حسن خليفة وخليل رمَّال – «صدى الوطن»
إن الناظر إلى المباني المدرسية فـي منطقة كريستوود التربوية فـي مدينة ديربورن هايتس يظن نفسه انه فـي دولة من دول العالم الثالث، وليس فـي أميركا، لأنها تبدو فـي حالة مزرية ومتدنية من ناحية الصيانة بسبب الشقوق الواقعة فـي السقوف والناجمة عن تسرب المياه اليها ومقاعد الدراسة المكسورة والتكنولوجيا التي عفا عليها الزمن. كل هذه المشاكل ابتُلي بها الطلاب والموظفون على السواء على مدى عقود طويلة، لكنهم أُجبروا على التعايش مع الأعطال رغم اضطرارهم بعض الاحيان بالقيام بورشات ترقيعية مؤقتة لتفادي الإنهيار الكامل، وإن كان ذلك على حساب تمويل العملية التعليمية. وأمام الحالة التي يرثى لمدارس كريستوود الخمس توصل مسؤولو المنطقة التعليمية والأهالي، ومعظمهم من العرب الأميركيين لوضع حل لهذا التردي الفاضح عن طريق اقتراح خطة شاملة وطويلة الأجل بإصدار سندات دين بقيمة ٣٥ مليون دولار لاستبدال المباني المتضررة، بأخرى حديثة وجديدة وبناء صفوف دراسية تحاكي المستقبل وتحسن نوعية التعليم.
ولكن لتحقيق ذلك يجب أن يحظى المقترح بأصوات أغلبية الناخبين فـي منطقة كريستوود فـي الانتخابات الخاصة التي ستعقد يوم الثالث من أيار (مايو) المقبل.
حاجة ملحة
توصل مسح شامل أجرته شركة «كريسا بلانت موران» الاستشارية المستقلة عام ٢٠١٤، لكل المباني المدرسية فـي كريستوود، الى وجود حاجة ملحة لصرف حوالي ٥٠ مليون دولار لإصلاح وتحديث المباني المتهالكة.
وبعد سلسلة اجتماعات مشتركة جمعت ممثلين عن الأهالي والمسؤولين فـي منطقة كريستوود التي تضم كثافة عربية مرتفعة، تم التوصل من خلالها إلى صيغة مقترح يدعو الناخبين الى الموافقة على رفع الضريبة العقارية لسكان المنطقة الواقعة فـي وسط ديربورن هايتس لتوفـير سداد سندات دين بقيمة ٣٥ مليون دولار ستصرف فوراً على الشكل التالي: استثمار بقيمة ٢٥ مليون دولار لتحسين المباني المدرسية ورفع مستوى الأمن فـيها، و٥.٤ مليون دولار لتوسيع المباني الحالية، و٤.١ مليون للتطوير التكنولوجي، ونصف مليون دولار لاستبدال المعدات القديمة بأخرى حديثة.
وتضم منطقة «كريستوود» التعليمية حوالي 3500 طالب من مرحلة الحضانة الى الثانوية، يتوزعون على مدارس «كريستوود» و«ريفرسايد» و«هايفـيو» و«كينلوك» و«هيلكرست». وفـي هذا الصدد أكد براين أيبريل، مدير العمليات المدرسية فـي «كريستوود»، أن إصلاح المباني المتهالكة قضية طال انتظارها مشيراً الى أنها لطالما استنزفت أموال الخزينة من دون إيجاد حل حقيقي لها.
وكشف أيبريل أن آخر مرة تم فـيها تطوير البنى التحتية والمباني المدرسية فـي منطقة كريستوود، كانت من حوالي خمسة عقود، وذلك عندما تم بناؤها فـي عام ١٩٦٠»، وأضاف متهكِّماً «إنَّ معظم التصليحات هي من النوع الذي كان يجب ان يتم البارحة لا اليوم. السقوف يطالها التلف بشكل سيء وتقدر كلفة إصلاحها بأكثر من أربعة ملايين دولار وهذه مسألة تحتاج إلى معالجة فورية».
وردد رون اليساندريني، المدير المشرف على عمليات التشغيل والصيانة فـي كريستوود، صدى كلام أيبريل فقال «المدارس غالباً ما تعتمد على حلول ترقيعية سريعة تستنزف الأموال المخصصة أصلاً لتحسين التعليم».
ومضى يقول «إن كل شيء فـي المباني يحتاج إلى تطوير لجعله أكثر أماناً وصحة للطلاب – وهذا شيء حيوي كان ينبغي أن يتم قبل ٢٠ عاماً». وأضاف أن المنطقة كانت تنفق حوالي ألفـي دولار فـي كل مرة تضطر فـيها لإصلاح أي تسرب من السقف، وشكل هذا استنزافاً واضحاً و«مجرد بداية لما هو أسوأ» فـي حال لم يتم إيجاد حل جذري للمشكلة.
وتابع «لا نعرف متى قد يحصل تسرب المياه من الأسطح»، «هناك الكثير من المعلمين يقومون بتغطية كومبيوتراتهم ومكاتبهم كلما لاحت عاصفة مطرية فـي الأفق، خوفاً من تسرب المياه الى الأجهزة خلال عطلة نهاية الأسبوع أو الأعياد».
من جهتها صرحت كيم باين، رئيسة رابطة أولياء الأمور والمعلمين، (بي تي آي)، فـي مدرسة «ريفرسايد» المتوسطة، انها شاركت فـي الأنشطة المدرسية منذ أوائل عام ٢٠٠٠ وشهدت تدهور المدارس منذ ذلك الحين.
وعددت باين، التي كانت تجلس بجوار مقعد مكسور فـي قاعة الرياضة (اوديتوريوم)، لائحة ببعض المشاكل الفنية – من بينها أبواب الحمامات المُخلَّعة، وأرض البلاط والسقوف التي تتسرب منها المياه وانهيار الأسقف وانكشاف الاسبستوس تحت البلاط. وختمت باين بالقول ان «المرافق العامة تتهاوى من حول أطفالنا».
الأمن والتكنولوجيا الحجرية
ومن بين المخاوف التي تؤثر على الطلاب وسلامتهم. افتقار مدارس كريستوود إلى الإمكانيات الأمنية الكفـيلة بمنع تعرض الأطفال والموظفـين للضرر من الدخلاء.
وقالت لورين ڤان ڤالكينبرغ، المشرفة العامة على مدارس «كريستوود»، إن المباني تفتقر للحجر العازلة المعروفة باسم «فستيبيول» والتي تفصل بين الخارج والداخل عند مداخل الأبنية المؤمنة مثل المحاكم والمصارف وغيرها.
وأضافت أنه فـي إحدى المدارس، يمكن للزوار أن يدخلوا المبنى دون أن يتم رصدهم من قبل المكتب الرئيسي.
وحالياً، تستخدم مدارس كريستوود نظام دخول عبر الجرس (بازر)، حيث يتم التعرف إلى الداخلين من خلال كاميرات ذات جودة منخفضة قبل أن يتم السماح لهم بالدخول.
ولتلبية الشروط الفدرالية الجديدة المتعلقة بأمن المدارس، بات يتوجب على مدارس كريستوود أيضاً تطوير تكنولوجيا الطوارئ فـيها. ففـي الوقت الحالي يظهر لدى الاتصال بالشرطة عنوان المدرسة التي تشهد حالة طارئة، ولكن وفق المعايير الجديدة على المدرسة أن تحدد الغرفة التي شهدت الحادث، بحسب ڤان ڤالكينبرغ. ولتحقيق ذلك، يتعين إجراء إصلاحات تكنولوجية كبرى فـي جميع أنحاء المرافق، بدءاً بنظام الهاتف.
«لقد قيل لنا إن المرة التالية التي سينهار فـيها نظام الهاتف لدينا فإنها ستكون الأخيرة لأنه سيكون من الصعب إعادة تشغيلة مجدداً» حسب أيبريل.
وزادت ڤان ڤالكينبرغ على ذلك بالقول انه «لقد تم تثبيت بنية الإتصالات هنا قبل ١٥ عاماً ونظام الهاتف الحالي قديم لدرجة لا يمكن معها تحديثه». ومع التطور السريع فـي أساليب التدريس والتعليم فـي القرن الحادي والعشرين فإن التحديثات على المعدات التعليمية فـي الفصول الدراسية والتوسع بالشبكة اللاسلكية اضحى أمراً ضرورياً.
بدوره أشاد جان تافـيلسكي مدير ثانوية «كريستوود» بالطلاب الذين لعبوا دوراً محورياً فـي تلبية احتياجات التكنولوجيا فـي الفصول الدراسية، حيث يقومون باستخدام حواسيب نقالة (لاب توب) وأجهزة وحواسب لوحية «آي باد» و«كرومبوك» وأردف «ان البنية التحتية القديمة حالياً هي السبب وراء تراجعهم».
وأوضح أيبريل ان الانترنت اللاسلكي فـي جميع أنحاء المباني متقطع، وتدار معظم الامتحانات على جهاز كمبيوتر. وواصل القول «نحن نريد البقاء فـي صدارة التكنولوجيا ونحن نعلم أنها ضرورية فـي عالم اليوم لمواصلة منح الاطفال فرصة أفضل للتعلم، ونحن ملتزمون بذلك قولاً وفعلاً».
ماذا تعني الخطة المدرسية لأصحاب المنازل؟
لتوفـير مبلغ الـ٣٥ مليون دولار، يحتاج سكان منطقة كريستوود فـي ديربورن هايتس إلى التصويت لصالح المقترح فـي الثالث من شهر أيار (مايو) المقبل.
وينص المقترح على رفع الضريبة العقارية على سكان المنطقة لسداد سندات الدين التي سيتم إصدارها.
وبشكل عام سترتفع ضريبة الملكية على المنازل فـي المنطقة بمعدل ٢٤٠ دولاراً للمنزل الواحد، وترتفع الضريبة كلما ارتفعت قيمة المنزل.
على سبيل المثال، إذا كانت قيمة المنزل تساوي ٧٥ ألف دولار فإن الضريبة الإضافـية المخصصة للمدارس ستكون ١٣١ دولاراً سنوياً على مدى السنوات الثلاث التالية. وإذا بلغت قيمة المنزل ١٥٠ ألف دولار فإن الضريبة ستكون بقيمة ٢٦٢ دولاراً سنوياً.
دعم واسع للمقترح
تقول ڤان ڤالكينبرغ إن الدعم الذي يحظى به المقترح جارف فـي أوساط الأهالي، مؤكدة أن المقترح جاء نتيحة سلسلة اجتماعات للجان متعددة ناقشت بنود المقترح وشرحت مضامينه للسكان المحليين. ولكن لم يخل الامر من ان يعرب بعض السكان، وخاصة أولئك الذين ليس لديهم أطفال مسجلون فـي المدارس، عن معارضتهم لهذا المقترح ويقولون انه من غير المبرر بالنسبة لهم أن يدفعوا مزيداً من الضرائب من دون الاستفادة من عوائدها.
كما يقول معارضون آخرون إنه ليس من العدل فـي شيء أن يدفع البعض ضرائب أكثر من غيرهم لأن قيمة منازلهم أعلى.
لكن أيبريل أكد على أن مستوى المدارس يشكل مؤشراً أساسياً فـي أي مجتمع، مشيراً الى أن قيمة المنازل تتأثر بشكل مباشر بالمستوى التعليمي الذي توفره المدارس العامة فـي المنطقة. وأضاف أن «الهدف هو خلق مجتمع نابض بالحياة ومدينة جاذبة تشد الناس اليها وتجعلهم يرغبون بالإقامة فـيها. فـي نهاية المطاف، هو استثمار يعود بالنفع على المجتمع ككل».
وكوالدة لتلميذ فـي مدرسة «ريفرسايد» رددت باين أنها تشعر «بأنه من المهم جداً بالنسبة للمقيمين التصويت بنعم لصالح السندات المدرسية. فمن خلال مدارس متطورة، نستطيع مساعدة مجتمعنا للنمو وعندما ينتقل النَّاس للعيش فـي مدينتنا بسبب المدارس الحديثة، ستنهض حينئذ قيمة عقاراتنا».
وأوضح دنيس فاليتي مدير مدرسة «ريفرسايد» انه فـي هذا العام، التحق بمدرسة ريفرسايد لوحدها ١٥٠ طالباً إضافـياً مقارنة بالعام الدراسي السابق. واستطرد «انهم يريدون أن يكونوا هنا، فلماذا تريد ارسالهم الى مكان آخر، وإذا كنت أعيش هنا، أريد لأطفالي الذهاب إلى المدرسة فـي المنطقة التي أسكنها. نحن نريد إرسالهم إلى المدرسة التي يريدون ان يكونوا فـيها بالفعل».
وبدوره، أشار تافـيلسكي للجهد والساعات الطويلة التي يقضيها الطلاب فـي مدارسهم. وأفاد انه فـي منطقة كريستوود، يتلقى أكثر من ٧٠٠ تلميذ طالب دورات تكميلية. وبشكلٍ إجمالي، حصل طلاب المنطقة على أكثر من ١٠ ملايين دولار بشكل منح دراسية خلال السنوات الماضية حيث تم قبول العديد منهم فـي أهم الجامعات الأميركية الراقية.
وختم بالقول «اذا تطابقت المباني مع مستوى الطلاب، ستصبح عندنا أفضل المدارس فـي ولاية ميشيغن».
Leave a Reply