نتعاطف بحقٍ وحقيق مع سعدالحريري الذي ثكل بأبيه الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهو في أول العمر ولأن، كما يقول المثل العامي، “الأب في البيت رحمة ولو كان فحمة”، فكيف إذا كان الأب تحفة؟ ولاشك أن سعد حاول ملء فراغ والده الذي فجع به كل البلد اثر اغتياله في١٤ شباط ٢٠٠٥ وما زالت تداعياته الكارثية تتفاعل إلى اليوم، فنجح في بعض الأمور وفشل في أكثرها.
“الزعيم” الشاب نزل على هذا الموقع بالبراشوت من دون تحضير ومن دون مقدمات فكان عليه أن يتحمل مسؤولية كبيرة على عجل. لكن المشكلة أنه لم يكن يملك الخبرة والمعرفة بتضاريس السياسة اللبنانية، حتى الجغرافية منها، فاستند إلى مجموعة من المستشارين المتعددي الأهواء و”الأجندات الخاصة”. ولأنه عرف حده في البداية، وقف عند رئاسة الحكومة التي عقد لواؤها له بعدأن جرفه التعاطف الشعبي إلى بحر الأكثرية، لكنه أحجم عنها وإستعصم ومررها للسنيورة كبدلٍ عن ضائع. كانت هذه الغلطة الكبرى الأولى.
ثم كرت سبحة الأخطاء منذ بداية التحقيق في جريمة الإغتيال حيث ترك حبل المستشارين على غارب الإتهام السياسي لسوريا وما يسمى “النظام الأمني اللبناني السوري المشترك” فكان هذا الإتهام، المبني على حقد، جاهزاً إلى أن تتوفر الأدلة الجنائية وإستبعد الظن، مجرد الظن، بإسرائيل. وحين لم يتم العثور على الأدلة والبراهين ضد سوريا، اخترعوا شهود الزور وفبركوا شهادإتهم ومولوهم ثم اعتقلوا الضباط الأربعة مستندين إلى شهاداتهم المفترية ووضعوهم في السجن بمساعدة القاضي الألماني الفاسد المرتشي “النمس” ميليس الذي أمضى أجمل أيام حياته في بيروت. وحين انكشفت ورقة توت الكذب والخداع، هرب فؤاد السنيورة المحكمة الدولية إلى الامم المتحدة من دون موافقة مجلس النواب.
بعد إنكشاف زيف وعسس ميليس والشهود المحتالين، أطلق سراح الضباط الأربعة فتوقعنا أن يطلع علينا “ولي الدم” بموقف رجولي مشرف يعتذر فيه عن هذا الإجهاض في العدالة والظلم المادي والمعنوي الذي لحق بالضباط وعائلاتهم ويطلب إجراء تحقيق في قضية شهود الزور مما يساعد على كشف خيوط الجريمة عبر فضح مضللي التحقيق. لأن الرئيس الشهيد لن يرضى أن يتهم بريء ويبرأ المجرم لأسبابٍ سياسية. صمت سعد مثل “أبو الهول”، وترك تصاريح التشفي والشماتة من جوقة “الدنيا هيك” خصوصاً من قبل حليفه الذي لن يفرقه عنه إلا الموت، سمير جعجع، وكأن الضباط لم ينالوا ما يكفي من الإذلال والمهانة. لا يلام سعد في هذا لأنه كان فتياً غراً عندما ابتكرت ميليشيات بشير وسمير ذبح البيارتة وباقي المسلمين على الهوية ومجازر “السبت الأسود” المتعددة.
ثم جاءت زيارة أمير قطر الميمونة إلى قرى الجنوب فانضم سعد الحريري إلى الوفد الرسمي اللبناني وكان أهل الجنوب في عرس يريدون إستقبال وتكريم “إبن الشهيد”، لكنه بدا وكأنه غريباً وغير مرتاح بحيث أن سردينيا كانت أقرب إليه من بنت جبيل!
ثم جاء المؤتمر الصحافي المدوي للسيد حسن نصرالله الذي إضطر فيه للكشف عن أهم سرمن أسرار المقاومة في حربها السرية مع إسرائيل، التي دوخت الجيوش العربية، من أجل كشف الفرضية الإسرائيلية في جريمة الإغتيال، فإلتزم سعد نفس الصمت المطبق لكن صقور “الدنيا هيك” من فتفت إلى علوش إلى كبّارة لم يخرس لسانهم عن “اللقلقة” وازاحة الكأس المرة عن شفاه إسرائيل. كم توخينا صدور موقفٍ وجداني وضميري للحريري يقول فيه “إسرائيل قد تكون قتلت أبي لأنه كان المقاوم السياسي الأول ضدها وإذا كانت المحكمة ستصدر قراراً ظنياً فتنوياً فنحن ضده”. ولكنه لم يفعل، وكانت هذه الغلطة الكبرى الرابعة!
إلى أن حلت “حادثة” برج ابي حيدر المؤسفة التي صب عليها صغار ما تبقى من فلول “١٤ آذار” زيت التحريض العنصري على النار المذهبية، على أساس أنها جاءتهم من السما.. الزرقاء، وكانت رمية من غير رام. لقد تصرف سعد بعقلية “زعيم الدائرة الإنتخابية الثالثة في بيروت” فجال على المناطق التي تضررت والتي ضخمها المحرضون على أنها كمعركة “العلمين” في أهوالها أو “ستالينغراد” (وقد اثبتت لجنة مسح الاضرار أن الخسائر المادية طفيفة رغم أن الخسائر المعنوية باهظة). المهم، فشلت بروفة القرار الظني ضد سلاح المقاومة والفتنة المذهبية، حتماً ليس بفضل رئيس الحكومة الذي لم يكلف نفسه عناء تفقد قرية “العديسة” بعد أن كادت تقع الحرب مع إسرائيل، ولم يقطع رحلة استجمامه. ثم ترك جوقة الصقور نفسها، وعلى رأسها “الخط الأحمر” فؤادو، تتحدث عن “بيروت منزوعة السلاح” وهو شعار مطاطي فارغ ينم عن الحقد والتشفي ضد سلاح المقاومة بمقارنته مع سلاح الزواريب. إذ كيف يمكن تطبيق هذا الشعار؟ ربما نفرد فارس سعيد ونديم الجميل وعلوش وننصب لهم حواجز مثل “حاجز الكحالة” على بوابات بيروت من أجل التفتيش ونزع سلاح الركاب! عجيب أمر “١٤ آذار”، فحتى الجيش اللبناني لم يسلم من انتقادهم، فهم يحللون ويحرمون متى يشاؤون. أتذكرون “تقريع” علوش للرئيس سليمان عندما كان قائداً للجيش لأنه نسق مع سوريا آنذاك، قبل أسبوع من ترشيح عمار حوري له لرئاسة الجمهورية؟!
أخطاء سعد كنا نتمنى أن يتنبه لها وأن يأخذ زمام المبادرة من يد فارس خشان وجوني عبدو وباسم السبع وهاني حمود.. وبالأخص فؤاد السنيورة، وأن يكف يدهم عن تعطيل سير المحكمة العادلة ونسف علاقته الجديدة مع سوريا ويعترف بالخطأ لأنه فضيلة، وذلك قبل أن يهدم هؤلاء الهيكل على رؤوس أصحابه.
Leave a Reply