علي منصور
تعرفت على «صدى الوطن» في نهاية الألفية الثانية، عندما قدمت إلى الولايات المتحدة كطالب من أجل التحصيل الجامعي، على أمل العودة إلى لبنان بعد إتمام دراستي. كنت حينها في منزل أحد الأصدقاء عندما رأيت الصحيفة للمرة الأولى، فأخذت أتصفحها بشغف وأقلبها بحماسة، وأقرأ العناوين واطّلع على المواضيع وعلى أسماء الكتّاب والصحفيين في محاولة أولية للحكم عليها وعلى مهنيتها وصدقيتها.
أيامها، لم يكن الإنترنت متاحاً كما هو الحال اليوم، ولم تكن لمعظم الصحف والمجلات مواقع إلكترونية يمكننا من خلالها متابعة الأخبار وقراءة المقالات، فكانت متابعة الصحافة العربية في أميركا تقتصر على الفضائيات العربية والمحطات اللبنانية المحدودة عبر الاشتراكات الشهرية. وبالرغم من كل ذلك، فقد كانت الأخبار شحيحة، وكانت هناك فجوة إعلامية شاسعة بين بلادنا العربية ومهاجرنا الجديدة. ومذ ذلك الحين، واظبت على متابعة الصحيفة منتظراً نسختها، أسبوعياً، حتى شعرت بالانتماء لها قبل أن أنضم إلى أسرة المحررين فيها.
في 2004، نشرت أولى مقالاتي فيها، وكانت بعنوان «مرحلة لحودية بامتياز» في الفترة التي سبقت التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود وإصدار القرار 1559، ودخول لبنان في أزمة سياسية حادة وصلت إلى حد تهديد السلم الأهلي عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لقيت المقالة تجاوباً كبيراً من قبل القرّاء، ومن قبل الناشر ورئيس التحرير أسامة السبلاني، الذي شجعني على الكتابة في زمن كانت فيه الكتابة محصورة بنخبٍ محددة ليس من السهل اختراقها ودخول أنديتها، فشعرت بالمسؤولية المعنوية التي تلزمني الكتابة كل أسبوع، في ظل الظروف الحالكة التي عاشها لبنان في تلك الأيام.
بداية، تعلقت بـ«صدى الوطن» كقارئ، لإيماني ومعرفتي بأهمية وجود منصة إعلامية عربية في الغرب تعزز أواصر الانتماء الثقافي والاجتماعي والفكري والحضاري. لكن عندما بدأت الكتابة في الصحيفة، وكان لي شرف الانضمام لأسرة التحرير، ازداد تعلقي بها أكثر، بعد أن تعرفت على صناعة الحدث والخبر وصياغة المشهد السياسي وصولاً إلى بلورة الرأي العام و«التحريض» الإيجابي الذي يخدم الفكرة والقضية.
كما أسلفت، فقد كنت أنوي و«أحلم» بالعودة إلى وطني الأم، مهد الطفولة وملعب الصبا، لبنان. فأستذكر والدي الراحل الذي كان يفضل أن أسافر الى بلد عربي لاعتقاده أن هذه البلاد البعيدة والغريبة، لا يعود منها مَن يطأ أرضها، أو ربما تسلبه انتماءه الديني والثقافي والاجتماعي.
ولا أنكر أن «صدى الوطن» لعبت دوراً كبيراً في التوفيق بين حلمي في الدراسة والنجاح والاستقرار الاجتماعي والمالي، وبين ما كان يريده «والدي»، بتلبية نداء الوطن وصرخته والعودة حفاظاً على الهوية الاجتماعية والثقافية والفكرية التي خشِيَ من أن أخسرها.
هنا لا بدّ من العودة إلى 1984، عندما تأسست «صدى الوطن»، وكانت الصوت العربي الوحيد في الولايات المتحدة في زمن الظلمة الإعلامية والعتمة الصحفية، في زمن خلا من فضائيات وإنترنت وومواقع تواصل.. حتى الاتصالات الهاتفية لم تكن ميسورة بسبب ارتفاع كلفتها من جهة، ولعدم توفرها في البلدان العربية من جهة أخرى.
الدور المحوري والأساسي الذي لعبته «صدى الوطن» في الحفاظ على الهوية العربية في محيط غريب، مختلف ومغاير لا يمكن إهماله ونسيانه وإنكاره، كما يحلو للبعض أن يسترسل ويدّعي. فكل هذه الطفرة العربية الأميركية السياسية التي نراها اليوم ما هي إلا نتاج الزرع الذي بذرته «صدى الوطن» في أرض ميشيغن قبل 35 عاماً.
لم أخذل والدي الذي انهمرت دموعه في آخر لقاء قبل أن يشرع برحيله الأبدي ظناً منه بأنني سأخسر –ربما– هويتي وثقافتي وانتمائي، لم أخذله لأني عدت إلى وطني لبنان، لكن من دون مغادرة ديربورن.
فشكراً لـ«صدى الوطن»، لأنها منحتني بطاقة دخول إلى مجتمع واسع ومتعدد، وجعلتني أخوض تحت لوائها معركة الحفاظ على الهوية العربية والثقافية، ومكنتني من التعبير والخروج عن الأطر النظرية للعمل السياسي.. إلى ساحة العمل والتطبيق!
Leave a Reply