واشنطن
حرص المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، على تأكيد رفض الولايات المتحدة لتقريرٍ حديثٍ لـ«منظمة العفو الدولية» (أمنستي) يتهم إسرائيل التمسّك بنظام الفصل العنصري للفلسطينيين.
ونشرت «منظمة العفو الدولية» التي تحظى باحترام دولي واسع، تقريراً مفصلاً مطلع شباط (فبراير) الجاري، يتهم إسرائيل بارتكاب نظام الفصل العنصري ووصف وجودها كدولة يهودية بأنه حرمان من الحقوق الأساسية للفلسطينيين.
وقال برايس خلال مؤتمرٍ صحفيٍّ، الثلاثاء الماضي، ردّاً على سؤالٍ حول التقرير، «لدينا معاييرنا وعملياتنا الصارمة لاتخاذ قراراتٍ بشأن الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان».
وأوضح أنَّ «الغرض من هذه الجهود الأميركية هو توثيق ما ترى واشنطن أنَّه يحدث في جميع أنحاء العالم»، وأضاف أنَّه «مع ذلك فإنها ترفض وجهة النظر القائلة بأن أفعال إسرائيل تشكّل فصلاً عنصرياً».
وأكَّد برايس أنَّ «الولايات المتحدة لديها شراكةٌ دائمةٌ مع إسرائيل، وتدعم جهود السلطة الفلسطينية ونشطاء حقوق الإنسان لضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان»، لكنه لم يجب على سؤال يخص تقدير وتأييد الولايات المتحدة لكل ما تصدره منظمة العفو الدولية أو منظمات مشابهة مثل منظمة «هيومان رايتس ووتش»، ما عدا تلك التي تكشف الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني تحت قمع الاحتلال.
من جانبهم، ندد المسؤولون الإسرائيليون يوم الأحد الماضي بالتقرير ووصفوه بأنه «معاد للسامية»، كما أدانت منظمات يهودية أميركية التقرير واتهمته بالتحريض ضد إسرائيل.
وفي التقرير المكون من 211 صفحة، تقول منظمة العفو الدولية إن إسرائيل متورطة في «هجوم واسع النطاق موجه» ضد الفلسطينيين يرقى إلى «جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية».
وعلى الرغم من أن «منظمة العفو الدولية»، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1977، كانت قد أدانت في السابق، السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة واتهمتها بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة المحاصر في صيف عام 2014، التي استمرت لمدة 51 يوماً، وذهب ضحيتها بحسب الأمم المتحدة ما لا يقل عن 2,104 قتيلاً فلسطينياً، من بينهم 1,462 مدنياً، و495 طفلاً و253 امرأة، لكن هذا التقرير هو المرة الأولى التي تستخدم فيها المنظمة المرموقة رسمياً مصطلح «الفصل العنصري» لوصفها.
مضمون التقرير
أفادت «منظمة العفو الدولية» أن التقرير هو نتيجة أربع سنوات من البحث في القانون الإسرائيلي، وخطط تقسيم المناطق، والتوجيهات الحكومية والعسكرية، وتصريحات الدبلوماسيين الإسرائيليين وأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان الدولية على مدى العقود الماضية، مشيرة إلى أنها تعاملت أيضاً مع منظمات غير حكومية إسرائيلية وفلسطينية وطلبت المشورة القانونية من خبراء في القانون الدولي.
ولفت التقرير الذي حمل عنوان «الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين: نظام هيمنة قاسٍ وجريمة ضد الإنسانية»، إلى أن سلطات الاحتلال ترتكب جرائم فصل عنصريّ، مشيراً إلى أن المواطنين العرب في إسرائيل الذين يشكلون 20 بالمئة من سكان إسرائيل، محرومون من الجنسية ويواجهون قدرة محدودة على «المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية لإسرائيل».
وقالت الأمينة العامة للمنظمة، أنييس كالامار، في مؤتمر صحافي، إنّ التقرير «يكشف النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل»، مضيفةً أنّه «ما من مبرر لنظام بني على القمع العنصري».
وأكدت كالامار أنّ «الدول التي تقرر أن تقبل تجاوزات «إسرائيل» ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ»، والحكومات التي تزود «إسرائيل» بالأسلحة وتحميها من المساءلة «تساند نظام فصل عنصري». وأشارت إلى أنّه «ينبغي على المجتمع الدولي أن يواجه واقع الفصل العنصري في إسرائيل، وأن يتبع السبل العديدة المؤدية إلى العدالة، والتي من المعيب أنها لم تُستكشف بعد».
ليس الأول
يأتي تقرير «منظمة العفو الدولية» في أعقاب تقرير مماثل من منظمة «هيومان رايتس ووتش» الذي صدر يوم 27 نيسان (أبريل) 2021، وبعد أن بدأت مجموعتان إسرائيليتان رائدتان في مجال حقوق الإنسان في استخدام مصطلح الفصل العنصري.
يذكر أن منظمة «هيومان رايتس ووتش»، الحائزة على جائزة نوبل للسلام في عام 1997، أصدرت تقريرها المطول الذي يوضح بالتفصيل أسباب استخدام مصطلح «الفصل العنصري» لوصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين في تقرير عن إسرائيل، بعد أن بدأت جماعة «يش دين» الإسرائيلية في استخدام المصطلح في عام 2020، وتبنته منظمة «بتسيلم»، وهي جماعة إسرائيلية أخرى، في كانون الثاني (يناير) 2021.
وفيما اتهم تقرير «هيومن رايتس ووتش» (في أبريل 2021) إسرائيل بالتمييز ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الواقعة تحت سيطرتها ولكن بممارسة الفصل العنصري فقط في المناطق الواقعة خارج حدودها الأصلية لعام 1948، تميز تقرير «منظمة العفو» باستخدام مصطلح «الفصل العنصري» على العمليات في إسرائيل 1948.
ويشير تقرير «منظمة العفو» إلى أن إسرائيل منذ إنشائها عام 1948، اتبعت سياسة واضحة لتأسيس الهيمنة الديموغرافية اليهودية والحفاظ على «يهودية الدولة» كما جاء في التقرير، و«تعظيم سيطرتها على الأرض لصالح الإسرائيليين اليهود مع تقليل عدد الفلسطينيين وتقييد حقوقهم وعرقلة قدرتهم على تحدي هذا السلب»، مجادلاً أن «جميع الإدارات المدنية والسلطات العسكرية في إسرائيل تقريباً» متورطة «في تطبيق نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل» وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك «ضد اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم خارج الإقليم».
ردود فعل
وبحسب وسائل الإعلام العبرية، وصف متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، التقرير بأنه «معاد للسامية الخالصة» الذي «يضفي الشرعية على الهجمات ضد اليهود» واتهم منظمة العفو الدولية القياس بمكيالين.
وقال المتحدث ليئور هايات، بحسب جريدة «فورواد» اليهودية الأميركية «الغرض من هذا التقرير هو القضاء على دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، والحل الذي يقدمونه هو أن تتوقف إسرائيل عن الوجود».
بدورها، نددت جماعات أميركية يهودية كبيرة بالتقرير ووصفته بأنه لا أساس له من الصحة، وأحادي الجانب.
وقالت المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى في بيان مشترك شمل «رابطة مكافحة التشهير» ADL و«لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (آيباك) و«الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية ومجموعات أخرى في بيانها أن «التقرير يرتكب ظلماً مزدوجاً: فهو يغذي هؤلاء المعادين للسامية في جميع أنحاء العالم الذين يسعون لتقويض الدولة اليهودية الوحيدة على وجه الأرض، وفي الوقت نفسه يقللون من المعاناة المروعة التي نتجت عن الفصل العنصري في جنوب إفريقيا».
وتعليقاً على تقرير «منظمة العفو الدولية»، أعربت حركة «حماس» عن تقديرها لجهود المنظمة في «إصدار تقريرها المهني الذي يضع الحقائق في نصابها، ويصف الواقع المأساوي لشعبنا الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال على حقيقته، من خلال اعتبار كيان الاحتلال بأنّه نظام فصل عنصري، ويطبق سياسة الأبارتهايد في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة».
وأضافت الحركة، في بيان، أنّ التقرير «يعبّر عن بشاعة الممارسات الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني على الأصعدة كافة، في الضفة الغربية حيث يشتد غول الاستيطان بشاعة، وتحوز قطعان المستوطنين على حماية كاملة من جيش الاحتلال… وفي الحصار الظالم الذي يواصل الاحتلال فرضه على قطاع غزة، ويدخل عامه الـ17 هذه الأيام، ما يمثّل جريمة حرب ضد الإنسانية».
Leave a Reply