نويت الكتابة هذا الأسبوع عن قضايا مصيرية وهامة تدور في العالم المسعور، لكن الوضع في “شبه الوطن” دائماً يفرض نفسه على قلب الحدث، ليس لأنه وضعٌ طبيعي وعادي، على العكس، لأنه وضع شاذ وأبعد ما يكون عن الطبيعي بمفارقاته ومسخراته. وهذا الوطن الذي شبه لهم “ميزته” أنه مليء بالتناقضات والفضائح والفساد والعنصرية والمهاترات والمهازل بحيث لا يترك زيادة لمستزيد. فمن أين أدخل في هكذا “وطن”؟!
من أين أدخل في “شبه الوطن”؟ من باب تحقير المعلمين بدل تبجيلهم ضد مافيا الكتب والمدارس المتاجرة كالحكومة بمستقبل النشء الجديد. أدخل من باب الفقراء الذين نشرت عنهم إحدى الصحف تقريراً منذ أسبوع حول تفتيشهم عن لقمة عيشهم في براميل.. النفايات. بعد الموت على أبواب المستشفيات ورفض تسليم الجثمان لعدم الدفع، تأتي فضيحة النفايات! فقيران من الذين وصلوا إلى خريف العمر يجمعان طعامهما من الزبالة في بلدٍ إستدان أكثر من٥٠ مليار دولار وهدر فيه السنيورة لوحده ١١ملياراً في “غفلة من زمن” المعارضة السابقة النائمة!
أم ندخل من باب النفايات السياسية والفكرية التي عفا عنها الزمن والتي أطلقها سمير جعجع “الهاجر” لطاولة الحوار و”الهارب” من لبنان، بذكرى جريمتين إرتكبهما في وضح الزمن هما جريمة قتل طوني فرنجيه وإغتيال الرئيس رشيد كرامي “فزمط” من الجريمة الأولى وأدين في الثانية عبر محكمة عادلة كان أحد أقطابها القاضي رياشي الذي يعمل آنياً مع المحكمة الدولية للنظر في قضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي يؤيدها جعجع، نصير العدالة والحقيقة، قلباً وقالباً!
وهكذا إستقبل خليفة “بروس لي” على أرض مصر جمال عبد الناصر، من قبل حسني مبارك إستقبال الرؤساء في خرقٍ فاضح للبروتوكول والعرف على أساس أن “الضيف الثقيل” لا يمثل حيثية فعلية تستدعي هذا التكريم عدا عن أنه محكوم بجرائم قتل في بلده وخرج من السجن مع غيره من المدانين بالقتل والإجرام نتيجة قانون عفو عام صادر عن مجلس النواب ولكنه لم يلغ سجل جعجع العدلي!
بل الأنكى من ذلك أن “ما يسمى” (ولنا لما يسمى عودة) بأمين عام “الجامعات العربية” عمرو موسى، وصف جعجع بالزعيم و..”المفكر”. كم هو معبر هذا “الموسى” عن عقم النظام الرسمي العربي الذي أصبح جعجع بعرفه “مفكراً”! لانعلم هل نضحك أم نبكي على هذه الحال. توصيف موسى، كان مثل زيارته لغزة المحاصرة، منفراً وخارجاً عن المألوف حيث لم يبذل جهداً لكي يخفي ضجره من زيارة “رفع العتب” المملة بعد أن أذل الأتراك بدمائهم أنظمة الخنوع والتخلف. لقد ذهب عمرو موسى إلى غزة بعد غياب طويل لرفع الحصار عن.. إسرائيل! مبروك للنظام الرسمي العربي هذا “المفكر” الذي لم يترك عيناً في لبنان إلا وأبكاها وكان أكبر أحصنة طروادة الإسرائيلية.
على كل حال، فإن النظام المصري المهووس بنقل سلمي لملكية مصر من الأب إلى الإبن يقوم بحراك حالي مخالف للتعاون السوري-السعودي بعد فض الخلاف بينهما، معتمداً على رافعتين سياسيتين إثنتين: فؤاد السنيورة وسمير جعجع تناغماً مع الموقف الأميركي-الإسرائيلي! من هنا إستقبال جعجع الحافل وعدم إكتراث السنيورة لإخفاء ١١ مليار دولار وتحريضه على الإمتناع عن التصويت في الامم المتحدة ضد العقوبات على إيران. ومن مصر ذهب جعجج، حاملاً سيفه على المقاومة في لبنان ومستكملاً الحملة على رئيس الجمهورية، إلى فرنسا حيث إلتقى هناك بوالده الروحي مار نصرالله صفير حتى تكتمل الحملة. وتزامنت زيارتيهما مع إلغاء فرنسا لإذاعة “الأقصى” الفلسطينية تضامناً ربما من قبل حنا السكران ساركوزي مع أسطول الحرية ووسط أنباء عن “ترجي” فرنسا لإسرائيل بتحييد الكتيبة الفرنسية عندما تشن حربها المتوقعة على لبنان! ربما “الأم الرؤوم” لم تعد رؤوماً وربما أراد البطرك أيضاً أن يحيد “مسيحيي الشرق” الخائف جداً عليهم من حرب إسرائيل، لكنه يمعن في تقسيم مسيحيي لبنان! ومن عقر دار “الأم الحنون” التي كان قصدها (بالزمانات) خلق “وطن للموارنة” فقط لكن لتعاسة حظ أحفاد فينيقيا، إزداد عدد المسلمين والمسيحيين من غير الموارنة، أعلن بطرك “العروبة ليومٍ واحد فقط” كلمته الشهيرة “لما يسمى” خارجاً عن اللياقة والأدب في التخاطب السياسي بحق فريق وازن في هذا الوطن العاق ويشكل أكثرمن نصف الشعب اللبناني. ثم إلتقى مع ممثل المصالح الإسرائيلية في الامم “المتفرقة” تيري رود لارسن السيئ الذكر، والعدو اللدود للمقاومة وسوريا.
البطرك قال أن اللقاء حصل بالصدفة ولكن المرء يتساءل ما الداعي يا ترى لإجتماع كاهن مع مسؤول دولي ذي دور ٍمشبوه؟ أما عن كلمة “ما يسمى” فالبطرك الضليع باللغة العربية (وهو يصر على التحدث بالفصحى، لا لغة سعيد عقل الفينيقية، لكي يحطمها تماماً) عندما سئل عن هذا التعبير التصغيري لم ير ضيراً في إستخدامه ثم قام، وهو الخبير في المعادلات الحسابية والرياضية، بتحديد وزن ميشال عون الذي لم يسامحه على “ميثاق التفاهم” لأنه، كما قالت السيدة الفاضلة صونيا فرنجية الراسي، يعترض على “أي تقارب بين المسيحيين والشيعة؟”. وبعد عودة المستر “ما يسمى” الميمونة من باريس “فقع” على مطار بيروت تصريحاً نارياً آخر، كشف من جديد مدى حقده على سوريا، فطالب أن تكون العلاقات مع دمشق مثل أي جار من الجيران علماً أن للبنان جار شقيق واحد فقط إلا إذا تبنى كلام “ما يسمى” فريد مكاري الذي وصف إسرائيل سابقاً بالجارة الذي اتحفنا بفكره في “مداخلته” في كافيتيريا “منضدة الحوار” (من دون أن يشهر لسانه كما فعل سابقاً أمام الصحافيين، ربما لأن جناحه إنكسر في البلديات بعد أن صور نفسه أسداً غضنفراً).
ثم قام “الأب الروحي” لما يسمى بـ”أيتام بولتون” بإعطاء تصريح لمحطة “العبرية” تجاوز فيه كل الحدود ولامس وفاق الطوائف الهش وكأنه يريد أن يشعل حرباً مع الشيعة لكي “يزرك” عون ويزيد من رصيد جعجع خصوصاً بعد أن تم تجاهل كلامه في كل مرة ما خلا رد مهذب على تعبير “ما يسمى”. وقام صفير بزيارة “الفاتحين” لمدينة زحلة (أو بالأحرى لقبضايات “الكتائب” و”القوات”) من أجل أن يشد عصب “١٤ آذار” المنهار لخسارة الإنتخابات البلدية فإستقبل بنحر الخراف وبيافطات عملاقة ومفتاح “عاصمة الكثلكة” التي لم يزرها ما يسمى بـ”كردينال بكركي” لمدة ٧٢ عاماً (!)، وذلك تثميناً لمواقفه “الجامعة” حتى بين المسيحيين أنفسهم (انحيازه للقوات ضد عون وفرنجية) ولدعوته إلى إنتخاب المسلم للمسلم والمسيحي للمسيحي. ولعل تحرك صفير تزامن مع تفشيل إقرار مجلس “لفكاهة” للحقوق الإنسانية المدنية للشعب الفلسطينين في لبنان، بعد فشل خفض سن الإقتراع بسبب خوف البطرك من الطائفة الشيعية الفتية، وذلك لأن المجلس إنقسم طائفياً بين مسلم ومسيحي بعد أن طارت كل التحالفات واختلطت الألوان! والمعيب في الموضوع أن متزعم الحملة العنصرية ضد الفلسطينيين هو “الشيخ” النعّوم سامي الجميل المؤتمن على “تراث” حزب عائلة الجميل، الذي تسبب بالحرب الأهلية. بالمناسبة، ما هذا البلد الذي يحفظ للبعض لقباً لمجلس سياسي (مجلس السناتور في عهد الإنتداب) لم يبصر النور فيورثه للأحفاد، ثم من أين جاءت ترجمة “سناتور” لتصبح “شيخاً”؟ على كل، كانت هذه “المشيخة” من صالح بيار الجميل في أوائل الحرب الأهلية في السبعينيات حيث رفض أمراء وملوك الخليج آنذاك، على ما أذكر، إدانة جرائم “الكتائب” لأن زعيمها كان “شيخاً”. المهم أن سامي الدلوع حاول تبرير موقفه في مؤتمرصحافي سرد فيه بعض الأرقام، ذراً للرماد في العيون، وإدعاء للموضوعية مع أنه كان ينقط عنصرية. فـ”مدرسة” الكتائب التي تخرج منها بطل مجازر “السبت الأسود” والقتل على الهوية ومن بعده وعلى شرفه مجازر “صبرا وشاتيلا”، لا تعترف بالشيعة كمواطنين أصلاً (كما أصبح البطرك يلمح بكل جرأة من دون أن يرد عليه أحد من المقامات الدينية الأخرى)، فما بالك بالشعب الفلسطيني الضيف الذي اعتبرته “غرباء” وارتكبت ضده المحرمات؟! طبعاً عمو سامي يخاف من توطين الفلسطينيين لكن ليس كلهم، فالفلسطينيون المسيحيون والأرمن لا خوف منهم كبعض الاكراد وعرب وادي خالد! كلام الإبن أكمله الأب الذي دعا إلى “حياد لبنان” وكأن هناك حياداً بين الحق والباطل وكل حياد أمام إسرائيل يعني شيئاً واحداً هو “الإستسلام” على طريقة إتفاق “١٧ ايار” المشؤوم الذي كان الجميل عرابه! وحين يتحدث أمين الجميل عن الحياد عليه الا ينسى أن أصله ليس من سويسرا بل من المنصورة في مصر، وبالتالي عليه وعلى حزبه أن يستحي من الحديث عن الحياد والغرباء!!
ومادمنا نتحدث عن عنصرية “شبه الوطن” فلابأس من ذكر “الهجمة” الشرسة من قبل قوات الأمن ضد مواطنين سودانيين شرعيين كانوا يحيون حفلاً خيرياً وإستمرار منع حق الجنسية “اللبنانية” لأبناء لبنانيات متزوجات من أجانب، بينما يحق للبناني أن يحصل أولاده على الجنسية وهذه مفارقة لا تحدث إلا في بلد عجيب ومن لف لفيفه في المنطقة!
“هيدا بلد؟ لأ مش بلد، هيدا قرطة عالم مقسومين”.
Leave a Reply