فـي البحرين مع أقدم رئيس وزراء فـي العالم اليوم
منذ أن شب عن الطوق، أختير ليكون رئيساً للوزراء وليساعد والده الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، في تصريف أمور الناس وحلّ العديد من مشاكلهم. وقد استمر في منصبه هذا، في وقت مرّت فيه المشيخة في مراحل متعددة. متحولة بالتدرج من مشيخة إلى إمارة، ومن الإمارة إلى الدولة، ومن ثم تحولت من دولة إلى مملكة، وكان هذا بالأمس القريب.
لقد مرّت البحرين بهذه المراحل التطويرية كلها والشيخ خليفة مستقراً في منصبه كرئيس للوزراء.
قابلته في قصر الرئاسة في البحرين، وأجريت معه يومئذ حديثا صحفياً، ووجهت إليه أسئلة وتلقيت منه أجوبة مضى عليها الزمن وباتت في ذمة التاريخ، ولم يعد لها أية علاقة بمجريات الأمور في يومنا هذا، لأن تلك الأسئلة كانت ترتبط بأوضاع الخليج وما كانت تعاني دول المنطقة من مشاكل سياسية أقلقت أهل الحكم والسياسة فيها قلقاً كبيراً.
لقد مضى حوالي نصف قرن من الزمان، على تسلمه رئاسة الوزارة في بلده. إذ تولى منصب الرئاسة أيام كان والده الشيخ سلمان بن حمد حاكما للبحرين. وانتقل الوالد المغفور له الحاكم إلى رحاب الله. وتولى الحكم من بعده نجله ولي العهد الشيخ عيسى بن سلمان شقيق الشيخ خليفة رئيس الوزراء، وظل الشيخ خليفة في منصبه. ثم انتقل الشيخ عيسى بن سلمان حاكم البحرين إلى رحاب الله، وتولى ولي عهد المشيخة الشيخ حمد بن عيسى بعد وفاة والده الحاكم رحمه الله، وظل الشيخ خليفة عمّ الحاكم الشيخ حمد رئيساً للوزراء.
ثم قام الشيخ حمد الحاكم الجديد بتحويل الإمارة إلى دولة ثم جعلها مملكة دستورية وتم تنصيبه ملكاً على البحرين، وقام الملك الجديد الشيخ حمد بإضفاء الصفة الملكية على دولة البحرين بعد أن أجري إستفتاء شعبياً بهذا الخصوص وبعد أن صيغ لها دستوراً ملكيا، تم تطبيق النظام الملكي على جميع مرافق البلاد، وسنّت بعض الصيغ القانونية وبعض القوانين وباتت البحرين مملكة لها شعاراتها الملكية ويحكمها الملك حمد الذي أحاط نفسه بالعديد من النصوص القانونية التي تنسجم كل الإنسجام مع النظام الملكي الجديد.
ومنذ تولى الشيخ حمد، الملك الشاب، الحكم كملك شرعي للبلاد وهو يسعى جاهداً من أجل تحقيق المشروعات التنموية والتطويرية ودفع البلاد أو المملكة البحرينية الجديدة نحو مراقي العزة والكمال.
وحتى اليوم، وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً لا يزال الشيخ خليفة رئيساً للوزراء، بالرغم من أنه يكاد يبلغ العقد الثامن من العمر إلا أنه يتمتع بحيوية الشباب وقدرته التامة على تسيير أمور البلاد ومعالجة شؤون العباد.
.. ولقاء مع الدبلوماسي اليمني عبد الله الأشطل
كان سفيرا للجنوب اليمني قبل قيام الوحدة بين الشمال والجنوب أي يوم كانت منطقة الجنوب تسمى بدولة الجنوب اليمني الديمقراطي الإشتراكي.
وإثر قيام الوحدة بين اليمنين، بعد حرب طاحنة أصبح سفيرا لليمن بشقيها الجنوب والشمال، بعد أن كان لسنوات مضت سفيرا لدولة الجنوب اليمني فقط، كما بات مع الوحدة قلباً وقالباً، وعند تثبيت الوحدة، كانت الحرب بين الحزب الإشتراكي من جهة وبين الشرعية من ناحية ثانية، قد وضعت أوزارها. فتم إختياره رئيساً لمجلس الأمن في نيويورك.
كان ذلك عام 1994، وكنت حينها في نيويورك مقيماً فيها بشكل دائم، وأزاول عملي الصحافي في دوائر الأمم المتحدة، وفي مبناها بالذات.
مقابلة رئيس مجلس الأمن فـي نيويورك
قابلته بعد ثلاثة أيام من إنتخابه رئيساً لمجلس الأمن وذلك في مبنى الأمم المتحدة الذي ترتفع أعلام جميع الدول التي تنتسب إلى عضوية الأمم المتحدة، وفي مكتبه الفاخر الذي كان قد احتله قبله العشرات من الشخصيات السياسية التي تم إختيارها لتجلس في مقعد رئاسة مجلس الأمن لفترة زمنية، وليخلفه فيما بعد رئيساً جديداً آخراً.
في هذه المقابلة سألته عن الوضع بشكل عام في اليمن سيما وقد قامت بين اليمنيين حرباً طاحناً أسفرت نتائجها عن إكتساح الجيش اليمني الشمالي وبإشراف الرئيس علي عبد الله صالح شخصياً، طبعاً مع أركان حربه ووزرائه وكل قياداته العسكرية.
فقال: إن أكثر ما تحتاج إليه أمتنا هي الوحدة التامة، وحدة تقوم على أسس متينة أقلّها الرضى والقبول، والإيمان بجدواها وبما ستحققه من خطوات إيجابية تزيد من منعتها وديمومتها وتساعدها على مواصلة السير بخطى ثابتة نحو تحقيق الكمال الذي تنشده وترضاه.
وأضاف: ففي الوحدة قوة، وعبرها يمكن لهذه الوحدة أثر قيامها أن تحفظ للدولة حقوقها وتعزز من قدراتها وتبعث في أوصالها الدفء والثقة ويمكن لها أيضا أن تفرض أي تبدل في موازين القوى في المنطقة وعلى الصعيد الدولي العام. ويمكن لهذه الوحدة أن توفر الحماية للإنجازات القومية والوطنية والعزة والإستقلال.
أما الوحدة – أية وحدة – تقوم على أسس غير مدروسة ونتيجة هبة عواطف ملتهبة لا يمكن أن تدوم طويلا، لأن قيامها وتحقيقها ما كان إلا نتيجة لفورة من المشاعر والعواطف التي لا شك في تلاشيها ضمن زمن محدد مهما قدم لها من الأمصال المقوية التي لا يمكن لها أن تطيل في عمرها إلا لوقت قصير، وقصير جدا.
وليس أدلّ على ما نقوله، تأكيداً لما قاله الدبلوماسي اليمني، سوى أن نلقي بنظرة سريعة على تفاصيل قيام وتلاشي عدة وحدات قامت بسرعة ثم هُزلت وتلاشت سراعاً.
ويمكن لنا أن نستدل على هشاشة ما شهدناه من وحدات قامت بين دولتين، تلك الوحدة التي قامت بين السنغال وغامبيا، في الغرب الأفريقي، المتجاورتين المختلفتين مساحة جغرافية، والمختلفتان بالنسبة للحجم السكاني في كل منهما، دولتان إتحدتا وحملت إسماً جديدا هو (سنغامبيا).
كان هذا هو اسم الدولة الجديدة إثر قيام الوحدة بين كل من السنغال وغامبيا، وظلت صامدة حتى دب الخلاف وكان خلافاً كبيراً، ولقد كان من أهم أسباب الخلافات بين هاتين الدولتين، هي عدم التكافؤ في الحجم والمساحة وعدد السكان، واختلاف واضح في المداخيل العامة، وكيف توزع تلك المداخيل، وكم يكون نصيب كل دولة من الدولتين، وكم تكون نسبة مشاركة كل دولة في تحمل المصاريف والمدفوعات، ولمن تكون الرئاسة ومدتها.
وهنالك الأمور العديدة التي كانت بالفعل كقنابل موقوتة سرعان ما انفجرت، وسببت تمزقاً للوحدة التي لم تدم طويلا وراحت كل دولة من الدولتين تلملم أطرافها لتنطلق من جديد.
كيف خاض الدبلوماسي اليمني
معركة ترشيحه رئيساً لمجلس الأمن
قبل أن يتم إختيار الدبلوماسي اليمني عبد الله الأشطل رئيساً لمجلس الأمن، عام 4991، توقع الكثير ألا يتم إختياره لهذا المنصب الرفيع، وذلك لأسباب لا مجال لذكرها الآن.
غير أنه فاز بالمنصب بعد أن تضافرت قوى دولية وعربية وأصرّت على أن يكون الدبلوماسي اليمني هو الرئيس العتيد لمجلس الأمن في تلك الدورة، وهو الآتي من رحم الدبلوماسية العربية بمجملها.
ومن المعلوم أن لكل دولة تنتسب إلى المنتدى الأممي الحق الكامل في أن يكون لها أكثر من سفير في أميركا. الأول – يكون مقره في واشنطن، وهو يقوم بدور الممثل الخاص لدولته، في الولايات المتحدة الأميركية، وأن يقوم بمهمات الدبلوماسي الذي ينوب عن دولته في أمور كثيرة.
والثاني – يقوم بدور الممثل لدولته في مبنى الأمم المتحدة، ويحضر جميع جلسات الجمعية العامة، وكذلك جلسات مجلس الأمن لمتابعة أية تطورات أية قضية من القضايا التي ترتبط بشعب الدولة التي يمثلها، أو بشعوب غيره من دول العالم كله.
كنت في العاصمة واشنطن ذات يوم، في زيارة للمباني الثلاث المشهورة التي حملت إسم فضيحة «ووتر غيت» وهي تضم معظم السفارات العربية، ومنها السفارة اليمنية، وكان السفير يومئذ محسن العيني الذي شغل منصب رئيس الوزراء في اليمن وقد أجريت معه يومئذ حديثا نُشر في حينه في صحيفة «الأنوار» اللبنانية.
أما سبب زيارتي للمباني الثلاث، كانت فقط من أجل مشاهدة مبنى الووتر غيت التي تم تركيب أجهزة التنصت على كلام الرئيس الأميركي نيكسون، والتي كلفته أو أدت إلى إقالته وإستقالته من منصب الرئاسة. وذلك قبل أن تنتهي مدة ولايته، ليأتي من بعده رئيساً آخراً.
ومن أسباب زيارتي أيضا لواشنطن الإلتقاء بعدد من السفراء العرب الذين يتواجدون في سفاراتهم في مباني ثلاث تحمل إسم «ووتر غيت» وأنا أسميتها «بيت الفضائح»، غير أن الأمر الذي لفت نظري هو السفارة السعودية ومبناها الفخم الذي يذكرك بقصور الملوك والأمراء، أما بقية السفارات العربية فكانت محشورة، وكل سفارة بشقة، في المباني الثلاث المسماة بـ«ووتر غيت بيلدنغ» على قد الحال، وتشبه إلى حد بعيد الشقق المفروشة في شارع الحمراء ببيروت.
المهم، لقد تأكد لي أن الكذب في هذه الدنيا ليس حكرا على المساكين والبسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، وإنما هو لسان حال معظم سفرائنا العرب في كل زمان ومكان.
«من جعبة الذكريات»
حلقات أسبوعية
بقلم الصحافي الحاج علي عبود
Leave a Reply