ديربورن – «صدى الوطن»
للسنة الثانية على التوالي، تتضافر جهود عربية أميركية في منطقة ديترويت لإقامة مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني بمناسبة الذكرى 74 للنكبة الفلسطينية، والتي تأتي بالتزامن مع استشهاد الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي قضت برصاص قنّأص إسرائيلي خلال تغطيتها لاقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين، الأربعاء الماضي.
ويحثّ المنظمون، العرب الأميركيين على المشاركة الكثيفة في الوقفة التضامنية التي ستُقام تحت عنوان «مسيرة من أجل القدس» و«العدالة لشيرين»، أمام «مركز فورد للفنون» على شارع ميشيغن أفنيو، الساعة الثالثة من ظهر يوم الأحد، 15 أيار (مايو) الجاري.
وتضمّ قائمة المنظمين عدداً من المؤسسات الثقافية والإعلامية والطلابية، بينها «جيل جديد من أجل فلسطين»، «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» بجامعات «وين ستايت» و«أوكلاند» و«وسترن ميشيغن»، صحيفة «صدى الوطن»، «جمعية النجدة الفلسطينية»، «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»، «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز»، و«المنظمة الإنسانية الموحدة للإغاثة»، «المنتدى الإسلامي في أميركا»، «مركز المسلمين الأميركيين»، «الصوت اليهودي من أجل السلام»، شبكة «واتسآب» الإعلامية، «كنيسة القديسة مريم» في ليفونيا، «الثورة حتى النصر»، «شبكة المنظمات الفلسطينية الأميركية»، «مؤسسة العراقيين الأميركيين»، «تحالف الفلسطينيين المسيحيين من أجل السلام»، «الاتحاد الأميركي في رام الله– فرع: فلسطين–ديترويت»، ومؤسسة «آميتي».
وكانت منطقة ديربورن قد شهدت في أواسط شهر مايو 2021، سلسلة من التظاهرات الحاشدة التي جاءت رداً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في الفترة ما بين 8 وحتى 20 مايو عام 2021، والتي أسفرت عن استشهاد 236 فلسطينياً، بينهم 63 طفلاً و36 امرأة، وإصابة نحو 1,500 شخص، إضافة إلى تهجير حوالي 52 ألفاً من السكان، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
«معركة سيف القدس»، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية رداً على عمليات «حارس الأسوار» الإسرائيلية كانت قد ألهبت مشاعر العرب الأميركيين الذين خرج منهم أكثر من عشرة آلاف متظاهر في ديربورن، يوم 16 مايو، مسجلين أكبر مسيرة مؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، خلال الأعوام الأخيرة، في إشارة واضحة الدلالة على تمسك المجتمعات العربية المهاجرة بعدالة القضية الفلسطينية ومناصرة الحقوق الإنسانية والسياسية للشعب الفلسطيني.
وكانت موجة من السخط والغليان قد ضربت الشارع العربي الأميركي في منطقة ديترويت في أعقاب إصدار المحكمة الإسرائيلية العليا في بداية مايو 2021، لقرار يسمح لسلطات الاحتلال بإخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح في البلدة القديمة بالقدس المحتلة لصالح إسكان مستوطنين إسرائيليين، وهو ما أدى إلى تفجر الأوضاع التي تفاقمت وتيرتها بعد اقتحام آلاف الجنود الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين والمعتصمين السلميين.
إضافة لذلك، كان لافتاً مشاركة أعداد غفيرة من المناصرين من إثنيات مختلفة مثل البيض والأفارقة الأميركيين والناشطين اليهود في الحركات المدنية والحقوقية، ما يؤكد على البعد العالمي لقضية فلسطين التي تُكسِبها «حركة مقاطعة إسرائيل» (بي دي أس) زخماً متزايداً في أوساط الشباب والطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة.
وتوقفت الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع في 21 مايو 2021، بوساطة مصرية، بينما واظب العرب الأميركيون خلال أيام العدوان، على تنظيم الوقفات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، في ديربورن وديربورن هايتس وديترويت، كان أبرزها المسيرة التي تزامنت مع زيارة الرئيس جو بايدن إلى مقر شركة «فورد» في ديربورن يوم 19 مايو، حيث شجب المتظاهرون تصريحات الرئيس الأميركي المؤيدة لدولة الاحتلال، وطالبوه بالرحيل عن ديربورن حرصاً على مشاعر الأغلبية العربية والمسلمة التي تقطن المدينة.
الدعوة الجديدة لإحياء ذكرى النكبة والمطالبة بالاقتصاص من قتلة الصحفية شيرين أبو عاقلة، تأتي أيضاً في الوقت الذي تنفّذ فيه الدولة العبرية عملية عسكرية باسم «كاسر الأمواج» التي تتوخى الثأر للعمليات الفدائية الأخيرة في الأراضي المحتلة، والتي تتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لعملية «حارس الأسوار» الإسرائيلية، التي لم تتوانَ عن استهداف المدنيين والصحافيين في قطاع غزة، حيث استهدفت نيران الاحتلال –بشكل مباشر– المؤسسات الإعلامية في برج «الجلاء» السكني، في محاولة دنيئة للتكتم على مجازرها الوحشية، وترويع وسائل الإعلام ومنعها عن نقل الصورة الحقيقية للانتهاكات الإسرائيلية.
وها هي «حليمة» تصرّ على «عادتها القديمة»، حيث أقدم جيش الاحتلال –الأربعاء الماضي– على اغتيال مراسلة قناة «الجزيرة»، الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، في محاولة مفضوحة لتغييب السردية الفلسطينية، التي تختزلها الكلمات الأخيرة لابنة القدس، والتي أبرقت رسالة لقناة «الجزيرة»، قالت فيها: «قوات الاحتلال تقتحم جنين وتحاصر منزلاً في حي الجابريات»، مضيفة: «(أنا) في الطريق إلى هناك، أوافيكم بخبر.. فور اتضاح الصورة».
والصورة التي تزداد وضوحاً بمرور الأيام، هي أن الدولة العبرية لم تعتد على المشهد الإعلامي الذي يفضح سياساتها العدوانية، مثل التطهير العرقي، والفصل العنصري، والأرض المسروقة، والتي تناقض الرواية الإسرائيلية في المحافل الدولية، لدرجة أنها بادرت –في الآونة الأخيرة– إلى تشكيل خلية عمل في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أُنيط بها العمل على «إصلاح» صورة إسرائيل المتهتكة في الإعلام العالمي عموماً، وفي الإعلام الغربي على وجه الخصوص.
وقاحة الدولة العبرية لا تقتصر على استهداف المدنيين والصحافيين، وإنما تتخذ أبعاداً أكثر وحشية ودناءة بإنكارها لعمليات القتل الممنهجة، وما دعواتها إلى التحقيق في حادثة مقتل أبو عاقلة، ومطالبة السلطات الفلسطينية بتسليم الرصاصة القاتلة، سوى محاولة مكشوفة لذر الرماد في العيون من أجل امتصاص ردود الأفعال العربية والغربية الشاجبة للجريمة الموصوفة، وتمييع الحقيقة التي بات يعرفها القاصي والداني.
ولهذا فقد كان مفهوماً رفض السلطة الفلسطينية لطلب تل أبيب بإجراء تحقيق مشترك لفض ملابسات استشهاد أبو عاقلة، حيث أعلن رئيس هيئة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ رفض الطلب الإسرائيلي، قائلاً: «نؤكد استكمال تحقيقنا بشكل مستقلّ وسنُطلع عائلتها وأميركا وقطر وكل الجهات الرسمية والشعبية بنتائج التحقيق بشفافية عالية، وكل المؤشرات والدلائل والشهود تؤكد اغتيالها من قبل وحدات خاصة إسرائيلية».
يُشار إلى أن أبو عاقلة تتحدر من قرية بيت حنينا، وقد ولدت ونشأت في القدس. أنهت دراستها الثانوية في مدرسة الراهبات «الوردية»، وقامت بالاستجابة إلى شغفها الإعلامي منذ عام 1991، عندما تحولت من دراسة الهندسة المعمارية في «جامعة العلوم والتكنولوجيا» في الأردن، إلى التخصص في قسم الصحافة والإعلام في «جامعة اليرموك» الأردنية أيضاً.
عقب تخرجها، عادت شيرين إلى الأراضي المحتلة، لتتولى العمل مع جهات عدة، بدأتها في «وكالة الغوث» ثم «صوت فلسطين»، ومنه إلى فضائية «عمان»، ثم إذاعة «مونتي كارلو»، قبل أن تصبح عام 1997 مراسلة أولى لـ«الجزيرة» حتى استشهادها يوم الأربعاء الماضي.
لم تكن «مهنة المتاعب» مجرد مصدر لكسب الرزق بالنسبة لأبو عاقلة، بقدر ما كانت دوراً وطنياً وإنسانياً، ورسالة حياة مقدسة.
Leave a Reply