جريمة مروعة يندى لها الجبين وقعت فـي مدينة ديربورن يوم الأحد الدامي عندما ارتكب رجل عربي أميركي جريمة قتل بحق زوجته ثم قام بالانتحار. ولكن كأن هذه المأساة لوحدها لم تكف، فقد حدثت هذه الواقعة الرهيبة أمام أطفال الزوجين القتيلين. وحسب تقرير للشرطة، كان الزوج منفصلاً عن زوجته لكن مصادر مقربة من الزوجة الضحية قالت إنه كان مسيئاً لمعاملتها ومعنِّفاً لها طيلة فترة زواجهما. العنف المنزلي خطيئة مميتة لا يمكن تبريرها بتاتاً لا من الناحية الأخلاقية ولا الشرعية ولا القانونية ويمكن أن تزهق الأرواح البريئة، ومن ثم علينا جميعاً تقع مسؤولية التصدي لها ووقفها عند حدها فـي مجتمعنا الذي بدأ، للأسف، ينخره السوس من الداخل.
جريمة القتل والانتحار المزدوجة التي جرت فـي نهاية الأسبوع الماضي ليست أول جريمة تتعلق بالعنف المنزلي التي أقضّت مضجع الجالية فـي الآونة الأخيرة. فـي العام الماضي، طعن رجل عربي أميركي شقيقته حتى الموت. وكشفت لنا مصادر خاصة آنذاك أيضاً، أنه كان يسيء معاملتها بضربها ضرباً مبرحاً قبل أنْ يقرر ان يرسلها إلى قدرها المحتوم.
كان ممكناً منع هاتين الجريمتين لو تم الإبلاغ عن سوء المعاملة فـي مراحلها المبكرة.
فـي مجتمع المهاجرين يعرف الناس فـيه بعضهم، وهذا التقارب يمكن ان يشكل تحدياً كبيراً وسداً مانعاً امام ضحايا العنف المنزلي الذين يلجأون الى الصمت خوفاً من ظلم التشهير بهم وتعييبهم. كما أن مرتكبي أعمال العنف غالباً ما يكونون المعيلين الاقتصاديين الوحيدين للضحايا، الذين تمنعهم الحواجز اللغوية والعادات المستوردة من بلادهم الاصلية من الحصول على وظائف تعزز استقلالية قرارهم.
اضف الى ذلك، وصمة العار التي لا يمكن إنكارها فـي مجتمعاتنا والتي تثني عزيمة الضحايا، من النساء غالباً، عن طلب المساعدة. فعلى سبيل المثال، اذا طلبت امرأة مظلومة عناصر الشرطة ضد زوجها الذي يضربها ويعنفها، يجري تصويرها على أنها فاجرة جلبت العار للأسرة والمجتمع الذي تنتمي اليه، وعرت شؤونها الخاصة امام الأجانب!!. ولكن لا عزاء للسيدات المضطهدات من قبل أزواج طغاة يمدون أيديهم على زوجاتهم وأحياناً كثيرة أمام أطفالهم مما يؤدي إلى صدمات وعقد نفسية لدى هؤلاء الاطفال تظل تلازمهم وتلاحقهم حتى الكبر.
ولذلك يجب ان ننتهي من معرة وتعييب الضحية ونستبدلها بالرحمة والمودة والتفهم. وينبغي تمكين الضحايا من ترك الإساءة والمسيء اليهم والسعي لبلسمة جراحاتهم من دون الإشارة اليهم بأصابع الخزي والعار.
كما على مساجدنا وكنائسنا ومنظمات المجتمع المدني التي تكتظ بها جاليتنا ورجال الدين والنشطاء المخضرمين المتواجدين فـي كل المناسبات والموائد، مكافحة وصمة العار هذه وتشجيع وتقديم الإغاثة الضرورية للضحايا بل ومنع حدوث إساءات المعاملة من أساسها حتى لا تتطور الى ما لا يحمد عقباه.
وعلى الرغم من قناعاتنا بان المؤسسات الدينية والمدنية يجب ان تكون فـي طليعة المكافحين والمعالجين لهذه الآفة الاجتماعية، فعلى افراد المجتمع أيضاً اداء دور حيوي فـي الوقوف ضد العنف المنزلي. فإذا كان الفرد يعرف عن زوج أو والد أو أخ يسيء معاملة فرد ما فـي العائلة، من واجبه تجاه الضحية والمجتمع والجالية تنبيه الأطراف المعنية التي يمكن أن تساعد الأفراد الذين يتعرضون لسوء المعاملة، حتى لو اقتضى الامر اللجوء الى الشرطة، ذلك ان المشكلة لا تحل نفسها بنفسها إذا تجاهلناها، بل تتلاشى فقط من الذاكرة الحية لدينا، ولكنها فـيما بعد يمكن أن تتحول إلى جريمة قتل تطارد وعينا وتوخز ضمائرنا إلى الأبد.
العرب بطبيعتهم شعب يحافظ على الخصوصية ولا يحب كشف مكنوناته. ونحن مرعوبون أساساً من الأخبار السيئة التي من الممكن ان تنتشر حول عائلاتنا لأن نواة الأسرة تمثل جميع أفراد العائلة، وخوفنا من الفضائح غالباً ما يؤدي بنا إلى أن نغفل ونغض الطرف وأحياناً نتستر عن القضايا التي تشكل خطراً علينا وعلى مجتمعاتنا. مفهوما «الجرصة» و«الفضيحة» يقفزان إلى لغتنا عندما تقع أحداث رهيبة وتصبح مكشوفة للملأ. عندها تحل الصرخة ويتحول الألم من الحدث نفسه إلى حقيقة أنه أصبح عنواناً للأخبار التي تنتشر فـي كل مكان.
لقد عانينا من هذا عن كثب فـي «صدى الوطن» عندما كتبنا عن حالات الانتحار فـي الجالية، فانتقدنا البعض بشدة لنشر تقارير حقيقية وموثقة عن تلك الفواجع، كما لو كانت الأخبار التي نقلناها هي سبب المعاناة لا الحوادث المروعة نفسها. هذا منطق مغلوط وعلينا الخروج منه بعد الإقرار بفضيلة الاعتراف بالخطأ.
ولكن ما هو الأكثر فضحاً فـي كل هذه المعمعة: المعاناة الصامتة من قبل النساء على أيدي أزواجهن، والشقيقات على أيدي الأشقاء، والأطفال على يد الآباء، أم كشف هذه المظالم؟ ما هو المشهد الأكثر خجلاً وخزياً وعاراً: امرأة تغادر علاقة مسيئة أو جريمة قتل وانتحار تتصدر عناوين الصحف ونشرات الاخبار ومواقع التواصل الجتماعي فـي جميع أنحاء المنطقة؟
الا ان هناك حقيقة يجب ان يُشار اليها: حتماً العنف الأسري ليس مشكلة عربية أو إسلامية. إنه مشكلة كل الجاليات والمجتمعات ولا أسبقية او فضل فـيه على الآخر، حتى لا يلعب المنمطون عنصرياً ورواد الاسلاموفوبيا فـي ملعب التمييز العنصري. فوفقاً لـ«مركز الوقاية الاميركي من الأمراض»، يقع فـي كل دقيقة واحدة ٢٠ شخصاً ضحية للعنف المنزلي فـي الولايات المتحدة! كما ان عدد النساء اللواتي قُتلن على أيدي الأزواج او الأصحاب الآخرين الحاليين أو السابقين ما بين ٢٠٠١ وحتى ٢٠١٢، يفوق عدد الأفراد الذين فقدناهم فـي هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) الإرهابية والحرب فـي العراق وأفغانستان معاً، وفقاً لتقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفـيدرالي «أف بي آي».
التغيير يبدأ دائماً على المستوى الفردي. تعالوا نخلص جاليتنا من العنف المنزلي بالتبليغ عنه عندما يحدث من حولنا وقبل فوات الأوان. آملين أنْ تكون الجريمة الأحد الماضي آخر الأحزان وخاتمة المصائب التي تعصف بجاليتنا.
Leave a Reply