حروب الحُـرّيـَة وحروب الحُـورِيَـة
جايه فوق الصـعب ماشيه
فات عليـكي ليـل وميه
و احـتـمالـك هو هـو
و ابتسَـمتـك هـي هي
تضحكي للصبح يصبـح
بعـد ليـلة ومغربية
أحمد فؤاد نجم
من المواضيع المسكوت عنها قبل «ثورات الربيع» هي الأوضاع المتدهورة للمرأة العربية، ورغم الحديث الكثير الذي كان يتردد في أغلب البلدان العربية عن القفزة الكبيرة التي حققتها المرأة والأرقام المزيفة التي كانت تقدم لتجميل واقع متردٍ، فإنّ الحقائق التي كشفتها منظمات دولية بالأرقام تدل على أنّ أوضاع المرأة العربية في كثير من مجالات الحياة مثل التعليم والعمل والمشاركة السياسية تأتي في آخر المراتب بالنسبة لكثير من نساء العالم. كنّا نود أن نتناول أوضاع المرأة ضمن منظور شامل لحقوق الإنسان دون الفصل بين المرأة والرجل لإيماننا بأن حقوق الإنسان هي حقوق كونية لا فرق فيها بين المرأة والرجل ، لكن ما تعرضت له المرأة سابقا وما تتعرض له الآن في المنطقة العربية تدعونا إلى تناول الموضوع بأكثر تخصيصا لتشريح أوضاع مأساوية وخطيرة تنتهك فيها حقوق المرأة تحت سيادة مفاهيم جديدة تبدأ بالمرأة خاصة لتعود وتنتهك حقوق السواد الأعظم من البشر رجالا ونساء. لقد كان الأمل معقوداً على أن تجد أوضاع المرأة العربية عناية أكبر بعد ثورات الربيع خاصة بعد أن شاركت المرأة بفعالية كبيرة في جميع التحركات التي سبقت الإطاحة ببعض الأنظمة العربية الإستبدادية، ولم يكن أحد يتصور أن تسجل أوضاعها تراجعا ينذر بالخطر وحتى بفقدها لبعض المكاسب التي كان أغلبها مجرد قوانين على الرفوف وحبراً على ورق.
وحسب إحصائيات للأمم المتحدة ومنظمة «اليونسكو» حول المشاركة السياسية للمرأة العربية لسنة 2012، حصلت المرأة العربية على المرتبة الأخيرة من حيث ترؤسها للدول أو الحكومات أو تولي المناصب الوزارية وخاصة السيادية منها كالدفاع والداخلية والخارجية والعدل، وتتدنى نسبة مشاركة النساء في عضوية البرلمانات إلى 11,3 بالمئة في حين تبلغ نسب مثيلاتها في البلدان الأروبية والغربية إلى 22,6 بالمئة، ووتتذيل المرأة الخليجية كل القوائم الدولية والعربية بتمثيل شكلي في الغالب، وقد حققت السعودية وقطر صفراً بالمئة بإنعدام أي تمثيل برلماني نسائي في هاتين الدولتين!؟ أو ليس هذا بغريب أن نرى إصرار هذين البلدين وهما يحرقان الأخضر واليابس من أجل تطبيق الديمقراطية على حد زعمهم في بلدان أخرى في حين هم يتذيلون قوائم دول العالم في المجال الديمقراطي وبالأصفار؟؟
أمّا على المستوى التعليمي وعلى الرغم من بعض التقدم الحاصل تظل نسب الأمية في صفوف النساء العربيات عالية حيث تبلغ خميسن بالمئة بين صفوفهن، وتتدنى المشاركة النسائية في المجال الإقتصادي إلى نحو 29 بالمئة وهي الأدنى بين نسب العالم.
ورغم أنّ هذه الإحصائيات الهزيلة بخصوص أوضاع المرأة العربية تُحسب على الأنظمة السابقة لثورات الربيع، فإنّ الأوضاع الحالية في ظل بعض دول الربيع لا تبشر بالخير، خاصة وأنّ النظرة إلى المرأة بدأت تأخذ إتّجاها أكثر دونية وتَجِدُ مع ذلك تبريرات ضمن توجهات إيديولوجية أكثر رجعية، وإذَا استمرت الأوضاع على ما هي عليه فإنّ حقوق المرأة العربية قد تشهد ترديا أكبر قد يؤدي بها إلى ردّة حقيقية.
المرأة العربية وثورات الربيع: مفاهيم شبقية
كانت المرأة العربية في عهود ماقبل الربيع العربي مجرد سلعة ضمن سياسة جهنمية للماكينة التجارية، ورغم بعض المظاهر التي كانت تدل على تحرر المرأة فلم يكن ذلك إلاّ قشرة خارجية لم تمس إلاّ فئة مخصوصة من النساء من بطانة الأنظمة الحاكمة أو من المقربين منها سياسيا، أومن بعض مشاهير الفن خاصة، في حين كانت أغلب النساء يرزحن تحت سياسة تجعل منهن مجرد شكل وبضاعة تُسوّق تجاريا. وقدعبرت كل التيارات السياسية التي كانت تقف في الطرف المعارض للأنظمة الحاكمة عن رفضها لهذه السياسة التي تمتهن من كرّم الله وجعل الجنة تحت أقدامهن، إلاّ ّأنه وبعد أن قامت ثورات الربيع وحروبها «إنكشف المستخبي» وعانت المرأة ويلات الإمتهان والإستغلال الذي فاق كل أوضاع الاستغلال التي كانت تعاني منها سابقا.
حروب الرقيق الجديد: النخاسة
كان من المفترض أنّ تمثّل ثورات الربيع العربي التي قامت من أجل الحرية وتكسير القيود التي كبلت الشعوب لعقود إنطلاقة افضل لحقوق حقيقية للمرأة، لأنّ الشعوب ثارت من أجل أن تلغي إستعبادها من الأنظمة المستبدة، لا أن يقع إستعبادها من جديد من أطراف أخرى وبأشكال أكثر فظاعة وتنكيلاً. بعد فتاوي منع سياقة السيارات وختان البنات وغيرها من الفتاوي خلنا أنّ الأمور ستتغير لكن ما راعنا إلاّ عودة إنتهاك الحقوق الإنسانية للنساء حيث أفادت بعض المنظمات الإنسانية حصول عمليات إعتداء بالعنف وإغتصاب بعض النساء في تونس ومصر وليبيا في ظل إنفلاتات أمنية وتدفق للسلاح عبر الحدود. كما تحدثت مصادر عن إغتصاب نساء وفتيات أخريات في سوريا بسبب خلفيتهم المذهبية، و قامت مجموعات مسلحة بقتل عشوائي للسكان كان بينهم كثير من النساء والبنات. وقد وقعت عمليات تخريب واسعة في البنية التحتية التعليمية السورية من مدارس وجامعات ممّا حرم العديد من البنات من التعلم. وسجلت منظمات أخرى حدوث عمليات تهجبر واسعة للسكان السوريين ممّا إضطر كثير من البنات والنساء وعائلاتهن إلى الإحتماء بالمخيمات التي حولتها عصابات الجريمة إلى مصادر دخل وربح مادي عبر المتاجرة بالنساء السوريات وخاصة البنات الصغيرات اللاتي يزرح أهاليهن تحت الحاجة والفقر واللاتي يقع تزويجهن في أغلب الأحيان من «عرسان» يفوقونهن كثيراً في السن. وقد أجبرت العديد من الفتيات والنساء على الدعارة غصبا ، كما تمّ اغتصاب بعضهن، وخاصة في مخيمات اللاجئين بتركيا حيث عبث بعض العسكر العصملي التركي الذي يشرف على المخيمات التي نُصبت للاجئين السوريين والموجودة في تركيا ببعض بنات ونساء المخيم، وقامت منظمات انسانية بتوثيق تلك الإعتداءات. وقد تواصلت الإنتهاكات ضد النساء والبنات السوريات في المخيمات على حدود العراق والأردن حيث تُستغل حاجة اللاجئين للمال فيقبلون تزويج بناتهم القاصرات بأبخس الأثمان. وحسب مراقبين توجد «مافيا نخاسة ورقيق» تجلب الزبائن من بعض بلدان الخليج خاصة، ونتيجة استفحال الظاهرة التي فاحت رائحتها وتناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، خصّص البرلمان الأردني جلسة لمناقشة تأثيرات الأزمة السورية على الأردن، وقد تداول النواب ما يحصل في مخيم الزعتري للاجئين السوريين من إنتهاكات لحقوق النساء والبنات وندد العديد منهم خلال مداخلاتهم بما يحصل خاصة في المخيم حيث تستغل حاجة الناس ابشع استغلال.
وفي معرض حديثه عن الوضع في مخيم الزعتري للاجئين السوريين بالأردن قال النائب محمد شديفات بأنّ الوضع الأمني هناك «خارج عن السيطرة الأمنية»، مشيراً إلى إنتشار العصابات. كما نددت النائب ميسر سردية، بما يحصل في مخيم الزعتري، متسائلة عن سبب «تنامي دُور الدعارة في المخيم» وفي الأخير طالب أغلب النواب من الحكومة الأردنية إعادة اللاجئين السوريين إلى مخيم داخل الأراضي السورية لتجنيبهم ويلات الإستغلال في «الزعتري»، حيث حولتهم ظروفهم القاسية صيدا سهلا لشبكة من سماسرة الجنس الناشطين داخل المخيم والذين حولوا اللاجئات الى رقيق يُبعن ويشترين.
حوريات الأرض: المناكحة
حينما لم تستطع المجموعات المسلحة أن تحقق إنتصارات سريعة وكاسحة في سوريا قامت جهات خليجية وعربية بإستصدار فتاوي الجهاد المعروفة والتي دعت جهرا شباب العرب والمسلمين للجهاد في سوريا. وقد تعددت المجموعات المقاتلة التي دخلت سوريا تحت أسباب مختلفة فمنها من جاء ليقبض المقابل وفيها من جاء صادق النية لإيمانه بأنّ ما يفعله هو جهاد نتيجة ثقته فيما سمعه من فتاوي تحرض على ذلك، وجاء بعض آخر للجهاد نتيجة دوافع مذهبية، كما كان من بينهم كثير من الشباب الذين يعيشون ظروفا إقتصادية صعبة أدت إلى حالات من إنسداد الأفق نتيجة اليأس والبطالة. وقد راجت في الفترة الأخيرة فتوى جديدة عرفت بجهاد المناكحة والتي نسبت للشيخ محمد العريفي من السعودية والتي أنكرها، ويبدو أنّها ليست فتوى صادرة عن مشائخ دين وقد تكون من عمل سياسيين أو غيرهم ممن لهم مصلحة في تجنيد مزيد من الشباب وأرادوا مزيدا من التحفيز وتحميسهم على التطوع في حرب سوريا فابتدعوا لهم هذه البدعة وروجوها دون تبنيها جهاراً. وقد نشرت وسائل إعلام خبر توجه فتيات من بعض البلدان العربية إلى سوريا تنفيذا لمضمون فتوى زواج المناكحة، وهي ظاهرة غريبة عن ديننا وتقاليدنا، وإن صدق وجود هذه الفتوى فهي فتوى مُضللة والإسلام منها براء وحاشى رب العالمين أن يبيح مثل هذه الممارسات. ويبدو أنّ بعض العلماء المسلمين قد أيقنوا خطورة مثل هذه الفتاوي وسابقاتها التي تُصَنِفُ الحرب في سوريا على أنّها جهاد مقدس، ولقطع الطريق على أيّ إستغلال ديني لمثل هذه الفتاوي الشاذّة أفتى أحد أبرز أعضاء هيئة كبار العلماء بالسعودية والمستشار بالديوان الملكي الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع بعدم جواز الحرب في سوريا على أساس أنّها جهاد، فقال «الحرب في سوريا أهلية وليست جهاداً وحذار من المشاركة فيها» ولا يمكن لشخصية دينية رسمية مثله أن يصدر فتوى بمثل هذه الأهمية بدون ضوء أخضر من السلطات الرسمية، التي سبق وأن صرحت بأنّها لا تعلم ولا تشجع سفر سعوديين للقتال في سوريا وأنّها ستعتقل كل من يعود بعد المشاركة في القتال في سوريا.
ويبدو، حسب ملاحظين، أنّ السعودية قد بلغت أهدافها من الحرب في سوريا وهي إضعاف النظام بحيث يفقد كل تأثير على لبنان أو دعم إيران وهي لا ترغب في إنهياره كليا لأنّ إنهيارات لعبة «الدومينو» قد تمتد للعراق المتفجّر أصلا ومنه إلى السعودية، التي قد تكون أيقنت أنّ هناك من دول الخليج من يدفع بالأمور في هذا الإتجاه، لذلك حاربت الفتوى بالفتوى قبل أن تستفحل البلوى.
لقد تجاوزت الحروب التي شُنت بفتاوي دينية وبإسم الحرية حدودا كثيرة إلى حدّ أن تحولت إلى وسيلة لتشويه سمعة العرب والمسلمين، وأحدثت إضطرابا في المفاهيم الدينية لدى الناشئة وحوّلت الساحة العربية الاسلامية إلى بؤرة ملتهبة لصراعات لا تفعل إلاّ تدمير البلدان وتقسيم المسلمين، والتأسيس لفكر إقصائي لا يؤمن بحق الإختلاف والتنوع داخل المنطقة التي قدر لها رب العالمين ذلك حيث قال تعالى: «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير».
عاشت المنطقة العربية الإسلامية أكثر من خمسة عشر قرنا متصالحة في الغالب مع موروثها رغم وجود هذه الإختلافات التي يرى البعض وجوب إلغائها في زمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحمي التنوع ويؤكد على حقوق النساء والرجال والأفراد والجماعات في كل أصقاع المعمورة. تحاول المفاهيم القديمة الجديدة أن تعود عبر إحياء عقلية «الزير سالم» ولم يبق أمام العرب إلاّ الإحتكام الى شرائع الجاهلية والعودة إلى غزو وسبي بعضهم البعض. عجبي!
Leave a Reply