لم يعد يفصل اللبنانيين سوى أسبوعين عن موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي الذي مدّد لنفسه ولاية كاملة لمدة أربع سنوات، تنتهي في 20 حزيران الحالي، وقد عطّل عدم التوافق على قانون انتخاب، حصول الانتخابات النيابية في العام 2013، وهي باتت مهددة بعدم إجرائها في موعدها الذي كان مقرراً، قبل شهرين من انتهاء ولاية المجلس النيابي، لا بل دخلت مرحلة التعطيل عندما امتنع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي وقعه وزير الداخلية نهاد المشنوق ثم رئيس الحكومة سعد الحريري، وأوقفه رئيس الجمهورية مستخدماً صلاحياته، لأنه أعلن في خطاب القسم، أنه سيصدر قانون انتخاب جديد، متعهداً بعدم إجراء الانتخابات على أساس القانون الحالي النافذ (الستين) رغم التهديد بحصول فراغ في السلطة التشريعية.
وفي الوقت الذي كان يقر عون بوجود ممر إجباري لمنع الفراغ بالسير بقانون الستين، ظهرت مبادرة «للقوات اللبنانية» بقبولها بالنسبية، كنظام انتخابي والتي رفضها رئيسها سمير جعجع واعتبرها أنها لا تقيم العدالة والتوازن، بل هي «ديمقراطية عددية».
وبدأ النائب جورج عدوان وهو عضو «كتلة نواب القوات اللبنانية»، تحركاً بين الأطراف السياسية، للتسويق لمشروع أو اقتراح قانون جديد، كانت القوى السياسية المسيحية التي تضم «القوات اللبنانية»، «التيار الوطني الحر»، «حزب الكتائب» و«تيار المردة»، اتفقت عليه في لقاء لها في بكركي برئاسة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ويتبنّى النسبية الكاملة مع 15 دائرة، وهو استنساخ لمشروع قانون قدمه وزير الداخلية مروان شربل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ووافقت عليه وحوّلته إلى مجلس النواب الذي لم يجتمع لإقراره، بعد أن رفض «تيار المستقبل» حضور جلسات مجلس النواب ومقاطعتها، فرأى الرئيس نبيه برّي، أن هذه المقاطعة لا تؤمن الميثاقية، فلم يُعرض المشروع، وأرجئت الانتخابات النيابية في أيار 2013، وتمّ التمديد لمجلس النواب لمدة 17 شهراً، وحصل التمديد الثاني لمدة عامين وسبعة أشهر.
عجيبة القوات
فالقبول بالنسبية الكاملة من قبل «القوات اللبنانية» هو «العجيبة» التي تحدث عنها الرئيس برّي، بوصفه لحركة النائب عدوان، بعد أن أظهر «تيار المستقبل» قبولاً ومرونة في الموافقة عليها، وكذلك فعل النائب وليد جنبلاط، مما سهّل تقدم الاتفاق على القانون باعتماد النسبية الكاملة، التي كانت طرحها «التيار الوطني الحر» ومؤسسه العماد ميشال عون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية وبعده، وإن حاول رئيس التيار جبران باسيل، ابتداع أفكار وصيغ لقانون، كي يؤمن أكبر عدد من النواب المسيحيين بأصواتهم، ثم الحصول على كتلة نيابية للتيار لا تقل عن 40 نائباً، تعطيه الثلث المعطل في مجلس النواب، وتفتح له باب رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، لكن يبدو أن اقتراحات باسيل القائمة على الصوت الطائفي المستند إلى المشروع «الأرثوذكسي» تبخّرت، وطويت صفحتها.
والقانون المتفق عليه مسيحياً في بكركي، لاقاه الرئيس برّي بالتأييد، وهو كان صاحب فكرة لبنان دائرة واحدة على النسبية، أو مع خمس دوائر ورفع العدد إلى ستة لإرضاء النائب جنبلاط بضم عاليه والشوف واعتبارهما دائرة واحدة، إلا أن قبوله بـ15 دائرة والقريب من مشروع حكومة ميقاتي الـ13 دائرة، كان من أجل تسهيل ولادة القانون مع ضيق المهلة القانونية لانتهاء ولاية مجلس النواب، ولمنع حصول الفراغ الذي وإن حصل، سيهدم هيكل المؤسسات على الجميع بعد أن يصبح مجلس النواب في فراغ، ويتوقف عن التشريع، فتتوقف معه وتتعطل كل المؤسسات الدستورية الأخرى، من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة وهو ما حذّر منه رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وقد قرأ الرئيس عون الرسالة جيداً التي أتته من حليف وقف معه عامين ونصف العام لينتخب رئيساً للجمهورية، ولا يمكن له أن يوصل البلاد لأن تكون بلا مجلس نواب.
ولقد قطع قانون الانتخاب شوطاً متقدماً مع موافقة مختلف القوى السياسية على النسبية الكاملة، مع رفض شرط نقل مقاعد نيابية مسيحية من دوائر انتخابية إلى أخرى، وعدم القبول بالصوت التفضيلي في القضاء، لأن الدوائر صغرت، ولم توزع على نفس المعيار الواحد، إذ توجد دائرة في قضاء، وأخرى في قضاءين، وواحدة في أربعة أقضية كما في الشمال (زغرتا–بشري–الكورة–البترون)، أو ثلاثة أقضية كما في الجنوب (الزهراني–صور–النبطية) أو (بنت جبيل–مرجعيون–حاصبيا) أو قضاءين (صيدا–جزين) إلخ…
بانتظار الكلمة النهائية
ومع هذا التوافق على النسبية، تبقى الشروط التي طرحها «التيار الوطني الحر»، التي يمكن أن تنسفه، مما قد يعطل صدور القانون الذي وعد الرئيسان عون والحريري به قبل 19 حزيران، وأن الرئيس برّي متفائل بأن يقرّ في 5 حزيران، وهو الموعد الذي حدّده لانعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب، كانت مقررة في 29 أيار، وقبل هذا التاريخ في 15 أيار وفي 13 نيسان، لكنه تجاوباً مع إعطاء الوقت والفرص، لإنتاج قانون جديد، تمّ التعاطي بإيجابية، مع إستخدام رئيس الجمهورية لصلاحياته في المادة 59 من الدستور الذي أوقف العمل بمجلس النواب لمدة شهر، إفساحاً في المجال للتوافق على القانون، وحث القوى السياسية على ذلك، وهو ما فعله عندما امتنع عن التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، لحث الكتل النيابية للتفاهم على قانون، وقد أعلن رئيس مجلس النواب عن تأجيل جلسة 29 أيار إلى 5 حزيران، فتم انتقاده من قبل قوى سياسية، لاسيما مسيحية وتحديداً «التيار الوطني الحر»، بأنه استبق رئيس الجمهورية بفتح دورة استثنائية بالاتفاق مع رئيس الحكومة وفق المادة 33 من الدستور، واستخدم صلاحيات ليست له، وأن دعوته باطلة دستورياً، إذا لم تفتح دورة إستثنائية، مما اضطر الرئيس برّي إلى عقد مؤتمر صحافي قلّما ما يلجأ إليه لتوضيح موقفه الذي حاول البعض أن يستغل دعوته لجلسة 5 حزيران، لزرع الشقاق بينه وبين الرئيس عون، الذي لم ينتخبه برّي وليست العلاقات بينهما طيبة، ولا توجد كيمياء أيضاً بين الرجلين والتي تعود لسنوات، حيث ظهرت خلافات حول انتخابات جزين، وملف الكهرباء والنفط والتعيينات.
فالخلاف حول تفسير استخدام المادة 59 من الدستور، حيث اعتبر برّي أن شهر التعطيل في مجلس النواب من قبل رئيس الجمهورية، هو دين للمجلس يمكنه أن يستخدمه، لأن مدة العمل التشريعي خمسة أشهر في السنة، فاستدان الرئيس عون شهراً مستخدماً صلاحياته في المادة 59 للمرة الأولى بعد الاستقلال، ولما لم يوقع على مرسوم الدورة الإستثنائية التي وعد عون برّي بحصوله، ومثله أعلن الرئيس الحريري الذي وقّع المرسوم وأرسله إلى القصر الجمهوري، فاستودعه الرئيس عون عنده، وربط توقيعه بشرطين، نقل مقاعد مسيحية نيابية، والصوت التفضيلي، وهو ما أعلنهما الوزير باسيل، مما دفع الرئيس برّي إلى الرد بدعوة المجلس في 5 حزيران للانعقاد، ثم التخلي عن القانون إذا لم تفتح الدورة الاستثنائية، حيث رمى الكرة في ملعب رئيس الجمهورية الذي عليه التجاوب مع مرونة الرئيس برّي، ويدعو لهذه الدورة، كي يمر القانون الذي يؤكد الرئيس عون أنه هو مَن اقترحه في بكركي، ووافق عليه الرئيس برّي، وأن لا يقف عند شكليات الصلاحيات على أهميتها، ويُصدر قانون جديد، يعزز الثقة بالعهد والوعود التي أطلقها.
Leave a Reply