مريم شهاب
اتصل أحد المراجعين بمكتبي حول مسألة تخص عملي. وقبل انتهاء المكالمة الطويلة والأسئلة الكثيرة، سألني: هل أنت من تكتبين في جريدة «صدى الوطن»؟ أجبته بعفوية: لا أبداً، مجرّد تشابه أسماء. ودون أن أسأله عن رأيه، قال: أنا أقرأ مقالاتها كل أسبوع –ورغم أن مستواها الأدبي هزيل وضعيف– إلا أن مسلٍّ.
لم يزعجني رأيه مطلقاً، بل على العكس، فأنا أعرف أن القرّاء قليلون. وكمّ سمعت كلاماً من قبيل: لمَ تتعبين نفسك؟ لم يعد أحد يقرأ… لكنني من طينة كتّاب يكفيهم قول قارئ واحد إنه ينتظر مقالتي ويرجوني ألا أتوقف عن الكتابة، فأشعر بمسؤولية كبيرة تدفعني إلى المواظبة على الكتابة كل أسبوع، وأيضاً تحسين نفسي، إكراماً له، على صفحات هذه الجريدة الصامدة منذ سنين طويلة، وقد اعترفت مراراً بأنني لست أديبة أو كاتبة، وأن أشخاصاً آخرين غيري يستحقون شرف تلك الألقاب. أما أنا فلا يدفعني إلى مشقة حمل القلم والكتابة كل أسبوع، سوى رغبتي في التعبير بحرية، والتي لا أنكر أنها جلبت لي الكثير من وجع الرأس والمتاعب التي كان يمكن تفاديها بمجرد غضّ النظر والسكوت.
وبالحديث عن المتاعب، اتصلت بي إحدى القارئات العزيزات من مدينة ويندزر الكندية، معقبّةً على ما كتبته في مقالة الأسبوع الماضي عن اجتياح رايات عاشوراء لمدينة ديربورن، على السيارات والشرفات والمباني الدينية.
وعلى قاعدة «لا تشكيلي ببكيلك»، تمنّت القارئة علي أن أزور مدينتها لأرى ما حل بها.
تحدثت بألم عن مبنى فخم ضخم جميل، شيّد على الطراز المعماري الإيطالي. باحاته الرخامية واسعة وأدراجه الخارجية والداخلية اللولبية غاية في الذوق والأناقة، كان تابعاً للبلدية وتحيطه الزهور والأشجار المشذَّبة. لكن بعد قدوم أفواج اللاجئين والمهاجرين العرب ورحيل السكان الكنديين والإيطاليين –كما حدث هنا في ديربورن– تم عرض المبنى للبيع، فاشتراه مسلمون وحولوه إلى مركز لإقامة المناسبات الدينيّة. أول ما فعلوه، غطوا جدرانه الرخامية البيضاء بالستائر السود من الأعلى إلى الأسفل، «لبيك يا حسين… يا علي… يا زينب… وغيرها من الرايات التي لو رآها أهل البيت عليهم السلام لاستنكروا وتبرأوا ممن علّقها. فمن يدخل المكان يشعر بانقباض في صدره وسواد في أيامه.
تساءلت القارئة الساخطة: هل التعبير عن محبّة الحسين وأهل البيت يكون بعدم تنظيف باحات المبنى والأدراج وإزالة القمامة وأوساخ المراحيض، هل تُحيى ذكرى الحسين بإهمال الأزهار وتشويه المنظر العام بقلة ذوق فاقعة؟
في سنوات هجرتنا الأولى إلى هذا البلد، كنّا أقلية بين إخواننا الأميركيين الذين سبقونا وأجدادهم إلى هذه البلاد. كنا نذهب معهم إلى العمل وإلى الحدائق والنوادي، وأولادنا يذهبون مع أولادهم إلى المدارس والمباريات الرياضية. كنا جيراناً يهمهم ما يهمنا، ويفرحهم ما يفرحنا. لكنهم الآن رحلوا في أرض الله الواسعة وتركوا لنا ديربورن… فهل سنجعل مستقبل مدينتنا الحبيبة أفضل؟ كم أخشى الإجابة على هذا السؤال!
جادل أحدهم على الإذاعة قائلاً: هذا بلد الحرية، والدستور يكفل لنا الاحتفال بالمناسبات الدينية. نحن أحرار في رفع الرايات وتنظيم المسيرات واللطم على ظهورنا وصدورنا، لا دخل للآخرين بما نفعل…
ردّي عليه، بأن الدستور يسمح أيضاً بعبادة الشيطان، فلمَ لا نفعل؟!
Leave a Reply