“إن ما يقوم به البطريرك صفيرله في المكرمات سجلات عارمة، لذلك نهنئك على كل المواقف التي أبديتها في سبيل لبنان وحدة ومكرمة وبناء، ولنتحدث عن الحكومة وعن النشاطات والجهود التي تبذلها بكركي، هذه القلعة المنيعة وهذا الحصن العظيم هو في سبيل أن يتعاظم لبنان وشعبه وأن تقوم له قامة ومكرمات عارمة”، قالها بدون وجل “نهيب” المحررين ملحم كرم الذي زار البطرك على رأس وفد من أعضاء مجلس النقابة والمستشارين، وأضاف صاحب شعار “علمتني الحقيقة أن أحبها فما إستطعت(!)”، “صاحب الغبطة، أحببنا أن نلتقيك لانك تمثل البناء والوقفة والمكرمة، وهي شؤون درجت عليها بنشأتك ومولدك ثم في الممارسات اللاحقة التي لا حدود لأنبل منها، ونحن مع إخواني نؤيد كل خطوة بانية تستهدف رفعة لبنان وصلابة هذا الصرح”.
لقد حان الوقت للتخلص من هذا الغثيان المقزز للنفس والمهزلة التي إسمها “نقيب المحررين” أو بالأحرى “نقيب المهرهرين” المتربع على عرش النقابة منذ أكثر من نصف قرن من دون فائدة واحدة. ذلك أن تزلفه الأخير لدى صرح “الكيانية العربية” هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير السياسي، وتملقه للمواقف المنحازة ألتي أصر عليها مضيفه ما هو إلا دليلٌ على أن كلام هذا الأخير “فيه إنَّ”، كما يقال في العامية، ويجانب المنطق والموقف السليم. فبأي وجه حق أو “حقيقة”، يحبها كرم حباً جماً، يؤيد هو وحاشيته كلاماً من قبيل “نحن نقول إن الامور تستقيم عندما يكون هناك موالاة ومعارضة، فالموالاة تقود البلد والمعارضة تعارض، وهذا قائم في جميع البلدان”، رغم تأليف حكومة “الوحدة الوطنية” وإنفراط عقد شركة “١٤ آذار” المساهمة بعد خروج دولاب اليانصيب البشري منها؟
ان “زحفطونية” كرم المريعة أمام “المسؤولين” والرؤساء تكاد تكون أسطورية، في الوقت الذي يجب عليه كإعلامي “أول” أن يراقب ويناقش ويحذر وينتقد لا أن “يلقلق” لسانه المعسول ويبخر به لهذا الفريق دون ذاك الفريق بسببٍ وبدون سبب! فمبايعته لموقف البطرك صفير الذي يطعن فريقاً لبنانياً وازناً وباذلاً لروحه ودمه ضد عدوٍ شرس حتى يصيّف ويشتّي هو وغيره في مناطق عديدة من لبنان الآمن، ما هو إلا تأييد ورياء وإنحياز لفريق دون آخر، ولو كان هذا الفريق يمثل مرجعيةً ما، مما يناقض المبدأ الأول للرسالة الإعلامية! وقد نجد هذا “النقيب” النجيب، الذي لم يفعل للصحافيين اللبنانيين ولا للصحافة شيئاً يذكر، يقوم قريبا بزيارة مبايعة أخرى للشيخ أحمد قبلان الذي تصدى منفرداً لكلام البطرك المتجني الأخير ضد الطائفة. ففي بلدٍ هجين عجيب كلبنان، الضد يظهر حسنه الضد!
أطرف ما قرأت عن كرم هو ما كتبه الزميل خليل الصغير في موقع “بنت جبيل” الالكتروني حيث ذكر أنه كان يشاهد حلقة إخبارية استضيف فيها رئيس اليمن علي عبدالله صالح. “وكما هي العادة في مثل هذه الحوارات على هكذا مستوى رفيع (!)، يتم الإتصال بعدد من الإعلاميين الكبار ليشاركوا بتوجيه أسئلة يعتبرونها ذات أهمية من وجهة نظرهم. وشاءت الصدف أن يكون أول من أُعطي “شرف” الإتصال نقيب المحررين ملحم كرم، وما أن أعطى المذيع الكلام للسيد “النقيب”، حتى صدح هذا الأخير بديباجة مديح لا تنتهي بالأخ القائد في صنعاء جعلت المذيع يتململ في كرسيـَّه و”الأخ القائد” يتعرّق خجلاً والسادة المشاهدين يشعرون بحاجة مزرية للتقيؤ”!
وخلص الزميل إلى القول “السؤال الذي يجب أن يوجه هو للصحافيين اللبنانيين جميعاً، خاصة أولئك الذين يتشدقون ليلاً ونهاراً بالحرية والمناقبية والإستقلالية والإلتزام والرسالة الإعلامية و و… ألا تخجلون من كل هذا الصمت الذي تلوذون به منذ عقود على مهازل إعادة انتخاب كل من نقيبي الصحافة والمحررين، التي أصبحت شبيهةً باستفتاءات التجديد للزعماء العرب، في الوقت الذي تقيمون الدنيا ولا تقعدونها على هؤلاء الزعماء؟”.
وعلى سيرة انتخابات مجلس النقابة، هذه “التمثيلية” التي تكرر كل ثلاث سنوات على مدى ٤٠ عاماً، كان آخرها في كانون الثاني ٢٠٠٧. فالانتخابات جرت على مدى أقل من ثلاث ساعات ولم يكن ثمة تزاحم على المشاركة فيها إطلاقاً، بل كان ما يشبه المقاطعة غير المعلنة لأسباب عدم الإكتراث على الأرجح. وبعملية حسابية بسيطة لدقائق الساعات الثلاث والحد الأدنى من الوقت الذي إستغرقه اقتراع كل مشارك تبين أنه يستحيل أن يكون شارك أكثر من ٣٠٠ شخص. ورغم أن بعض أعضاء مجلس النقابة حاولوا إقناعه بترك هامش “ديموقراطي” في النتائج، رفض النقيب أن ينال نسبة أقل من التي حصدها صدّام حسين في الإنتخابات الأخيرة التي نظمها في العراق، فأعلن وسط تصفيق وابتسامات أنه نال ١٠٠ في المئة من الأصوات وأن ٩٦ في المئة من أعضاء النقابة أي ١٠٤٧ منتسباً شاركوا في الإنتخابات وانتخبوه جميعاً. لم يشطبه ولا واحد!
ويقول نقابيون أن لا مجال لأي تغيير في نقابة المحررين بوجود النقيب كرم صاحب أكبر سلسلة مطبوعات في لبنان، ولا مجال حتى لتحويل النقابة نقابة فعلاً على المدى المنظور. لكنهم يضيفون أن هذه المرة قد تكون الأخيرة التي يترشح فيها الرجل لهذا المنصب، وذلك لأنه يتطلع لتسليمه إلى نجله ثائر كرم.
إن حال “النقيب” كحال الصحافة في لبنان، وهو حديثٌ يطول لكنه معبرٌ عن معاناةٍ تتلخص بالاشكالية بين الارتزاق النفعي والرسالة الاعلامية. ولطالما وضعت الصحافة اللبنانية في قفص الاتهام لمساهمتها في الحروب الأهلية بسبب تبعيتها للانظمة الخارجية. وآنياً(وعلى الهامش) دب الاعلاميون الصوت بعد أزمة جريدة “النهار” التي كأنها لوحدها تمثل كل صحافة لبنان بحيث حين تقوم الفضائيات الاخبارية بعرض أقوال الصحف، تتصدر عناوين “النهار” بداية العرض مع أنها كبوق إعلامي فقدت ألقها منذ زمن بعيد، وبالضبط عندما تحولت زمان جبران تويني إلى نشرةٍ داخليةٍ لـ”قرنة شهوان” وتيار “بشير حيةٌ فينا” تعارض معارضةً شرسة سياسات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم أضحت فجأةً ملحقاً لنشرة “المستقبل” أثر إغتياله. والاطرف من كل ذلك أن “النهار” كانت توصم بانها “مستقلة” رغم أن بينها وبين “الاستقلالية” غزلانٌ ترعى، اللهم إلا إذا كانت الاستقلالية تعني الانتماء إلى اليمين الرجعي الطائفي الكياني!! إن لدور “النهار” في المعادلة الاعلامية اللبنانية حديث آخر ذو تشعبات!
لم يعرف عن ملحم كرم قيامه بمساهمةٍ قيمة ترفع من مستوى الاعلام والاعلاميين في لبنان الذي تمتع بنسبةٍ من الحرية الاعلامية، عدا المثابرة على موقعه الخاص وتأليف موضوعات إنشاء عربي لا تسمن ولا تغني من جوع وإستجداء تصاريح سياسية بإمكان هؤلاء المصرحين الإدلاء بها لعشرات الأبواق الإعلامية!
بعد إنتخابه الأخير عام ٢٠٠٧ ألقى كرم خطبة عصماء جاء فيها: “انني بدموع العرفان والمحبة اشكر اخواني الصحافيين على الثقة الوضاءة التي منحوني اياها. نحن اليوم بثقة جماعية من اخواني الصحافيين الذين حملوني حملا على تنكب الاعباء للايام الطالعة وهوما نلتزمه امامهم. نحن ماشون في خط هوالخط المهني والنقابي والوطني وان الزمن الذي كان يقال فيه “اذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون” لم يعد زمنا لنا ولا عصرا لاستعدادنا ولا لمنطقنا، وانما زمننا يحتم علينا ان نقول: “هكذا نريد” وان تجيء النتائج في ضوء ما نخطط له وما نصمم. فان اعظم الحقائق انما هي تصور وإنما هي إرادة”.
ما أرخص الكلام في لبنان ذلك أن لا جمرك عليه، وما أكثر الضجيج وأقل الحجيج!
Leave a Reply