نبيل هيثم – «صدى الوطن»
لو كان الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم حياً، لعلّق على ما يتردد بشأن استعداد السعودية للتدخل العسكري فـي سوريا بنفس الطريقة التي رد بها على مواطن سعودي انتقد أشعاره التي تحث على الحرب لتحرير فلسطين.
يومها، قال المواطن السعودي لـ«الفاجومي»، فـي مداخلة تلفزيونية -وللمفارقة عبر قناة «المستقبل» الموالية للسعودية- «كفاية حروب يا أستاذ أحمد.. نحن تعبنا من الحروب»، فأجابه الشاعر الراحل، بأسلوبه العامي الساخر: «حروب ايه اللي بتتكلم عنها، انتم آخر حرب دخلتوها كانت معركة أحُد، ودي كانت خناقة مش حرب»!
كثيرون يسخرون، اليوم، من التسريبات السعودية بشأن التدخل العسكري فـي سوريا، حتى ان هذه السخرية جاءت مباشرة من قبل المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا -ولو بعبارات ديبلوماسية مختلفة عن أسلوب أحمد فؤاد نجم- علّقت على الأمر، فـي تغريدة عبر موقع «تويتر» جاء فـيها: «السعودية مستعدة لعمليات برية فـي سوريا ضمن جهود التحالف الدولي الذي تقوده أميركا. جاء هذا على قناة «العربية» نقلاً عن مستشار وزارة الدفاع أحمد العسيري.. أخاف أن أسأل.. هل غلبتم الجميع فـي اليمن؟».
نفدت زاخاروفا الى بيت القصيد، فالحملة العسكرية السعودية فـي اليمن -بنسختيها الأولى (عاصفة الحزم) والثانية (إعادة الأمل)- تقترب من دخول عامها الثاني، من دون أي نتائج تذكر على الأرض، فـي ما عدا تدمير البنية التحتية للدولة اليمنية وقتل الأطفال والمدنيين ومحو الإرث الثقافـي اليمني.
لعلّ كثيرين نظروا الى الأمر على انه نوع من كوميديا سوداء، أو نكتة العصر السمجة، خصوصاً حينما تحفل الفضائيات بتحليلات عن التدخل السعودي المحتمل فـي سوريا، وفـي أسفل شاشاتها شريط يتضمن أخباراً من قبيل «أنصار الله والجيش اليمني يسيطرون على مدينة الربّوعة السعودية فـي نجران»، و«مقتل ستة جنود سعوديين خلال عملية اقتحام نفذها عناصر من الجيش اليمني واللجان الشعبية لمواقع عسكرية شرق الشرفة فـي منطقة نجران»!
وإذا كان شكل الحديث عن تدخل سعودي فـي سوريا كوميدياً، او ضرباً من الخيال، كما يقول البعض، فإنّ التسليم جدلاً بجدّية هذا الطرح ينطوي على ما يتخطى الكوميديا، ليعكس تخبطاً سعودياً على كافة المستويات.
الهزيمة تلوح فـي الأفق
ومما لا شك فـيه ان الإعلان السعودي عن التدخل العسكري السعودي البري فـي سوريا قد جاء بشكل غير ناضج وغير مدروس، فهو أتى بشكل انفعالي وهستيري بعد سلسلة الهزائم التي تعرّضت لها المجموعات المسلحة الحليفة لنظام آل سعود فـي شمال سوريا، وتحديداً فـي ريف حلب، ومن بينها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، وغيرها من التنظيمات التكفـيرية والجهادية الشقيقة لتنظيم «القاعدة»، والتي تتبنى ايديولوجيته الوهابية نفسها.
ولعل السعودية أدركت جيداً أن ميزان القوى فـي سوريا بات يميل لمصلحة الرئيس بشار الأسد، بعدما قلبت «عاصفة السوخوي» الروسية الميدان رأساً على عقب، فـي وقت تقف الولايات المتحدة وحليفتها تركيا عاجزتين أمام هذه المتغيرات، التي جعلت الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكردية اقرب الى حسم وجهة المعارك على امتداد الشريط الحدودي السوري-التركي شمالاً، وهو ما يعني، فضلاً عن الانتكاسة الميدانية فـي ريف حلب الشمالي، اقتراب معركة استرداد مدينة حلب (حلم رجب طيب أردوغان)، التي باتت المجموعات المسلحة المرابطة فـيها محاصرة من الجهات الأربع، وكذلك قطع خطوط الامداد التركية عن مسلحي «إمارة إدلب».
ولعلّ العنجهية السعودية-القطرية-التركية، والتي تبدّت بشكل خاص فـي «جنيف 3»، قد اسهمت كذلك فـي اعادة رسم التحالفات الميدانية، فاستبعاد حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وبالتالي جناحه العسكري «وحدات حماية الشعب»، عن المحادثات غير المباشرة فـي المدينة السويسرية، استجابة لـ«فـيتو» تركي واضح فـي هذا الإطار، قرّب خطوط التقاطع بين المكوّن الكردي السوري وبين الجيش السوري وسلاح الجو الروسي، أقلّه على المستوى الميداني، بما يسهم فـي هزيمة مؤكدة للمجموعات المسلحة الأخرى.
«الروليت» الروسية
كل تلك المتغيرات انتجها نظام آل سعود من دون أن يدري. ولعل العام الأول من حكم الملك سلمان أظهر ان النظام السعودي بات معتاداً على إطلاق النار، ليس على رجليه فحسب، كما حدث فـي حرب اليمن، أو حين أشعلت الرياض فتيل التوتر مع طهران بإعدام الشيخ نمر النمر، بل انتقل الى مرحلة اكثر خطورة تتمثل فـي تصويب المسدس باتجاه الرأس، كما لو أن حكام آل سعود يهوون لعبة «الروليت الروسي».
ولا يمكن النظر الى خيارات الحرب التي انتهجها حكام آل سعود، خلال عهد سلمان، على اختلاف جبهاتها، سوى فـي سياق الحديث عن حالة «زهايمر» مرضية يقال أن الملك العجوز يعاني منها، وعن حالة نفسية-عصابية أخرى لابنه وزير الدفاع محمد بن سلمان، تسمى بلغة الطب النفسي «جنون العظمة»، التي تقارب حد الهستيريا.
فصول هستيرية
الفصل الأول من هذا المسلسل الهستيري، تمثل فـي الحرب التي شنها آل سعود على الحوثيين فـي اليمن. وبعيداً عن اخفاقات تلك الحرب، والتي باتت معروفة لدى الجميع، فإن الثنائي سلمان وابنه فشلا فشلاً ذريعاً فـي حشد الدعم الدولي الذي يمكنّهم من التباهي بفكرة تشكيل «تحالف» راسخ لخوض العدوان على الشعب اليمني، تحت شعار «عودة الشرعية»، وفـيما عدا المشاركة المتفاوتة لحلفاء السعودية الأقربين (الامارات والبحرين خصوصاً)، واستخدام بعض المرتزقة السودانيين، فإن باقي «الحلفاء»، وأبرزهم باكستان، نأوا بأنفسهم عن «عاصفة الحزم»، أو فـي أفضل الأحوال شاركوا بشكل رمزي، كما فعلت مصر، التي اكتفت بإرسال أربع سفن حربية الى باب المندب (مع العلم ان هذا الإجراء يأتي فـي سياق حماية الأمن القومي المصري وتحديداً فـي ما يخص ضمان استمرار الملاحة فـي قناة السويس).
أما الفصل الثاني، فتمثل فـي الإعلان السعودي المفاجئ عن تشكيل «تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب»، والذي جاء على لسان محمد بن سلمان نفسه، فـي خطوة بدت بمثابة محاولة لتشكيل تحالف سني ليس أكثر، بعد استبعاد إيران، الدولة الاسلامية الكبرى فـي الشرق الأوسط، والتي اقتحمت نادي الكبار النووي بشكل سريع، فكانت النتيجة فتوراً وتحفظاً من قبل الجميع، بما فـي ذلك أقرب الحلفاء (السنّة) أنفسهم.
وبين الفصلين العسكريين الفاشلين، حرب من نوع آخر، ما زالت تدور رحاها فـي أسواق النفط العالمية، ومن خلالها، اتخذت السعودية مجموعة اجراءات افضت فـي نهاية المطاف الى انهيار تاريخي فـي اسعار الخام. ولعل السعودية لم تدرك أن هذا السلاح، الذي نصبته لكل من إيران وروسيا، سيرتد عليها، لكونها احدى الدول الكبرى المصدّرة للطاقة، وهو ما حدث فعلاً حيث بدأت المملكة النفطية تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية فـي تاريخها.
مخاطر.. وعقبات
اليوم تسعى السعودية الى خوض مغامرة -أو بعبارة أدق مقامرة- غير مسبوقة فـي سوريا، لا يبدو أن حكام المملكة النفطية يعون مخاطرها، وهي متعددة المستويات.
– المستوى الأول، هو ان إرسال قوات سعودية إلى سوريا يصطدم بعدد من العقبات اللوجيستية، ابرزها كيفـية الدخول إلى سوريا، فهل سيكون ذلك بواسطة إنزال جوي؟ أو اقتحام بري من الأراضي التركية؟ ام عبر الممر الأردني الذي يمكن أن تصطدم فـيه القوات الخاصة البرية السعودية بعقبات قد تؤدي إلى فنائها، أو على الأقل وصولها الى حلب.. ولكن بعد أن تكون المدينة قد تحررت بالكامل على أيدي الجيش السوري؟
– المستوى الثاني، هو أن أي عملية عسكرية، سواء كانت إنزالاً جوياً، أو عمليات قصف بالطائرات، أو حتى دخولاً من البوابة التركية، لا يمكن ان تتم دون موافقة روسيا، التي تسيطرة على سماء سوريا، وتتحكم بالطرق الاستراتيجية على امتداد الجبهة الشمالية. فهل يتمكن السعوديون من تخطي «السوخوي» أم انهم يدفعون نحو مواجهة روسية-أميركية.
– المستوى الثالث، هو أن أي محاولة للدفع باتجاه مواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة يبدو خياراً واهماً، لأسباب عدّة، أبرزها توجّس ادارة باراك أوباما من الخيارات السعودية تجاه سوريا، ولا سيما فـي ما يتعلق بدعم المملكة النفطية للجماعات التكفـيرية، ناهيك عن ان الأميركيين قد دخلوا فـي مرحلة العد العكسي للسباق الكبير نحو البيت الابيض، وهي مرحلة لا تحتمل أي مغامرة خطيرة من هذا القبيل.
– المستوى الرابع، هو أن الحرب فـي سوريا ليست حرباً سورية خالصة تتعلق بإسقاط الأسد، بل هي جزء من صراع نفوذ اقليمي-دولي. وعلاوة على ان المغامرة/المقامرة السعودية ستصطدم باللاعب الروسي جواً، فإن الأكثر خطورة هو انها ستصطدم باللاعب الإيراني برّاً، وسيجد الجنود السعوديون انفسهم على مرمى نيران الحرس الثوري الايراني ومقاومي «حزب الله».
– وأما المستوى الخامس، فإن التدخل البري السعودي فـي سوريا سيصطدم بعقبة الأكراد الذين لا يجدون لهم مصلحة فـي التحالف مع حلفاء تركيا، وبالتالي فإن أي تحالف سعودي-تركي سيستفز المقاومة الكردية.
والأهم مما سبق كله، هو ان السعودية تدرك جيداً انها غارقة فـي المستنقع اليمني، وان حربها على الحوثيين أصبحت بمثابة حرب استنزاف، وبالتالي فإن خوض صراع عسكري مباشر على جبهتين سيكون كارثياً بكل المقاييس، إن على المستوى العسكري أو على المستوى الاقتصادي.
وسواء ادركت السعودية كل التعقيدات السابقة ام لم تدركها، فإن المؤشرات توحي بأن حكام آل سعود قد نزلوا بسرعة قياسية عن شجرة الغرور، وعلى هذا الأساس، كان واضحاً أن الحديث السعودي عن تدخل البري فـي سوريا، انحدر خلال أقل من أسبوع، من إعلان تشكيل قوة إسلامية مشتركة إلى مجرد إرسال قوات خاصة سعودية برية تعمل تحت قيادة الولايات المتحدة… «إنها عاصفة وهم جديدة يا عزيزي»!
لا حرب على سوريا .. وشهور من الجحيم بانتظار المسلحين
بروكسل - خلص اجتماع وزراء دفاع «التحالف الدولي» ضد «داعش»، الذي عقد فـي بروكسل، الخميس الماضي، الى رسالة واضحة بأنه لا ذهاب الى حرب فـي سوريا فـي الوقت الذي يواصل الجيش السوري تقدمه الميداني فارضاً إعادة إحياء مؤتمر «جنيف ٣» والابتعاد عن لغة التصادم العسكري، فـي حين يبدو أن الموقف الأميركي قد بدأ يميل نحو التخلي عن المعارضة السورية وتحميلها مسؤولية إفشال مؤتمر جنيف، بحسب تسريبات لوزير الخارجية جون كيري.
وقد اجتمع وزراءٌ وممثلون عن 49 دولة فـي مقر «حلف شمال الأطلسي» للبحث فـي إمكانية التدخل العسكري فـي سوريا تحت ضغط سعودي قاده ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي حضر باكراً لإقناع المترددين.
وأجرى ابن الملك سلمان العديد من الاجتماعات الثنائية، أبرزها مع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، ونظيرَيه البريطاني والألماني حيث عرض خطة سعودية للتدخل البري ترتكز على إعداد مسبق مع الأتراك وإحياء فكرة إنشاء منطقة حظر جوي فـي الشمال السوري، حيث تواصل قوات الجيش السوري والقوات الموالية تقدمها باتجاه الحدود التركية على أكثر من محور. (أعزاز، تل رفعت، والباب).
من جانبه، أكد وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بالقول إن إرسال قوات كبيرة للتدخل «ليس أبداً نهجنا الاستراتيجي»، مشدداً على أن الأمر يدور، حينما سيحصل، حول التدريب لـ «بناء قدرات محلية»، إضافة إلى «تأمين المناطق» المحررة من «داعش».
وفـي سياق آخر، أثارت تصريحات مسربة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري وصفت بـ«الصادمة» الجدل بين أطياف المعارضة السورية. ونقل المعارض والناشط السوري السوري أسعد العشي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فـيسبوك» عن كيري أثناء اجتماعه مع عدد من النشطاء المدنيين خلال مؤتمر دعم سوريا الذي أقيم فـي لندن قوله «سيتم اقتلاع المعارضة السورية خلال ثلاثة أشهر».
وأضاف كيري، بحسب ما نقل العشي، أنه «علينا توقع 3 أشهر من الجحيم»، محملاً المعارضة المسؤولية الأساسية فـي انهيار مفاوضات جنيف.
مساعدات ووقف تدريجي للنار
والتقى الخميس الماضي الأفرقاء الرئيسيين المعنيين بالملف السوري فـي ميونيخ. وبعد أكثر من أربع ساعات من المحادثات الصعبة المركّزة على دعوات لوقف إطلاق النار والسماح بدخول مساعدات انسانية، توصّل المجتمعون الى اتفاق أفضى، حسب البيان الختامي، إلى المضي قدماً فـي ثلاث نقاط لكسر الجمود، وهي «هدنة ومساعدات واستئناف المفاوضات»، وذلك عبر «القيام بحملة فورية للمساعدات للقرى السورية برّاً وجوّاً»، و«وقف تدريجي للقتال وصولاً لهدنة». وبعد الاجتماع أكّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري «أنّنا اتفقنا على تسريع تقديم المساعدات والأولوية للمناطق المحاصرة… وعلى تطبيق وقف لاطلاق النار يبدأ خلال اسبوع». وأضاف أنّ الاتفاق وَضَع جدولاً زمنياً مدته ستة اشهر للاتفاق السياسي فـي سوريا، مؤكداً أنّ «اعضاء مجموعة دعم سوريا اتفقوا على ضرورة استئناف محادثات السلام فـي جنيف فـي اسرع ما يمكن». وختم بأنّ «التحدي هو تنفـيذ كل الأطراف فـي سوريا على ما تم الاتفاق عليه اليوم».
بدوره، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ «النتيجة الرئيسية للاجتماع هي التأكيد على قرار الأمم المتحدة»، لافتاً إلى أنّ «الوضع الانساني فـي سوريا يتفاقم ويجب بذل جهود جماعية لانهائه».
Leave a Reply