ديربورن
أمام «المركز الإسلامي في أميركا»، بمدينة ديربورن، نفّذ عشرات الأطفال العرب الأميركيين برفقة عائلاتهم، مساء الثلاثاء الفائت، وقفة تضامنية مع أطفال غزة، حاملين طناجر وأوعية طعام فارغة احتجاجاً على سياسات التجويع التي تنتهجها إسرائيل بحق سكان القطاع المحاصر منذ آذار (مارس) الماضي.
وخلال الفعالية التي جاءت تحت عنوان «من أطفال ديربورن إلى أطفال غزة الجائعين»، ندّد الناشط المجتمعي مروان فرج بالصمت والتواطؤ الدولي على التداعيات الكارثية للمجاعة المتفاقمة في غزة، والتي أسفرت –منذ مارس المنصرم– عن وفاة 239 شخصاً، بينهم 106 أطفال، متسائلاً عن الأسباب التي تمنع قادة العالم والرئيس الأميركي دونالد ترامب من التحرك لإنهاء المجاعة المأساوية والكارثة الإنسانية المستمرة في القطاع المدمر.
ووصف فرج ما يحدث في غزة على مرأى العالم، والذي يبثّ مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية الأخرى بـ«الكابوس المستمر»، مؤكداً بأن ما يجري في الأراضي المحتلة ليس مجاعة طبيعية بسبب انعدام الطعام والشراب والأدوية، وإنما هو «تجويع ممنهج» ناجم عن قيام إسرائيل بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين، وكذلك «قصفها من قبل المحتلين والمستوطنين المتطرفين لحرمان السكان من أدنى مقومات العيش».
وأهاب فرج بالمجتمع الدولي للتحرك سريعاً من أجل وضع حد لإسرائيل التي تتخطى جميع القوانين الأممية والاتفاقات الدولية، بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تنص مادتها الخمسون على التزام دول الاحتلال، بالتعاون مع السلطات الوطنية والمحلية، بتسهيل عمل مؤسسات الرعاية المخصصة للأطفال وضمان تعليمهم، خصوصاً أولئك الذين فقدوا ذويهم أو انفصلوا عنهم جراء الحرب.
وفي كلمة مؤثرة، جدّد الطفل محمد بزي، التأكيد على أن المجاعة في غزة «ليست أمراً طبيعياً، بل كارثة مخطَّط لها مسبقاً» تستهدف الأطفال واليافعين «من أمثالنا» وتحرمهم من أبسط مقومات العيش والحياة الكريمة، رافعاً على المنبرو صورة الطفل الفلسطيني نافذ محمد ناصر (10 سنوات) الذي تناقلت صفحات التواصل صورة جسمه الهزيل، والذي لا يتجاوز وزنه 9 كيلوغرامات، بسبب سوء التغذية وانعدام الرعاية الطبية.
وبنبرة حزينة، قال محمد إن «نافذ، طفل مثلنا يستحق الحياة والتعليم والتمتع بالفرص في هذا العالم، ولكنه للأسف، يضمحل شيئاً فشيئاً لأن جسمه لم يعد يستجيب للرعاية الطبية بسبب التجويع الشديد»، مضيفاً بأن الطفل الفلسطيني على «حافة الموت، ولا أحد يتحرك لإنقاذه».
ولفت محمد إلى الحادثة المأساوية التي أصبحت رمزاً لتفشّي الجوع في غزة، والتي فارق خلالها الفتى الفلسطيني عاطف أبو خاطر (17 عاماً) الحياة بعدما انخفض وزنه من 65 إلى 35 كيلوغرام نتيجة سوء التغذية الحاد الناجم عن الحصار الشديد والقيود المفروضة على وصول المساعدات، إذ توفي داخل مستشفى الحلو الدولي وسط ظروف مأساوية، في ظل عجز كامل عن توفير الغذاء والعلاج الضروريَين لإنقاذ حياته.
رفض الصمت
إمام «المركز الإسلامي في أميركا»، الشيخ أحمد حمود، أوضح بأن فعالية التضامن مع أطفال غزة التي رفعت خلالها الأعلام والرايات الفلسطينية، ليست نشاطاً «سياسياً»، ولكنها «بيان إنساني» للدعوة إلى حماية حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، مستدركاً بالقول: «ليس هنالك حقوق إنسان، هنالك تسييس لحقوق الإنسان»، في إشارة إلى التنصل الدولي من حماية حقوق الفلسطينيين.
وعن الجرائم الوحشية التي تنفذها إسرائيل بحق الأطفال في القطاع المحاصر للعام الثاني على التوالي، قال الشيخ حمود: «هؤلاء الأطفال في غزة، لا يموتون، إنهم يقتلون يومياً، يحرمون من الطعام والدواء والمأوى، وعندما يتوفر القليل من المساعدات نراهم وهم يقتلون عند المراكز الإغاثية، لقد أصبح الأمر اعتيادياً لكثرة تكرار المشهد».
وأهاب حمود بالمجتمعات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة برفع الصوت ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، وقال: «علينا الوقوف إلى جانب السكان في غزة ومساندتهم لأننا نريد أن يعرف أطفالنا بأنهم بشر يستحقون الحياة مثل جميع الناس في العالم، ويستحقون أن يكونوا أحراراً»، متسائلاً عن الجريمة التي يُعاقب عليها الأطفال الفلسطينيون بالقول: «لقد ولدوا فلسطينيين، فهل هذا هو خطأهم وخطيئتهم؟».
بدوره، شجب راعي كنيسة «القديسة مريم» في مدينة ليفونيا، الأب جورج شلهوب، الفظائع وسياسات التجويع التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة، لافتاً إلى أن كيان الاحتلال لا ينتهك الشرائع والقوانين الدولية فحسب، وإنما يخالف أيضاً التعاليم اليهودية في العهد القديم، وقال مخاطباً الحكومة الإسرائيلية: «هل طلب الله منكم في العهد القديم أن تقوموا بهذه الأفعال الفظيعة؟». وأضاف شلهوب بأن 60 بالمئة من الإسرائيليين يعارضون سياسات الاحتلال والتجويع في القطاع المحاصر، مستصرخاً الضمير العالمي بقوله: «أين أخلاقكم وضمائركم.. لم تعد لدينا دموع لكي نذرفها على أطفال غزة».
النائب عن مدينة ديربورن في مجلس ميشيغن التشريعي، العباس فرحات، عبّر عن استيائه من صمت الإدارة الأميركية حيال ما يجري في الأراضي المحتلة، وقال: «لدينا رئيس في البيت الأبيض، كان قد جاء إلى مدينتي ووعد الناخبين في دائرتي بإحلال السلام، ولكن أين هو السلام؟»، في إشارة إلى زيارة ترامب إلى مدينة ديربورن خلال حملته الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وأضاف فرحات: «لقد كذب ترامب وحنث بوعوده للناخبين الأميركيين وللناخبين في مجتمعنا المحلي»، لافتاً إلى التقارير المستمرة حول موت المزيد من الأطفال والمدنيين بسبب التجويع الحاد وحرمان السكان من المواد الأساسية والمستلزمات الطبية، ومهيباً بالأوساط العربية والإسلامية في الولايات المتحدة بعدم التخلي عن مساندة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وقال: «ارفعوا أصواتكم وشاركوا في جميع الفعاليات المؤيدة للفلسطينيين وتواصلوا مع مسؤوليكم المنتخبين.. لا تخافوا، فالعدالة بجانبكم وبالتأكيد سوف نفوز في نهاية المطاف».
تنشيط الحراك
اجتمع عدد من المسؤولين والفعاليات العربية الأميركية في مكاتب «صدى الوطن»، يوم الثلاثاء الماضي، لمناقشة السبل الكفيلة بإعادة تنشيط الحراك الشعبي والمؤسساتي ضد حرب الإبادة المستمرة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، بعد انحسار الأنشطة الداعمة للقضية الفلسطينية جزئياً نتيجة توجس المجتمع المحلي من سياسات وتصريحات المسؤولين الأميركيين حول محاسبة وملاحقة الحقوقيين والطلاب الداعمين لفلسطين.
وضم الاجتماع نائب محافظ مقاطعة وين أسعد طرفة، والنائب العباس فرحات، وناشر جريدة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني، والمدير التنفيذي لـ«المجلس الأميركي للحقوق المدنية» عماد حمد، والمدير التنفيذي لـ«المركز الإسلامي في ديترويت» (آي سي دي) سفيان نبهان، بالإضافة إلى قيادات محلية أخرى.
Leave a Reply