سولت لايك سيتي – قبل أربعة أسابيع من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، أجريت يوم الثلاثاء الماضي المناظرة الوحيدة بين نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، في مدينة سولت ليك سيتي بولاية يوتاه، بإدارة الصحفية في جريدة «يو أس أي توداي» سوزان بايدج.
وعلى خلاف المناظرة الأولى التي جرت بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي جو بايدن، وسادتها الفوضى والشتائم ومقاطعة الواحد للآخر مراراً وتكراراً، شهدت مناظرة بنس–هاريس، نقاشاً أكثر هدوءاً حول عدة قضايا، كانت في مقدمتها جائحة كورونا.
تبادل المرشحان، الاتهامات في قضايا داخلية وخارجية، على رأسها ملف أزمة كورونا والعلاقات مع الصين وروسيا.
وقالت هاريس في مستهل المناظرة إن «الأميركيين كانوا شهوداً على أضخم فشل لأية إدارة رئاسية في تاريخ بلدنا» محملة إدارة ترامب مسؤولية ارتفاع حصيلة ضحايا وباء كورونا، بسبب «كذبه على الشعب الأميركي» بشأن خطورة الفيروس.
لكن بنس، الذي اتسمت مداخلاته بالهدوء، ذكر بطريقة تعامل الإدارة السابقة التي كان بايدن جزءاً منها، مع وباء إنفلونزا الخنزير عام 2009، مشيراً إلى أن الفيروس حينها أصاب 60 مليون أميركياً لكن لحسن الحظ لم يكن فتاكاً مثل فيروس كورونا المستجد. كما اتهم بنس منافسته بـ«تقويض ثقة» الأميركيين بلقاح محتمل ضد «كوفيد–19» متوقعاً البدء بتوزيعه بسرعة قياسية بحلول نهاية العام الحالي.
وقال نائب الرئيس مخاطباً هاريس: «حقيقة أنك تواصلين تقويض ثقة الجمهور في لقاح، إذا ما أُنتج لقاح أثناء إدارة ترامب، هو أمر غير معقول».
وأتى تصريح بنس رداً على قول هاريس، إنها لن تتناول أي لقاح مضاد للفيروس إذا ما أوصى بذلك ترامب.
وقالت السناتورة عن ولاية كاليفورنيا إنه «إذا قال لنا الأطباء إنه يتعين علينا تناوله فسأكون الأولى التي ستقف في الطابور لتناوله، أما إذا قال لنا ترامب إنه علينا تناوله فلن أتناوله».
وتناظر المرشحان من وراء حواجز شفافة واقية لمدة تسعين دقيقة، بعد تصديق لجنة المناظرات الرئاسية الأميركية على خطط استخدامها، وسط مخاوف متزايدة من تفشي وباء كورونا.
وبينما اتهمت، هاريس، الرئيس الأميركي وإدارته بإخفاء حقيقة الفيروس، في كانون الثاني (يناير) الماضي، عن الأميركيين، ما تسبب في وفاة 200 ألف أميركي، رد بنس، الذي يترأس فريق العمل في البيت الأبيض المكلف متابعة ملف الجائحة، إنه منذ بداية الأزمة «وضع الرئيس ترامب صحة الأميركيين في صدر أولوياته، وعلق السفر من الصين، وأنقذ حياة مئات الآلاف من الأميركيين»، مضيفا أنه «لولا الإجراءات التي اتخذها الرئيس لكنا فقدنا حياة 2.2 مليون شخص».
وفي ملف آخر، لفتت المرشحة الديمقراطية الانتباه مجدداً لقضية ضرائب ترامب، وأعادت التذكير بمزاعم صحفية بأنه «لم يدفع سوى 750 دولاراً عن ضرائب الدخل» وقالت إن شركاته مدينة بنحو 400 مليون دولار، أما بنس فأكد أن الرئيس الأميركي دفع عشرات الملايين من الدولارات في أنواع مختلفة من الضرائب.
واتهمت هاريس، إدارة ترامب بتشريع استقطاعات ضريبية» يستفيد منها فقط الأثرياء»، وقالت إنها وبايدن لديهما خطة لاستخدام أموال الضرائب في توفير تعليم مجاني ودفع ديون طلابية وفي البنية التحتية والطاقة النظيفة والابتكار والبحث والتطوير، متعهدة بعدم رفع الضرائب على الأميركيين الذين يجنون أقل من 400 ألف دولار سنوياً.
بنس، رد قائلاً بأن بايدن تعهد بإلغاء الاقتطاعات الضريبية التي أقرها ترامب مما يعني زيادة الضرائب على جميع الأسر الأميركية، متهماً أيضاً، بايدن وهاريس، بأنهما سيسعيان لإلغاء الإجراءات الجمركية مع الصين والاستسلام لها».
كذلك وصف، بنس، أيضاً قانون الرعاية الصحية المعروف باسم «أوباماكير» بأنه «كارثة»، مشيراً إلى أن إدارة ترامب تعمل على وضع خطة بديلة توفر الحماية للأشخاص الذين لديهم أمراض مسبقة.
وفي ملف التغير المناخي أقر بنس بأن المناخ يتغير مؤكداً «التزام الرئيس الأميركي بحماية البيئة» ورفضه للـ«خطة الخضراء» التي يدعمها الديمقراطيون قائلاً إنها «ستزيد من تكلفة الطاقة وستسحق الوظائف».
وقال إن الولايات المتحدة خفضت انبعاثات الكربون أكثر من الدول الموقعة على «اتفاقية باريس للمناخ».
وفي واحدة من أقوى هجماته في المناظرة، اتهم بنس منافسته بأنها «ليبرالية أكثر من السناتور الاشتراكي، بيرني ساندرز، وتضع أجندتها البيئية قبل الوظائف».
بدورها، اتهمت هاريس، إدارة ترامب، بالتسبب في خسارة 300 ألف وظيفة صناعية وزيادة تكلفة السلع بسبب الحرب التجارية مع الصين، وهو ما رفضه بنس قائلاً إنه في أول ثلاث سنوات ونصف من عمر الإدارة تم توفير مئات آلاف الوظائف الصناعية التي اعتبرتها الإدارة بأنها أصبحت من الماضي ولن تعود بـ«عصا سحرية».
وأكد بنس على أن إدارة ترامب تتخذ نهجاً صارماً ضد الصين، التي اتهمها بالمسؤولية عن انتشار الفيروس، واستغلال الولايات المتحدة على مدى عقود.
هاريس، من جانبها، ردت بأن ترامب خسر حربه مع الصين متسبباً «بفقدان حياة أميركيين والوظائف ومكانة الولايات المتحدة».
وقالت إن الإدارة الحالية «خانت أصدقاءنا»، و«وقفت إلى جانب الديكتاتوريين في العالم، مثل روسيا»، متفادية توجيه أي انتقاد للصين.
ورد بنس، بأن ترامب قادر على النهوض بالاقتصاد مجدداً وتوفير الوظائف للشعب الأميركي في حال إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.
وفي سياق آخر، انتقدت السناتورة السمراء الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، محذرة من أن ذلك جعل طهران «تعيد بناء ترسانتها النووية».
أما بنس فحرص على التأكيد أن الرئيس أوفى بتعهده نقل السفارة الأميركية للقدس «ووقفنا مع حلفائنا، وقفنا بقوة ضد من يريدون إلحاق الأذى بنا».
وقال: «تخلصنا من تنظيم داعش بعد أن استولى على منطقة بحجم ولاية بنسلفانيا، وقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي من دون فقدان أي جندي أميركي»، مشيراً كذلك إلى أن الولايات المتحدة أصبحت «أكثر أمانا» بقتل قاسم سليماني، الذي «قتل مئات الأميركيين في الخدمة، وكان في طريقه لقتل المزيد، واتهم بايدن بأنه رفض شن الغارة ضد زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.
جدد، بنس اتهام بايدن وهاريس، بالسعي إلى زيادة عدد مقاعد المحكمة العليا لانتزاع الأغلبية من المحافظين، في حال فوزهما، وهو اتهام لم تنفه هاريس لكنها ردت بالقول إن إدارة ترامب لم تعين أي قاض أسود من بين 50 قاضٍ فدرالي قام بتعيينهم لمدى الحياة في محاكم الاستئناف الفدرالية.
كما اتهمت هاريس، الرئيس ترامب بالاستخفاف بالجيش الأميركي، كما وصفت قسماً من الشرطة الأميركية بأنه يحمل ضغائن للأقليات في البلاد.
وحاولت هاريس كذلك التذكير بموقف ترامب، في المناظرة السابقة، من الجماعات التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض، والانتقادات بأنه لم يعلن إدانته لها صراحة، فرد بنس بأن ترامب أدان العنصرية البيضاء مراراً، متهماً هاريس ووسائل الإعلام باقتطاع تصريحاته. كما اتهم منافسته بأنها «لم تقدم أي إنجازات عندما كانت مدعية عامة فيما يتعلق بالإصلاح الجنائي وزاد، أثناء توليها المنصب، عدد المسجونين من أصول أفريقية».
ورداً على سؤال عن موقفه إذا رفض الرئيس الأميركي تسليم السلطة لو خسر الانتخابات، أكد بنس ثقته في الفوز بأربع سنوات أخرى، مذكراً بأن الإدارة الديمقراطية السابقة التي كان بايدن جزءاً منها حاولت الانقلاب على نتيجة الانتخابات السابقة وعزل ترامب من منصبه ولم ينجحوا.
وفور انتهائها، علق الرئيس ترامب، على المناظرة عبر موقع «تويتر» قائلاً: «مايك بنس فاز بفارق كبير!».
وحظيت هذه المناظرة بأهمية استثنائية، لأن بايدن يبلغ من العمر 77 عاماً، مما يعني ضرورة أن تثبت هاريس –العضو في مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا وأول امرأة من ذوي البشرة الملونة تترشح للمنصب– القدرة على تولي صلاحيات الرئاسة في حال عجز بايدن لسبب ما عن مواصلة مهامه في حال فوزه بالرئاسة.
لكن أكثر ما انشغلت به مواقع التواصل الاجتماعي بعد المناظرة، ذبابة كانت تحوم حول المنصة.
وتحولت الذبابة، التي حطت على رأس بنس لمدة دقيقتين، إلى نقطة نقاش وتحاور على الانترنت، إذ أعيد نشر ومشاركة كلمة «الذبابة» 700 ألف مرة على «تويتر»، منذ أن ظهرت خلال المناظرة.
ومن المقرر أن يتواجه ترامب وبايدن في مناظرتهما الثانية بإدارة الصحافي ستيف سكالي يوم الخميس القادم بمدينة ميامي.
Leave a Reply