتلال وضعت مؤيدي نظام التمييز العنصري في إسرائيل بموقع الدفاع».
وسبق التصويت خمس مداخلات من كل طرف قام خلالها المتحدثون بمخاطبة «حكومة الطلاب» وقد أعطي كل شخص مدة ثلاث دقائق للتحدث مع أو ضد الإقتراح، خلال فترة مخصصة بعنوان «إهتمامات المجتمع الطلابي» التي استغرقت ٣٠ دقيقة.
مؤيدو إسرائيل قالوا إن المقترح يقوض مساعي السلام الجارية حالياً وهي الطريقة الوحيدة لخلق حل الدولتين، كما ادعوا أن الإقتراح ينظر فقط إلى إنتهاكات إسرائيل ويتجاهل «أعمال العنف» التي يرتكبها الفلسطينيون.
وقال أحدهم ويدعى دان هولمان «إن هذا المشروع لن يحل شيئاً بل سيخلق المزيد من التوتر داخل وخارج حرم الجامعة»، وعدد الطالب هولمان ما أسماه «الهجمات التي يقوم بها متشددون فلسطينيون ضد المدنيين الإسرائيليين»، مشيراً إلى تجاهل المقترح لهذه الهجمات، وأردف أن حركة مقاطعة إسرائيل «تؤذي الفلسطينيين على حد قول الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي هو خير ممثل للفلسطينيين من منظمة «سايف» التي تبنّـت المشروع».
أما مؤيدو القضية الفلسطينية فقد خاطبوا مجلس الطلاب بسرد قصص شخصية من نسيج تجاربهم ونضالهم ضد الإحتلال الإسرائيلي.
وأخبرت نيكول خميس المجتمعين قصة ابنة عمها التي توفيت بمرض السرطان بينما كانت تنتظر اذناً لعبور حاجز إسرائيلي بين القدس ورام الله لكي تحصل على العلاج اللازم. وقالت خميس وعيناها مغرورقتان بالدموع «لقد جاء إذن العبور لإبنة عمي إلى بيتها بعد أربعة أيام من وفاتها، والمأساة تكمن أنه عندما اكتشفنا أنها تعاني من السرطان كان الأمل بشفائها كبيراً لكن العلاج المطلوب كان على الجهة الأخرى من الحاجز.. وهذا يحدث في كل الأوقات وهو جزء من معاناتنا اليومية في فلسطين، كما تقول دائماً أمي».
واستطردت خميس «لكن هذا العذر من أمي لا يصلح معي بعد الآن ولا يصلح لنا في هذه القاعة، نحن نؤمن بالحقوق الإنسانية المتساوية وكطالبة جامعية أشعر بالعار للدراسة في جامعة تحقق أرباحاً من شركات كهذه تمزق عوائلنا إرباً».
وحاولت الناطقة باسم الإجتماع ميغان شكر ضبط النظام طبقاً لقوانين الإجتماع، عبر توجيه الأمر إلى الطلاب مراراً بعدم التصفيق فور إنتهاء الخطابات لذا استعاض الطلاب المؤيدون لفلسطين عن التصفيق بنقر أصابعهم، للإعراب عن تأييدهم لكلمات المتحدثين. إلا أن شكر عادت ووجهت إنذاراً بعدم التصفيق وعدم نقر الأصابع.
وبعد ختام فترة «إهتمامات المجتمع الطلابي» تقدم عضو المجلس جون لين بمشروع تأجيل البت بالقرار مشيراً إلى أنه «خارج صلاحية المجلس الطلابي» فتمت الموافقة بالتصويت عليه عن طريق رفع الأيادي وسط غضب وسخط الطلاب. غير أن التصويت على القرار أعيد مجدداً بعد فترة نقاش قصيرة ليتم التصويت هذه المرة شفهياً. وبعد إعلان نتيجة التصويت ساد الصمت بين الجموع قبل أن ترتفع الحناجر بهتافات «أوقفوا الإستثمار» التي إنتشرت بسرعة عبر القاعة. ودعا المجلس إلى إجتماع مغلق بعد أن فقد السيطرة على الجموع المحبطة ثم أرجأ الإجتماع وأخذ الأعضاء بالمغادرة لكن الداعين لوقف الإستثمار ظلوا يهتفون شعار «أوقفوا الإستثمار» و«عار عليكم». ولوحظ أحد الأعضاء من الذين صوتوا لصالح التأجيل يبكي تأثراً من الجموع الغاضبة.
ودعا أحد الأعضاء، الطلاب الرافضين لنتيجة التصويت احترام العملية الديمقراطية و«أن يتذكروا اسماء ممثليهم الذين صوتوا لصالح التأجيل حتى يسقطوهم في الإنتخابات المقبلة المرتقبة في نهاية آذار (مارس) الجاري، فيما أكد أعضاء آخرون على حق الطلاب في الإحتجاج وإسماع أصواتهم «لأن مجلس إدارة الطلبة لا يسمعهم».
وتحرك الطلاب بعد ذلك إلى الخارج مستمرين بالهتافات والقى البعض خطابات حول الوضع واستمر المهرجان حتى ١١:٣٠ مساء وعندها إتخذ القرار بالإعتصام في اليوم التالي (الأربعاء) حيث احتل الطلاب قاعة الإجتماعات من الساعة السادسة والنصف مساء وحتى الثانية من بعد منتصف الليل على أن تتواصل الإحتجاجات في الأيام القادمة، لاسيما وأن الجامعة على عتبة انتخابات طلابية.
عباس علوية، أحد الطلاب المحتجين، صرّح لـ«صدى الوطن» بأن الإعتصام كان خطوة إيجابية بعد إجتماع الثلاثاء، إذ «تمكن الطلاب من استعمال زخم التحرك من أجل تبديد إحباط البارحة»، معتبراً أنه لا يمكن لأحد تجاهل مطالب الطلاب وأن «إحتلال قاعة الإجتماع المخصصة للمجلس مظهر واضح لمدى رفض هذا التجاهل». وأردف «إن مشروع القرار لم يكن يطلب من الجامعة أن تنحاز لفريق ما في الصراع العربي-الإسرائيلي، بل أن تكون محايدة لأن الجامعة تفضل إسرائيل كتحصيل حاصل من خلال الإستثمار في شركات تفيد الجيش الإسرائيلي».
الطالب العضو في المجلس الطلابي والمؤيد للقرار، البين مولنار قال «إن إحتلال الطلاب للقاعة أمر عظيم. فهي ملك لهم»، وأضاف أن «بعض الأعضاء صوتوا على التأجيل ربما بسبب الخوف من إتخاذ موقف في قضية مثيرة للجدل وليس عن قناعة منهم».
وفي حين هتف طالب معتصم بالقول «هذا ميدان تحرير مصغر»، أكد الطالب عمر حشوي الذي كان نائباً لرئيس مجلس الطلبة العام الماضي أنه لم يرَ هذه الأعداد من الحضور في إجتماع طلابي.
واضطر المعتصمون الى فض اعتصامهم صباح الخميس الماضي تفادياً لوقوع مشاكل مع الشرطة. ولدى إقتراب الوقت من الساعة الثانية من بعد منتصف الليل، أصدر أحد الطلاب تعليمات حول كيفية التصرف في حال قدوم رجال الشرطة وحثهم على عدم المقاومة والقول فقط «أريد من الجامعة أن توقف الإستثمار» إذا ما سئلوا إذا كانوا يريدون أن يتم إعتقالهم، كذلك نصح الطلاب الذين لا يريدون المجازفة بإعتقالهم إلى مغادرة المبنى قبل إغلاقه رسمياً.
وقد قام رئيس مجلس الطلبة بزيارة القاعة عند الواحدة وخمسين دقيقة لكي يبحث مطالب المعتصمين وقال «إنه من غير المقبول أن يخرج الطلاب من الإجتماع وهم يشعرون بأن ممثليهم لا يريدون أن يستمعوا إليهم».
وقال «إن القرار بإرجاء طويل للتصويت أمر غير مسبوق خلال فترة وجودي في مجلس الطلبة». وعرض أن يدعو إلى إجتماع طارئ. والعمل مع ممثلي الطلاب على الغاء قرار الثلاثاء. وسألت إحدى الطالبات رئيس المجلس «هل أنت تقول لنا إنك تؤيدنا وإنـك لا توافـق عـلى القرار بالتأجيل؟ هذا الموقف كان يجب أن يصدر الليلة الماضية وليس الآن».
وقال علوية لرئيس المجلس الطلابي «منذ قدومك من الباب لم أسمعك تقول أنا آسف ولومرة واحدة، لأي من هؤلاء النساء الجريئات اللواتي وقفن وقلن أن أقاربهن قتلوا بسبب الشركات التي تستثمر جامعتنا فيها.. إنك ومجلس الطلبة الذي تمثله قد آذيت العديد من الناس يوم الثلاثاء». واستمر علوية بمخاطبته قائلاً «هوجمت فلسطينيات ملونات لأنهن وقفن هنا ولكن تم تهميشهن… إن الطلاب الملونين في هذه الجامعة مهمشون دائماً ولو بقينا واقفين من دونك هنا حتى الساعة الثانية صباحاً ليتم إعتقالنا الآن وسبب عدم إعتقالنا رغم أن الساعة تخطت الثانية هو وجودك هنا، الرجل الأبيض الحاوي على إمتيازات لذا نريد منك أن تعترف بوجود إمتيازات لديك.. قدومك هنا وقولك إنك نادم وغير موافق لا يمكن أن يمحو حقيقة أنك أخبرت أحد أعضائنا أنه إذا تم إقرار المشروع فإنك سوف تمارس حق النقض (الفيتو) ضده».
Leave a Reply