على خلفية التضييق على الأكاديميين المؤيدين للقضية الفلسطينية
ديترويت
في مؤتمر صحفي ضمّ ناشطين حقوقيين وطلابيين أمام الجامعة الواقعة في قلب مدينة ديترويت، وصف مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير–فرع ميشيغن)، جامعة «وين ستايت» بـ«الحرم الأكاديمي المعادي لحرية التعبير»، وذلك بسبب سياساتها المتواصلة في قمع «الأصوات الإسلامية والفلسطينية والعربية الأميركية المناهضة للإبادة الجماعية الممنهجة في قطاع غزة» على مدى العامين الماضيين.
وأوضح المدير التنفيذي للمنظمة الحقوقية الإسلامية داود وليد، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم الاثنين الماضي، بأن الجامعة تصادر حق الطلبة في التعبير عن آرائهم الإنسانية والسياسية، في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون ملاذاً حاضناً للحريات العامة انسجاماً مع التقاليد الجامعية الراسخة في الولايات المتحدة منذ الاحتجاجات الطلابية والشعبية على حرب فيتنام خلال ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم.
وقال وليد: «يجب أن يكون الطلاب قادرين على التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من الإجراءات الإدارية، بل وحتى إجراءات وكالات إنفاذ القانون التي تُتخذ ضدهم أثناء دراستهم في جامعة يدفعون رسومها الدراسية»، مؤكداً بأن الجامعة يجب أن تكون فضاءً حراً لتعليم الفنون الحرة والعلوم الإنسانية والفكر النقدي.
وأضاف «في الوقت الذي يواجه فيه أطفال غزة تداعيات المجاعة الكارثية، ينبغي أن نتذكر بأنه على جامعة وين ستايت –كمؤسسة للتعليم العالي– الوفاء للتقاليد الأميركية العريقة المتمثلة في التعبير عن المعارضة السياسية داخل الحُرُم الجامعية، من خلال المنظمات الطلابية، وهي تقاليد يعود تاريخها إلى الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام».
وكانت الولايات المتحدة قد شهدت خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي واحدة من أوسع موجات الاحتجاج الطلابي في تاريخ البلاد، حيث خرجت التظاهرات ضد الحرب في فيتنام لتجتاح الجامعات والشوارع على حد سواء، ولتتحول الحركات الطلابية حينها إلى صوتٍ بارز يندد بتصعيد العمليات العسكرية الأميركية وما خلّفته من خسائر بشرية جسيمة، سواء في صفوف الجنود الأميركيين أو المدنيين الفيتناميين.
وأسّست تلك الحقبة تقليداً راسخاً داخل المؤسسات الأكاديمية الأميركية، يقوم على اعتبار الحرم الجامعية فضاءً للنقاش الحر والمعارضة السياسية، ما جعلها رمزاً للدفاع عن قيم العدالة وحقوق الإنسان في مواجهة السياسات الحكومية المثيرة للجدل.
من جانبها، تطرقت كبيرة المحامين لدى «كير»، أيمي دوكوري، إلى عديد الحوادث التي تعرض فيها الطلاب إلى ممارسات وصفتها بـ«التمييزية» من جانب شرطة الجامعة والإدارة، بما في ذلك تفكيك مخيم سلمي مؤيد لفلسطين في ربيع 2024، وتفريق التجمعات الطلابية باستخدام مرشات المياه لإخراجهم من الساحة المخصصة للأنشطة الاحتجاجية (المعروفة باسم سبيريت روك)، وكذلك منع الطلبة من العودة إلى فعاليات الحرم الجامعي بعد خروجهم لأداء الصلاة.
وكانت منظمة «كير» قد تقدّمت في أواسط شهر نيسان (أبريل) الماضي بشكوى رسمية إلى دائرة الحقوق المدنية بولاية ميشيغن، تتهم فيها شرطة «وين ستايت» بممارسة التمييز العنصري والديني ضد الطلبة العرب والمسلمين، وذلك في أعقاب مظاهرة طلابية تم تنظيمها بدعوة من منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» SJP. وقالت الشكوى إن شرطة الجامعة قامت «باعتقال وسحب وإبعاد طلبة عرب ومسلمين من احتجاج سلمي على جرائم الإبادة الجماعية في الأراضي المحتلة، كما منعت بالقوة، انضمام طلاب آخرين إلى الفعالية».
كذلك، رفعت مجموعة من الطلاب والمتخرجين دعوى قضائية أمام المحكمة الفدرالية بديترويت بدعوى انتهاك الجامعة لحقوقهم الدستورية خلال اعتصام تضامني –في 23 أيار (مايو) الفائت– مع ضحايا الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، طالب خلاله المحتجون إدارة الجامعة بوقف الاستثمارات مع الشركات المرتبطة بدولة الاحتلال.
الدعوى التي رفعت بالنيابة عن أربعة طلاب وثلاثة متخرجين وأحد أولياء أمور الطلبة، والتي تطالب بتعويضات مالية، زعمت بأن الجامعة انتهكت حقوق المشتكين المنصوص عليها في التعديل الأول والرابع والرابع عشر من «خلال المداهمات العنيفة والاعتقالات الجماعية والانتقامات المستمرة» من الجهات المدعى عليها، التي تشمل شرطة الجامعة وسبعة من ضباط الجهاز، بالإضافة إلى عميد شؤون الطلاب ومساعده.
وقالت دوكوري: «حرية التعبير هي حجر الزاوية في الحماية الدستورية الأميركية، ومن المفترض أن تكون كلياتنا وجامعاتنا أماكن يمكن للطلاب فيها النقاش والتعلم والنمو بحرية من خلال تبادل الأفكار»، مستدركة بالتأكيد على أن المسؤولين في جامعة «وين ستايت»، وكذلك شرطتها، قد اختاروا سلوك طريق القمع بدل الحوار، «مكممين بذلك أصوات الطلاب المشروعة التي تدافع عن مصالحهم السياسية والأيديولوجية».
وأضافت: «تمثل هذه السلوكيات خيانة لرسالة التعليم العالي وانتهاكاً لحرياتنا الأساسية، وقيامنا بتصنيف الحرم الجامعي في وين ستايت كبيئة معادية لحرية التعبير ليس تصنيفاً رمزياً بل (تصنيف واقعي) يستند إلى الانتهاكات المتكررة والموثقة بشكل جيد، ضد الطلاب العرب والمسلمين وغيرهم من المؤيدين للفلسطينيين».
ولفت رئيس «الائتلاف الإسلامي بجامعة وين»، محمد أبو العينين، وهو طالب في السنة الرابعة، إلى تزايد كراهية المسلمين من قبل الإدارة وشرطة الحرم الجامعي خلال الآونة الأخيرة، مشيراً إلى قيام بعض الضباط بتفتيش الطلاب خلال الفعاليات، وكذلك منعهم من استخدام مكبرات الصوت خلال التجمعات الاحتجاجية، بينما يتم السماح للآخرين باستخدامها، وفق تعبيره.
وأردف أبو العينين قائلاً: «لقد رأينا ضباط شرطة متمركزين داخل وخارج مركز الطلاب حيث لا يتمركزون في العادة، ومن الواضح أن هذا يحدث فقط عندما يتم تنظيم الاحتجاجات المؤيدة لغزة»، موضحاً بأن المضايقات لم تقتصر فقط على تلك الأنشطة، وإنما تعدتها إلى ما هو أبعد من ذلك، مثل مساءلة فتاتين محجبتين عن هويتهما رغم عدم وجود سبب مقنع لذلك، فضلاً عن تراجع إدارة الجامعة عن توفير التسهيلات الدينية التي تمكن الطلبة من ممارسة شعائرهم أو ارتداء الأزياء التقليدية دون عائق.
وأضاف: «نسعى فقط لضمان احترام حقوقنا كطلبة، والتأكيد على أن الشرطة لا تتجاوز حدودها».
ولفت المسؤولون في «كير» إلى أن ممثلاً عن جامعة «وين ستايت» كان حاضراً خلال المؤتمر الصحفي الذي أقيم قرب حرم الجامعة يوم الاثنين 25 آب (أغسطس) الجاري، لكن من دون الإشارة إلى منصبه أو الدور المناط به لحضور ذلك المؤتمر.
في المقابل، أكدت جامعة «وين ستايت» على التزامها الراسخ بدعم حرية التعبير والعبادة لجميع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين، وقالت في بيان في أعقاب المؤتمر الصحفي لـ«كير»: «بصفتنا مؤسسة للتعليم العالي، نواصل أيضاً الوفاء بالتزامنا بتعزيز الحوار المدني وضمان –بطريقة محايدة من حيث المحتوى– ألا يُخالف السلوك في حرمنا الجامعي، القانون، أو يمسّ بحقوق الآخرين، أو يُخالف سياسة الجامعة، أو يُعطّل عملياتها».
Leave a Reply