قبل خمسين عاما كنت في الصف الثاني الابتدائي. وقتها أحب أستاذ الرياضيات، وكان ذا ميول يسارية تقدمية، أن يأخذنا في رحلة لزيارة ورؤية الأرز في جبل لبنان. أستاذ اللغة العربية، حامل “شهادة الموحّدة” من جامعة دمشق، اعترض بشدة على تلك الزيارة، ولن أنسى عبارته عندما قال لنا: “شو يعني الأرزة؟ شجرة مثل كل هالشجرات هون بالضيعة. لو حضنتوها وبستوها –يقصد شجرة الأرز- مش رح تحسو بحب الوطن إلكن”.
هذا هو مربط الفرس. حب الوطن إلكن – يعني لكم. لكن فات ذلك الأستاذ العروبي الوحدوي أن يعلمنا نحن أو يكون لنا أنموذجا لنحب الوطن. لنكون مواطنين مؤهلين لحب وبناء الوطن.
تساءل الأستاذ الحاج خليل الرمال في مقالة له الأسبوع الماضي نشرت في “صدى الوطن”، من أين يدخل في شبه الوطن الطائفي؟ واختصارا للوقت وللكلمات الطويلة المنمقة، نستطيع دخول الوطن (وليس الوطن الذي شُبّه لهم) ندخله بأنه نحبه ونخلص في محبته، فلا نكون طائفيين، ولا مرهونين تارة الى سوريا وطورا إلى إيران.. وغيرها وغيرها. نحبه بأن نكبر ونفطم أفواهنا عن المدح والردح، ونقوي زنودنا لنزرع ونأكل، وبدل السخرية وانتقاد الآخرين تكون لدينا القدرة لنقد أنفسنا أولا، وانتقاد زعمائنا السياسيين (من طائفتنا أولا) وزوجاتهم وأولادهم، آكلي بيضة الوطن وتقشيرته مع الآكلين الآخرين دون اعتراض واحتجاج، طالما أن حصتهم من المساعدات المادية والمعنوية تصل الى أيديهم وأيدي عصبة المتنفذين حولهم أولا، أما المحتاجون حقا لتلك المساعدات فلهم الفتات وبراميل الزبالة يفتشون عن لقمة يسدوا بها جوعهم.
هل الوطن، أو شبه الوطن، من جوَّعهم وأهانهم، أم زعماء طائفتنا، المرفهون في قصورهم وسياراتهم ومواكب الحراسة –يخزي العين- على الرايح والجاي. مش عيب نسمع ونرى أناسا من “طائفتنا” يتسولون ويشحذون بينما طبقة “نفاريش” الطائفة يعيشون بالطول والعرض، وزوجاتهم وبكل صفاقة وقلة الذوق، لا تخلو صحيفة وجريدة من صورهن في الصبحيات والحفلات والبذخ وعرض الأزياء والمجوهرات ورعاية وافتتاح المهرجانات!
كإنسان شيعي، في لبنان أو خارج لبنان، هل مسموح لي أن أتساءل لماذا الاختلاف على بداية شهر رمضان وعلى نهايته عند الطائفة الشيعية؟
هل تجرؤ أن تنتقد أحدا من الزعماء الروحيين مثلا، وتسأل عن أموال الطائفة المسروقة عينك عينك والمهدورة في مشاريع وهمية. ولماذا في الطائفة الواحدة أولاد ست وأولاد جارية؟ ولماذا التركيز في وسائل إعلام الطائفة على الزعيم الأوحد وكلماته وأقواله على طريقة الراحل جمال عبدالناصر؟
ندخل في الوطن يا حاج خليل من رغبتنا الصادقة للعيش مع من شاركنا في الوطن والتوجه له مباشرة، بدون وسيط أو رقيب، لشرح أفكارنا ومبادئنا. ندخل في الوطن في تطهير قلوبنا من حب الدنيا، كما أمرنا إمامنا العظيم، الإمام علي عليه السلام، والعمل الجاد المخلص لبناء مجتمعنا ككل ولو كره الحاقدون والغرباء. وقبل تقويم الآخرين نقوّم أنفسنا ونربي أولادنا ليحبوا وطنهم لبنان بإخلاص قبل محبة الزعما اللي أكل وبلع وكل واحد ماشي وراه شلعة وبدل الوطن الحر القلعة، عملوا خيال الطائفية، وللأسف نحن من صفق لهم وصلينا وسلمنا لأجلهم.
الحق مش ع الوطن.. الحق علينا لأننا في كثير من الأحيان ما بنستاهلو!
Leave a Reply