واشنطن – دون سابق إنذار، تخلص العالم من شبح “الإرهابي الأول”. فقد خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما ليل الأحد الماضي ليبشر الأميركيين والعالم “بن لادن قتل”. ورغم الشوائب التي طغت على العملية التي نفذتها قوات خاصة أميركية على الأراضي الباكستانية، من اختراق للقوانين الدولية وضبابية العملية وتناقضات في التصريحات الأميركية حول تفاصيلها، إضافة الى عدم قدرة الأميركيين على إثبات مقتل زعيم تنظيم “القاعدة”، باستثناء رواية فحص الحمض الريبي، إلا أن الخبر لاقى فرحاً عارماً ومواقفاً مرحبة من كافة عواصم العالم.
ودافعت الولايات المتحدة عن الغارةٍ التي استهدفت بن لادن ووصفتها بأنها مشروعة ودفاع عن النفس، وأكّدت أنها لن تتردد في تكرارها مع قادة آخرين لما سمته الإرهاب، في وقت قرر فيه الرئيس باراك أوباما عدم نشر صور بن لادن، الذي رميت جثته في البحر، وما زالت الشكوك تحيط بظروف مصرعه.
وقال وزير العدل إريك هولدر في جلسة لمجلس النواب إن الغارة “كانت قانونية وتتماشى مع قيمنا”، وهو ما أكده أيضا المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني الذي قال “لا شك في أن العمل كان قانونيا”.
وأكد كارني أن أوباما يحتفظ بالحق في التحرك مجددا ضد من وصفهم بكبار قادة الإرهاب، في معرض رده على سؤال عما إذا كان الرئيس الأميركي مستعدا لتكرار هذا العمل على أرض باكستان، رغم شكوى حكومة هذا البلد من “غارةٍ غير مرخصة وانفرادية”. ورفض مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب جون برينان القول إن بن لادن لم يكن يتمتع بنظام دعم في باكستان.
ودافع رئيس وزراء باكستان يوسف رضا جيلاني عن حكومة بلاده، وحمّل واشنطن وعواصم أخرى مسؤولية الفشل في العثور على بن لادن، قبل مصرعه.
وقد قرر أوباما عدم نشر صور بن لادن ميتا، وقال لمحطة “سي بي أس” إن ذلك سيثير العنف و”سيضر بالأمن القومي الأميركي”، وقد تستخدمه القاعدة في الدعاية ضد بلاده، وشدّد على أنه متأكد من مقتل زعيم القاعدة، الذي رميت جثته في البحر. وكان رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب مايك روجرز قال إن على إدارة أوباما عدم نشر الصور، لأنها قد تعقد أكثر عمل القوات الأميركية. ونشرت “رويترز” صورة مركبة لثلاثة ضحايا سقطوا أثناء العملية، حسب زعمها.
تضارب في التطريحات
وأثار تضارب التصريحات الأميركية بخصوص ما إذا كان بن لادن مسلحا لحظة مقتله، مزيدا من الجدل بخصوص تفاصيل العملية. وقال البيت الأبيض بداية إن بن لادن كان مسلحا، لكن متحدثا باسمه قال لاحقا إنه كان أعزل، وإن القوة الأميركية الخاصة كانت جاهزة لاعتقاله لحظةَ قتل في “معركة عنيفة جدا” جرت الأحد، واستمرت أكثر من 40 دقيقة حسب واشنطن. وزاد التضاربَ روايةُ مسؤولين أميركيين أُطْلعوا على تفاصيل العملية وقالوا لأسوشيتد برس إن بن لادن اندفع يهّم بالتقاط سلاحٍ لحظةَ قتل، وتحدثوا عن أسلحة عُثِر عليها في البيت الذي كان يقيم فيه، وبينها أسلحة شخصية. كما قالوا إن القوة الخاصة أوقفت امرأة اندفعت نحوها، خشية أن تكون، كما قال هؤلاء المسؤولون، ترتدي حزاما ناسفا.
الرواية الرسمية للعملية
من ناحيته، أعلن المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني ان بن لادن لم يكن مسلحاً وقت اطلاق النار عليه وقتله من قبل رجال القوات الخاصة الاميركية مقدما رواية جديدة عن مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” الذي قال ان صورة جثته “بشعة” والإدارة تبحث إمكانية نشرها.
وقال كارني للصحافيين “كان هناك مخاوف من ان يقاوم بن لادن عملية اعتقاله، وبالفعل فقد قاوم”. واوضح “بعد ذلك تم اطلاق النار على بن لادن وقتله. ولم يكن مسلحا”، مضيفا انه كان هناك العديد من المسلحين في المبنى ووقع “اشتباك مسلح عنيف”.
ومنذ الاعلان عن العملية التي جرت ليل الاحد الاثنين الماضي في مقر اقامة بن لادن في أبات أباد، على بعد نحو 50 كلم الى شمال العاصمة الباكستانية، تضاربت التفاصيل حول ظروف مقتل بن لادن.
فقد، قال كبير مستشاري الرئيس الاميركي لشؤون الارهاب جون برينان ان بن لادن استخدم امرأة كدرع بشرية. واوضح جاي كارني ان رجال الكومندوس عثروا على “بن لادن وعائلته في الطابقين الثاني والثالث من المبنى”. وقال ايضا ان زوجة بن لادن كانت في الغرفة معه عندما اقتحم رجال القوات الخاصة المجمع. واضاف انها “تقدمت نحو المهاجم الاميركي واصيبت في ساقها ولكنها لم تمت”.
وكان مسؤولون اميركيون قد قالوا قبل يوم ان زوجة بن لادن جعلت من نفسها درعا بشرية لحماية زوجها وقتلت في الاشتباك.
وأوضح كارني ان عائلتين اخريين هما عائلة موفد بن لادن وعائلة شقيقه كانتا تعيشان ايضا في المبنى: “الاولى في الطابق الاول من المبنى الذي كانت تقطن فيه عائلة بن لادن والاخرى في بناء اخر” ملاصق لمقر اقامة بن لادن. وحطت مروحيتان مع فريقي كوماندوس. دخل الفريق الاول المبنى الرئيسي وصعد افراده الى الطابق الثالث والفريق الاخر تكفل بالمبنى الاخر.
واشار كارني الى ان “الفريق اجتاز مقر اقامة بن لادن بطريقة منهجية غرفة غرفة خلال عملية استمرت حوالي 40 دقيقة” مضيفا ان تبادلا لاطلاق النار حصل طوال العملية.
وردا على سؤال حول احتمال اتخاذ قرار بنشر صور جثة اسامة بن لادن، اجاب المتحدث باسم البيت الابيض “سأكون صريحا، نشر صور اسامة بن لادن بعد هذه العملية امر حساس ونحن بصدد تقييم ضرورة القيام بذلك”. واوضح ان المسألة هي معرفة ما اذا كان نشر مثل هذه الصور “يخدم او يضر بمصالحنا ليس فقط هنا، ولكن في العالم اجمع”. واضاف “من العدل القول ان الصورة بشعة.. ويمكن ان تثير الحساسيات” رافضا الافصاح عما اذا كان قد شاهدها.
واضاف “ندرس الوضع. ونتعامل مع هذه المسالة بطريقة منهجية ونحاول ان نتخذ افضل القرارات”.
ولم تبلغ الولايات المتحدة السلطات الباكستانية بالعملية ضد اسامة بن لادن. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا الاثنين الماضي ان الباكستانيين “كان يمكن ان يبلغوا” بن لادن بالعملية.
واقر المتحدث باسم البيت الابيض بان العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان “معقدة لكنها مهمة”. واضاف كارني “نعمل بدأب كبير على هذه العلاقات، انها علاقات مهمة ومعقدة تعرضت للاختبار بطرق متعددة خلال سنوات وحتى هذه السنة”.
ومن ناحيته، قال جون برينان مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الإرهاب إن جثمان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن غُسل وكُفن، كما تليت عليه آيات من القرآن وفق الشريعة الإسلامية قبل دفنه في شمال بحر العرب. وأضاف برينان أن تجهيز بن لادن للدفن استغرق نحو ساعة وتم خلاله الالتزام بشدة بالتعاليم الإسلامية.
Leave a Reply