ميرندا فالي – «صدى الوطن»
منى مركباني، امرأة لبنانية أميركية تمكنت فـي الآونة الأخيرة من تحقيق عدة مفارقات فـي مدينة لينكولن بارك التي تقع الى الجنوب من ديربورن. هي أول اطفائية من أصل عربي فـي المدينة وأصغر الإطفائيين سناً، إضافة الى أنها ثاني امرأة فـي تاريخ المدينة تتقلد هذه المهنة التي دونها مخاطر كبيرة.
لكن مركباني، التي ولدت فـي ألمانيا لوالدين لبنانيين، تريد ان تثبت بعد ان أدت قسم اليمين الوظيفـي فـي ١٦ تموز (يوليو) الماضي، أنها جديرة بالمهمة وقادرة فـي أدائها على أكمل وجه، بل تنافس الرجال فـي عقر مهنتهم. ومع علمها بأنها تحمل «وجهاً جميلاً» لكنها تقول «لا تدع هذا يغرك».
هي امرأة صغيرة الحجم (بيتيت)، لكن ذلك لا يؤثر عليها سلباً، فبدلة الإطفاء الفضفاضة مفصلة على مقاسها.
تضع خوذة سوداء على رأسها وترتدي بنطلوناً وجزمة سميكة مع سترة ثقيلة تحتوي على راديو جيب وزنه ستة باوندات. إنها حمولة ثقيلة حتى للرجال، لكن مركباني يمكنها تحمل الوزن ولهيب الحرائق معاً.
وعلى الرغم من أن جسمها مغطى بأوشام «تاتوز» وترتدي قميصاً أزرق ثابتاً على الساقين مثل زملائها الرجال، إلا أن مركباني ذات أنوثة طاغية أيضاً. ولذا عندما تكون خارج نطاق الخدمة تقضي وقت الفراغ مع زوجها، حيث ذكرت انها ترتدي البنطلون القصير، وتتزين بالماكياج وتلبس «ملابس خفـيفة».
الابتسامة لا تفارق شفتيها وعندما تتحدث تضيف رموشها الطويلة إلى شخصيتها الناعمة طراوة. ثم تتحول هذه الأنوثة فـي وجهها والدفء فـي صوتها الى جدية ظاهرة لدى سماعها صوت صفارة إنذار الطوارئ، فتهرع إلى مركبة الإنقاذ ملبيةً نداء الواجب.
انتظرت منى فترة سبعة أشهر من تاريخ تقديمها طلب التوظيف فـي إطفائية لينكولن بارك، وفـي تموز الماضي، أصبح حلم مركباني أخيراً حقيقةً واقعة، وهي التي تخرجت من «كلية هنري فورد» (ديربورن) باختصاص إسعاف وقضت تسعة أسابيع فـي أكاديمية الاطفاء فـي «كلية سكولكرافت» (ليفونيا) حتى تكون مؤهلة للوظيفة التي تعشق.
وفـي أعقاب عملية اختبار شاقة تضمَّنتْ مقابلة طويلة وسلسلة من الاختبارات البدنية والكتابية، تفوقت منى على منافسيها وفازت بالوظيفة الشاغرة فـي إطفائية المدينة التي يقدر عدد سكانها بحوالي 36 ألف نسمة.
مسيرة منى لم تكن سهله طبعاً، فخلال السنوات التي سبقت توظيفها سمعت ملاحظات لا تنتهي تنصحها بالتخلي عن حلمها «لأن الإطفاء مهنة للرجال»، و«لماذا لا تدرس التمريض بدلا من ذلك»؟ «هل أنت متأكدة من قرارك يا منى»؟
ولكن منى كانت متيقنة وثابتة على خيارها المهني منذ أن كان عمرها سبع سنوات، أي منذ ذلك الاجتماع الذي عُقد بديربورن فـي المدرسة الابتدائية، عندما قدمت مجموعة من رجال الإطفاء إلى الطلاب عرضاً عن السلامة من الحرائق. وكان من بينها أول اطفائية من الإناث رأتها منى لأول مرة فتحولت الى مصدر إلهام لها. وعرفت منذ تلك اللحظة بأنها تريد ان تجعل من مكافحة الحرائق مضموناً لحياتها المهنية – وفعلاً حققت هذا الحلم فـيما بعد. وفـي هذا الصدد أكدت منى «لقد تمسكت بها -الفكرة- وعملت بجد للوصول الى ما أنا عليه اليوم».
وعلى الرغم من بعض الممانعة المبدئية من قبل والدها إلا أنه وأمها يحترمان عملها. عدا عن انها ليست الوحيدة من أفراد الأسرة التي اختارت مهنة خارج نطاق نمط الجنس اللطيف. فشقيقتها رنا الجعفري هي أيضاً عنصر فـي شرطة جامعة «وين ستايت».
وأفادت منى «لسنا متأمركين مئة بالمئة، بل نحن منفتحون جداً فـي التفكير لكن بعرف الثقافة العربية فإن مزاولة النساء لمهنة يهيمن عليها الذكور هي نادرة وتكاد تُعتَبَر من المحرمات».
ورددت الجعفري صدى أقوال شقيقتها قائلةً «الذكور هم فـي موقع القيادة بينما النساء هن من نوع اللواتي يجلسن فـي المنزل، لكي تطبخن وتنظفن البيت وتعتنين بالاطفال».
كل من مركباني والجعفري أكدتا أن أمهما، التي كانت تعمل فـي مصنع للسيارات مع زملاء عمل معظمهم من الذكور، غرست فـيهما بذرة القدرة على فعل أي شيء يريدانه، وعلمتهما أن لا يعيرا اهتماماً لعوائق الجنس.
من ناحيتها، تريد مركباني تشجيع الشباب من جميع الخلفـيات على السعي بإصرار نحو تحقيق أهدافهم.
«افعل ما يجعلك سعيدا»، توجهت بالنصيحة لهم مردفةً «إذا كنت تريد أن تكون إطفائياً فافعل ذلك. وإذا كنت تريد أن تكون ضابط شرطة، فافعل ولا تقصر. إذا كنت تريد أن تكون رائد فضاء، فقم بذلك ولا تهتم لما تقول العادات».
ولا تشعر مركباني أن زملاءَها من رجال الاطفاء يعاملونها بشكل مختلف لأنها امرأة عربية أميركية، لكنها قالت ان الصورة النمطية عن المرأة العربية والمسلمة فـي وسائل الإعلام لها آثار سلبية عديدة.
«أعتقد أنه كان هناك بعض التردد الأولي حول وجودها هنا»، وأسرَّ قائد إطفاء لينكولن بارك آل داير بأنه «كان هناك بعض التردد الأولي حول وجودها هنا» واستطرد «لكنها جاءت بحضورها وشخصيتها وأحضرت معها أخلاقيات مهنية مما جعلها تتناسق الآن مع هذه الوظيفة».
وتقوم مركباني بالتدريبات المكثفة، متطلعة قدماً نحو مهمة إطفاء أول حريق كبير واجهته وواضعةً نصب عينيها الهدف التالي: ارتقاء سلم المهنة لتحصل على رتبة نقيب (كابتن) فـي المستقبل. وحول مسالة أنها جديدة فـي سلك الاطفاء وكونها امرأة وبنيانها الجسدي مختلف عن نظرائها من الرجال، لا تركز مركباني على هذه العوامل. ولخصت موقفها بالقول «ليست هناك أعذار، بل هناك عمل يجب القيام به».
Leave a Reply