بقلم: طالب الجبوري
ترتفع نسبة تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة الأميركية بشكل ملحوظ ومثير للجدل والانتباه، حيث يشير تقرير المعهد الوطني الأميركي لسنة 2013 إلى أن عدد الذين يتعاطون الماريوانا، وهي أخف أنواع المخدرات، فوق سن 12 عاماً يصل إلى 19.8 مليون شخص، أما عدد مستخدمي الكوكايين بحدود 1.5 مليون شخص، فيما عدد مدمني مادة الهيروين القاتلة فهم أكثر من 0.3 مليون مدمن، كما تشير عمليات المسح الوطني للمعهد الأميركي إلى أن ولاية ميشيغن تتقدم معظم الولايات الأميركية في نسبة استخدام أنواع المخدرات المختلفة خصوصاً بين أعمار الشباب.
هذا الخطر المميت الذي تواجهه الجالية العربية في ولاية ميشيغن يحتاج إلى دراسة وتأمّل، حيث تسبّب تعاطي المخدرات بفقدان العديد من أبنائنا الذين هم في ريعان الشباب، إنها مشكلة اجتماعية تحتاج إلى وقفة جدّية وحازمة من قبل المتنفذين والمثقفين وأصحاب الرأي لمعالجتها، مشكلة تتفاقم وتزداد ضراوة يوما بعد يوم، ولا بد من علاجها اجتماعيا وفكريا وثقافيا حتى نستطيع على أقل تقدير تقليل حجم المعاناة التي يعيشها المجتمع والجالية العربية، ولمعالجة أي مشكلة لا بد من التعرّف أولاً على أسبابها وملابساتها ونتائجها ومدى الأضرر والدمار الذي تلحقه بالبنى والأسس الاجتماعية والصحيّة والاقتصادية للعائلة والمجتمع.
عديدة هي الأسباب التي تشجّع أو تساعد الفرد على تعاطي المخدرات، وأهمّها هي:
– أوّلاً: الانتشار غير المشروع لهذه المادة في الأسواق عن طريق المهربين وأعوانهم، إذ لولا توافرها لما استطاع الراغبون بها من الحصول عليها بهذه السهولة.
– ثانياً: الجهل بأخطار استعمال المخدرات وذلك نتيجة إهمال المؤسسات المعنية والمجتمع في التعريف الكامل بأضرارها.
– ثالثاً: التفكك الأسري الذي يفرز دوراً ضعيفا للآباء في متابعة الأبناء وخصوصا دور الأم الحيوي في قيادة الأسرة، وكما يقول الشاعر (الأم مدرسة إذا أعددتها…أعددت شعباً طيب الأعراق).
– رابعاً: ضعف التربية الدينية والأخلاقية وعدم تنشئة الأطفال على أسس اجتماعية سليمة.
– خامساً: الفقر وانتشار البطالة في المجتمع الذي يفضي إلى فراغ قاتل في حياة العاطلين.
– سادساً: الثراء الفاحش الذي يقود الفرد غير الواعي إلى ارتكاب المعاصي والموبقات والرذائل.
– سابعاً: رفاق السوء الذين يروّجون لاستخدام المخدرات ويهيئون المناخ الملائم لمزاولة هذه العادة السيّئة والمدمّرة.
أمّا النتائج المترتّبة عن عملية تعاطي المخدرات والأضرار الاجتماعية والاقتصادية والصحية الكبيرة والقاتلة فهي تتمثّل بمايلي:
– أوّلاً: ازدياد معدل الجرائم في المجتمع وتحويل البيئة إلى ساحة للقتل والسرقة والاعتداء.
– ثانياً: انهيار المنظومة الأسرية التي تعتبر اللبنة الأولى لبناء مجتمع راقٍ ومتطور.
– ثالثاً: استنزاف للموارد المالية نتيجة إهدارها في شراء المخدرات أو تلك التي تصرف في تقديم الرعاية الصحية للمدمنين أو في توفير الحراسات والسجون ومطاردة المهربين.
– رابعاً: استنزاف للموارد البشرية التي يمكن استخدامها في إنشاء مشاريع مدنية تصب في خدمة المجتمع.
– خامساً: الأضرار الصحية الكبيرة التي تفرزها عملية تعاطي المخدرات، كالالتهاب الرئوي المزمن، السرطان بأنواعه، انخفاض ضغط الدم، ضعف القدرة الجنسية، والتشوهات الخلقية التي تصيب الجنين، بالإضافة إلى فقدان الحيوية والنشاط.
وفي مقابل كلّ ذلك فإن أفضل الوسائل للوقاية من آفة المخدرات وللمحافظة على مجتمع وجالية عربية سليمة تتلخّص فيما يلي:
– أوّلاً: العزوف عن تناول المخدرات وعدم أخذ أي وصفة طبية قد تسبب الإدمان على تعاطيها.
– ثانياً: إيجاد مناخ عائلي ملائم وقائم على الحوار والتفاهم والصداقة التي من خلالها نستطيع أن نعالج مشاكلنا العائلية، بالإضافة إلى الاستماع الجيد لأولادنا ومتابعتهم بشكل دقيق وحازم.
– ثالثاً: الابتعاد عن أصدقاء السوء وعن المناطق المشبوهة التي ينتشر فيها تعاطي المخدرات.
– رابعاً: الشروع في وضع إعلانات جدارية في بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا تحذّر من استخدام هذا الوباء المميت.
– خامساً: تقديم المساعدات الطبية المجانية للمدمنين لمساعدتهم على التخلّص من هذا المرض الخطير. سادساً: عقد الندوات والمؤتمرات الجماهيرية للتعريف بالآثار والنتائج السلبية لاستخدام مادة المخدرات. سابعاً: التشديد في مراقبة تلاميذ المراحل الدراسية المتوسطة والإعدادية وذلك لكونهم عرضة لاختراقهم في هذا المجال بسهولة.
سادساً: الانتباه إلى أي تغيير مفاجيء في سلوك أبنائنا، كالانقطاع عن المدرسة، التأخر الطويل خارج البيت، الإسراف والمطالبة المتكررة بالمال، التغيير في المزاج، الانطواء داخل المنزل، والعنف في التعامل مع الآخرين، كل هذه العلامات تساعدنا على تشخيص الحالة مبكراً وبالتالي تقودنا إلى إمكانية علاجها سريعاً والتخلّص من شرورها.
ويجب أن لا يفوتنا أنّ الإدمان على المخدرات وتزايد الأعداد المليونية لمستخدميها هي مشكلة حقيقية تواجهها الكثير من العوائل المهاجرة إلى أميركا، إنّها مشكلة سوف تزداد خطورتها يوميا إذا لم يتم تطويقها اجتماعياً وفكرياً وقضائياً، ولابدّ من تشريع القوانين القادرة على حماية المواطن، القوانين التي تساعد على ردع المستهلك والبائع والمروّج، كذلك القوانين التي تساعد في التشديد على مراقبة المنافذ الحدودية التي تنفذ منها هذه المادة القاتلة إلى داخل البلد، إنّ التعاون المزدوج بين الأهالي والمؤسسات المعنية يقودنا بالتالي إلى الحصول على بيئة خالية من المخدرات أو على أقل تقدير سيفضي إلى تقليل حجم المشكلة وتطويق الخطر.
Leave a Reply