المنامة – دخلت الاحتجاجات في البحرين منعطفاً خطيراً الأسبوع الماضي، مع استعانة نظام المنامة بجيوش دول مجلس التعاون الخليجي لقمع المتظاهرين في أنحاء البلاد.
منعطف قد يوصل الى حرب إقليمية بطابع مذهبي لما يحمله من اضطهاد علني لشعب عربي يجري تصنيفه ففي خانة مذهبية، واستفزاز لإيران التي وقعت بين مطرقة، ردة الفعل وسندان السكوت. ولم يكن بمقدورها (حتى صدور هذا العدد) سوى التنديد بـ”التدخل الأجنبي” واستدعاء سفيرها في البحرين مهدي آغا جعفري الأربعاء احتجاجا على ما وصفتها بالمجازر التي ترتكبها السلطات بحق المتظاهرين ودخول قوات أجنبية إلى المملكة.
واستعانت المنامة بجيرانها لقمع المحتجين في البلاد ولاسيما في دوّار “اللؤلؤة” الذي كان لأكثر من شهر ينبض بتجمع المطالبين بالتغيير السلمي الديموقراطي ونشاطاتهم الشبابية والشعبية، ليتحوّل على أيدي القوى الأمنية إلى حطام ورماد امتزجا بدماء ثلاثة شهداء ومئات الجرحى من المدنيين واثنين من الشرطة، فيما عمّت البحرين حالة من الرعب الذي نشرته الجيوش السعودية والبحرينية والبلطجية، محاصرة القرى ومطلقة العنان لوحداتها الجوية والبرية التي لم توفر المستشفيات من عمليات “التطهير” التي نفذت بـ”وحشية” قلّ نظيرها.
كما اعتقلت السلطات البحرينية عدداً من زعماء المعارضة. وقالت جمعية الوفاق الوطني الشيعية، وهي أكبر جماعة معارضة في البحرين، إن من بين المعتقلين رئيس حركة “حق” حسن مشيمع وعددا من قيادات الحركة أبرزهم عبد الجليل السنكيس نائب الأمين العام للحركة وعبد الهادي المخوضر وحسن حداد، بالإضافة إلى الأمين العام لجمعية وعد إبراهيم شريف.
الموقف الأميركي
إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي اتصل بالملكين السعودي والبحريني، أكدت في وسط هذه المذبحة المعلنة في وضح النهار، على “الصداقة” التي تربطها بالانظمة الخليجية المتحالفة ضد حياة البحرينيين العزّل، واكتفت بالقول إن المسار الذي يسلكه هذا التحالف “خاطئ”، داعية إلى “ضبط النفس” ومؤكدة رفضها استخدام “القوة المفرطة”، فيما كانت ايران تحذّر من “التهديد للأمن الاقليمي” الذي تشكله أحداث الجزيرة الخليجية ذات الموقع البالغ الحساسية.
ولم يبق في دوار اللؤلؤة إلا الهياكل المعدنية للخيام المحروقة وبقايا أسطوانات الغاز المنفجرة من بقايا المخيم الذي شكل لإسابيع منبراً للأصوات المطالبة بالتغيير في المملكة. فيما لم يكن بوسع المتظاهرين المجال لأي مقاومة. وحال انسحاب المعتصمين أمام القوات المدججة بالسلاح والمدعومة بالمروحيات والمدرعات، دون سقوط عدد أكبر من القتلى.
وشن الهجوم من جهة واحدة في ما بدا محاولة من قوات الامن لدفع المعتصمين إلى الانسحاب باتجاه الأحياء المجاورة التي كانت تنتشر فيها بكثافة. وعصفت رياح شديدة في الصباح حاملة دخان القنابل المسيلة للدموع في الأجواء وناقلة ألسنة اللهب من خيمة الى اخرى، فيما اتهمت الحكومة “مخربين” بإشعال النيران في الخيام لعرقلة تقدم قوات الامن. وكان يمكن مشاهدة نصب اللؤلؤة في وسط الدوار من بين أعمدة الدخان الاسود الكثيف.
وقام رجال الشرطة المسلحون بالرشاشات بتمشيط المكان، فيما قام آخرون بخلع أبواب سيارات مركونة في المكان لتفتيشها. وتم تدمير المنبر الخشبي الذي استخدمه المحتجون لإطلاق هتافاتهم المطالبة بالإصلاح، والتي وصلت ايضا الى المطالبة بإسقاط النظام والأسرة الحاكمة.
وقال النائب المستقيل عن جمعية الوفاق المعارضة خليل مرزوق في البلاد “هناك ثلاثة شهداء وكثير من الجرحى” في الهجوم على دوار اللؤلؤة. وأضاف ان “الوضع مأساوي” في البحرين و”الجيش والامن يعملان على قتل الناس”، كما أشار الى ان “القرى حول المنامة محاصرة”. وأضاف مرزوق ان “مستشفى السلمانية (في وسط المنامة) محاصر”، وكذلك مستشفيات اخرى عامة وخاصة، متهماً السلطات بإعاقة نقل المصابين الى المستشفيات وباستخدام “الرصاص الحي في عدة مناطق من البحرين”.
واستنكرت جمعيات المعارضة السبع الاعتداء على المعتصمين في دوار اللؤلؤة.
وذكرت الجمعيات “أن هذا الاعتداء هجوم وحشي متعمد قامت به قوات الأمن والجيش البحريني والقوات السعودية على المعتصمين بدوار اللؤلؤة وباستخدام كل أنواع الأسلحة من طائرات الاباتشي والدبابات والرصاص الحي”.
وأكدت ان الهجوم تم من دون سابق إنذار للمعتصمين وبعد عودة المعتصمين إلى الدوار إثر “مجزرة الخميس الدامي” وتعهد الأمير سلمان بن حمد ولي العهد بعدم التعرض للمعتصمين كأولوية لتهيئة الأجواء المناسبة للحوار الوطني.
وأدانت الجمعيات السياسية محاصرة قوات الجيش البحريني والقوات السعودية مستشفى السلمانية الطبي واقتحامه وتعطيل وصول سيارات الإسعاف والطواقم الطبية للجرحى في الدوار، وكذلك إعاقة نقل الجرحى لباقي المراكز والمستشفيات الطبية، بما يؤكد النوايا المبيتة من قبل السلطة باتجاه قتل المعتصمين وبما يخالف مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي وقعت عليها حكومة البحرين.
وأصدرت القيادة العامة لقوة دفاع البحرين بيانا جاء فيه “صباح هذا اليوم الاربعاء الموافق 16 آذار 2011 ميلادية بدأت قوات من الأمن العام والحرس الوطني وبمساندة من قوة دفاع البحرين عملية تطهير دوار مجلس التعاون (اللؤلؤة) والمرفأ المالي ومستشفى السلمانية وما حولها وإخلائها من الخارجين عن القانون الذين روعوا المواطنين والمقيمين وأرهبوهم وأساؤوا للاقتصاد الوطني، وقد تم تنفيذ العملية حسب الخطة الموضوعة لها بكفاءة واحتراف مع مراعاة السلامة للجميع”.
وأعلنت قوات الدفاع فرض حظر للتجول “حتى إشعار آخر” يسري من الرابعة مساء إلى الرابعة صباحا في معظم مناطق العاصمة المنامة ثم جرى تخفيفه الى الثامنة مساء في اليوم التالي.
الأحكام العرفية
ومع توافد دفعات من القوات الخليجية إلى المملكة، أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة حالة “السلامة العامة” (الأحكام العرفية). وأصدر الملك المرسوم الرقم 18 بإعلان حالة “السلامة الوطنية” في جميع أنحاء البلاد ابتداءً من “الثلاثاء (الماضي) ولمدة 3 أشهر”. وكلّف القائد العام لقوة الدفاع الشيخ خليفة بن أحمد اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذا القرار الملكي.
بدوره، توعد وزير الداخلية راشد بن عبد الله، بأن “الأعمال الجرمية لن تمر بأي حال من الأحوال دون محاسبة أو مساءلة”. ورفضت الجمعيات السياسية السبع (الوفاق، العمل الوطني، المنبر الديموقراطي التقدمي، الإخاء الوطني، العمل الإسلامي، التجمع القومي الديموقراطي، التجمع الوطني الديموقراطي) والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين هذا الإجراء، وقالت في بيان إنها تستنكر “ما أقدم عليه النظام السياسي بإعلان حالة السلامة الوطنية”، وعدّته “تصعيداً أمنياً خطيراً واعتماداً على خيار عسكري لحل أزمة سياسية سببها النظام نفسه”.
فتوى أميركية: دخول القوات السعودية “ليس غزوا”
من جهته، قال البيت الأبيض الإثنين الماضي إن الولايات المتحدة لا تعتبر دخول قوات الأمن السعودية إلى البحرين غزوا فيما اعتبرته المعارضة “احتلالا”.
ودعا البيت الابيض الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي الى “احترام حقوق” سكان البحرين بعد ارسال القوات السعودية، التي دخل أفرادها وهم يرفعون شارات النصر أما عدسات الكاميرات. وقال المتحدث باسم الرئاسة الاميركية تومي فيتور “نحض شركاءنا في مجلس التعاون الخليجي على ضبط النفس واحترام حقوق البحرينيين والتحرك في شكل يدعم الحوار بدل تعطيله”.
وبث تلفزيون البحرين الرسمي مشاهد لدخول “طلائع” من قوات “درع الجزيرة الخليجية” الاثنين الماضي، قبل أن تلحقها وحدات أخرى في الأيام التالية.
وقالت جماعات معارضة بحرينية بينها جمعية الوفاق الوطني الاسلامية أكبر تكتل شيعي في البلاد إن أي تدخل من جانب قوات دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين سيكون اعلان حرب واحتلال.
وكانت البحرين طلبت قوات من دول مجلس التعاون الخليجي لاخماد الاضطرابات من جانب الشيعة الذين يمثلون الأغلبية في البحرين والذين يعانون من التمييز في في بلادهم من جانب الأسرة الحاكمة.
الحوار
وعلى أثر هذه الاحداث الخطيرة، دعا ولي عهد البحرين الامير سلمان بن حمد آل خليفة الى الإسراع في بدء الحوار الوطني، مشدداً في الوقت نفسه على ان “المطالبة يجب ان لا تتم على حساب الأمن والاستقرار”، على ما اعلنت وكالة انباء البحرين. وأشار الامير سلمان الى موافقته على مبادئ للحوار تشمل “مجلس نواب كامل الصلاحيات” و”حكومة تمثل ارادة الشعب” و”دوائر انتخابية عادلة” و”التجنيس” و”محاربة الفساد المالي والاداري” و”أملاك الدولة” و”معالجة الاحتقان الطائفي”، بحسب المصدر نفسه. لكنه حذر من ان “الحق في الامن والسلامة هو فوق كل اعتبار وأن مشروعية المطــالبة يجــب ان لا تتــم على حساب الامن والاستقرار”.
Leave a Reply