جوليا قاسم – «صدى الوطن»
بالكاد يمكنك أن تجد مقعداً تجلس عليه لاحتساء القهوة في مقهى «كومون غرايس» (البرَكة المشتركة) الكائن على شارع ميشيغن أفنيو في ديربورن الغربية، فالمحل الذي تم افتتاحه الشهر الماضي يضجّ اليوم بالرواد الذين يقصدون المقهى أفراداً وجماعات منجذبين إلى الأجواء الخاصة والنقاشات المفتوحة التي تفتقدها المقاهي التقليدية.
ورغم أنه لم تمضِ سوى بضعة أسابيع على افتتاح المكان، إلا أن أجواءه وفكرته المميزة استطاعت سريعاً، اجتذاب الكثير من الزبائن والشباب المتلهفين للانخراط في أجواء اجتماعية منفتحة، والخوض في محادثات ومناقشات عامة، دون شعور بالتهميش أو التطفل على شؤون الآخرين.
ففكرة مقهى «كومون غرايس» تقوم على أنه أكثر من مجرد مكان للتمتع بالقهوة وتبادل الأحاديث الخاصة مع الأصدقاء، إنما «هو ساحة للتلاقي والحوار بين الناس من مختلف الأعمار والأعراق والديانات»، حيث يمكن مناقشة كافة المواضيع دون أية محاذير أو خطوط حُمر، بحسب مؤسس المقهى دايل تريمبلي دولونغ.
ويقول دولونغ (٢٣ عاماً) إن اسم المقهى (كومون غرايس) مشتق من العقيدة القائلة بأن «الله يعطي كل الناس خدمات غير مستحقة»، بحسب فيديو نشره عبر صفحة المقهى على موقع «فيسبوك».
ويتميز المقهى الجديد بجوه الأنيق والمرحب، حيث يوفر الطاولات –من مختلف القياسات– للمجموعات التي ترغب بعقد اجتماعات أو نقاشات منظّمة أو عفوية.
ونوّه دولونغ في حديثه لـ«صدى الوطن»، إلى قلة «المقاهي المتخصصة» في المنطقة، مؤكداً أن مهمة
«كومون غرايس» «الأولى والأخيرة هي تقديم قهوة ممتازة للزبائن».
لافتاً إلى أنه في الوقت نفسه، لم يرد للمقهى أن يكون مجرد مكان للمطالعة، بل على العكس من ذلك، أراده مكاناً يغلق فيه الناس كمبيوتراتهم ويتحادثون مع بعضهم البعض.
وأشار إلى وجود العديد من أماكن التجمع لقضاء الأوقات واحتساء المشروبات وتدخين الأركيلة في ديربورن وجوارها، ولكن المنطقة تفتقد إلى أماكن تجتذب الأشخاص الذين لا يشربون الكحول ولا يدخنون الأركيلة، وأنه انطلاقاً من هذه الحقيقة فإن «كومون غرايس» هو بمثابة محاولة فريدة «لجمع الناس» في المدينة. غير أن سيرة دولونغ الذي انتقل للعيش في ديربورن –«منجذباً إلى تنوعها»– في العام ٢٠١٤، أثارت ريبة البعض من سكان المدينة عقب قراره بافتتاح مقهى في المدينة رغم مرور أقل من عامين على انتقاله إليها قادماً من كندا.
جدل ومخاوف
في أواخر شباط (فبراير) الماضي، تعززت المخاوف بشأن نوايا دولونغ، إثر انتشار صورة على مواقع التواصل الاجتماعي (سكرين شوت) مأخوذة من الموقع التبشيري المسيحي «مهمة لكل أمة»، وتضم بروفايل تعريفياً بـ«المبشر»: دايل تريمبلي ديلونغ، وزوجته ستيفاني.
الصورة تم تداولها على نطاق واسع بين المتصفحين المحليين في ديربورن حيث عبر البعض عن خشيتهم من أن يكون الهدف وراء افتتاح المقهى هو التبشير بالمسيحية بين أبناء الجالية الإسلامية وحثهم إلى ترك الإسلام.
وقد تضمن «البروفايل» –الذي تم حذفه لاحقاً من موقع «مهمة لكل أمة»– جملة تفيد بأن دايل وزوجته ستيفاني يأملان ويصلّيان لرؤية مسلمين يأتون إلى الإيمان بإله واحد حق».
وفي هذا السياق، أبدت سمية –وهي فتاة من ديربورن– تفهمها للبيئة المرحبة لمقهى «كومون غرايس»، ولكنها تساءلت في الوقت ذاته عن مغزى أن يقوم «مبشر سابق» بافتتاح مقهى في المدينة ذات الكثافة الإسلامية، فذلك –بحسب رأيها– «يعيق النقاشات وانفتاح الناس على بعضهم البعض». وقالت «أن تكون مبشراً فهذا لا يعني أنك موظف بدوام جزئي.. إنما هو نمط حياة تلتزم به طوال العمر»، الأمر الذي يعني– بحسب سمية– أن دولونغ يقوم بعمله بطريقة «سرية».
بدورها، قامت زينب شامي، وهي معلمة من ديربورن، بمشاركة صورة البروفايل على صفحتها على «فيسبوك»، وكتبت: «على ما يبدو، فإننا بدون أن ندري نموّل المحاولات التي ترمي إلى تحويلنا إلى المسيحية».
وتشير زينب إلى أنه «لا نوايا لديها بالدعوة إلى مقاطعة المقهى»، ولكن أرادت تنبيه أبناء مجتمعها ودعوتهم لبدء نقاش حول هذا الموضوع، مؤكدة أنها لا تهدف إلى إلحاق الضرر التجاري بالمحل، عبر إثارة الجدل حوله، وإنما المطلوب «أن نكون واعين ومطلعين على أسباب مجيئه –صاحب المقهى– إلى هذه المدينة».
في الأثناء، عارض الكثيرون من أبناء المدينة الادعاءات التي تحاول إثارة الشبهات حول المقهى مؤكدين أن لا نية لدى صاحبه باستقطاب المسلمين وحثهم على اعتناق المسيحية، ووصفت إحدى العاملات في المقهى –وهي عربية مسلمة– فكرة المقهى بأنها «تقوم على أنه مكان يجتمع فيه الناس الذين هم في العادة متباعدون، وذلك من أجل أن يتعرفوا على بعضهم البعض».
وأكدت أن رب عملها هو شخص مرحِّب ولا يشكل تهديداً لإيمان وعقيدة أي شخص، مضيفة «إن ديل هو رب عمل رائع، ويتقبل الأشخاص من مختلف العقائد، خاصة أبناء ديني، وأعتقد أنه ليس لدى الناس ما يخافون منه».
Leave a Reply