بقلم: عباس الحاج أحمد
جلس الأديب الفرنسي جول فيرن منذ أكثر من 150 عاماً على شاطىء البحر قائلاً: «أي شيء يتخيله إنسان، فإن له رجالاً يجعلونه واقعاً!». جُملته التي جسدت ابتكاره الجديد في عالم الخيال العلمي، ليكتب عن الآلات الضخمة، الصواريخ، الجاذبية والكثير من الإبداعات التي ألهمت مُخترعي الآلات ومُهندسي التكنولوجيا وفلاسفة العلم ومستكشفي الأراضي الجديدة. فرد الأدميرال بيرد على إلهامات فيرن قائلاً: «فوق القطب الجنوبي لقد كانت مؤلفات فيرن ترشدني أثناء رحلتي».
خيال جول فيرن الجامح عبر أدبه، أثبت أن الواقع بحد ذاته، صورة ذهنية يصعب تصور أسرارها. فمع ثورة العلم في بداية القرن العشرين ومن ثم دخول عصر النانو والكوانتوم، أصبحت المختبرات العلمية أشبه بلوحات سوريالية لم يقوَ على تخيُلها أي فنان! وها نحن الآن نفتتح عصر الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة مع رؤية واقعية لعالم لا موت فيه، لا ضرورة للكلام بين بشره، عالم نتميز فيه بذكاء جديد اسمه «ذكاء السرب». كل تلك الأفكار وغيرها، يزداد البحث فيها في كواليس الشركات الكبرى، كتب عنها رواد الخيال العلمي وتُستعرض رؤيتها بأفلام وثائقية كـ«ناشيونال جيوغرافيك» التي أنتجت عملاً تنبؤياً هاماً بعنوان «العام مليون».
الوعي الاصطناعي
اليوم، الجميع لديه هاتف خلوي، ذكاء اصطناعي بحجم الجيب يتطور بسرعة مذهلة، لكنه لم يصل بعد إلى درجة الوعي أو إدراك الذات على طريقة الخلايا الدماغية البشرية. لكن مهلاً.. ثمة بداية لهذا الإدراك في جسم الآلة. «إيريكا» أنثى آلية يابانية بتقنية معقدة، لديها خصائص تعلم ذاتي رهيب ببرمجة نفسها بنفسها وذلك باستخدام شبكات عصبية اصطناعية. ولن تبتعد الآلة عن الإنتاج الفني بإحساسها المرهف، فإذا حرككم الشغف الفني العلمي، عليكم رؤية لوحات رسمها روبوت «جامعة كولومبيا»!
الإنتاج الضخم بلا ذرة عرق
أتذكرون الصراعات التاريخية في السهول والوديان والأنهار والبحار؟ تذكروا الآن، رجال القبائل الباحثين بالسهم الخشبي عن طريدة حيوانية. تذكروا، النيران الأولى التي أنتجها احتكاك حجرين بين يدي الرجل القديم. احملوا كل تلك الذكريات، وأفرغوها في دماغ بشري يُراقب عن بُعد، عملية إنتاج زراعي ضخم تديره آلات بلا ذرف ذرة عرق واحدة!
احتاجت الزراعات الضخمة عبر التاريخ لآلاف المُزارعين. أما اليوم، فيمكن لمزارع واحد أن يُدير آلاف الهكتارات المزروعة بمساعدة الجرارات الآلية وتقنيات الري الحديثة. حتى هذا المزارع نفسه سيختفي في المستقبل، حين تتفرد الآلة بإدارة العملية برمتها.
ذكاء السرب
إن دراسة العمل الجماعي لخلايا النحل يذهل العقل. فالإنتاج المتناسق والتواصل السريع يُهندس العسل بذكاء السرب، الذي تتميز به أيضاً الطيور والعديد من الحيوانات المائية. إلا أن هذا الذكاء ما زال بعيداً عن الإنتاج البشري، ربما السبب الرئيسي هو بطء التواصل عبر الكلام واللغة مقارنة بتواصل الحيوانات. لكن، ماذا لو ابتكرنا أجهزة نانوية صغيرة نضعها بأدمغتنا لنتواصل فيما بيننا عبر شبكات كشبكة الإنترنت. لا شك عندها في أن ذكاء السرب البشري سيحل الكثير من المعضلات الضخمة.
نهاية الخصوصية وحرية الاختيار
لسنا بعيدين أبداً عن عصر نهاية الخصوصية. فدخول الإنترنت لكل منزل، اشتراك الجميع بخدمات الأجهزة الذكية واستعراض الحياة اليومية عبر وسائل التواصل الإلكتروني.. كل ذلك يفتح أبواب منازلنا أمام قراصنة السيبرانية ليتجولوا في أسرارنا كما يحلو لهم. كما أن ذلك، يسمح لشركات التسويق والإعلان ببرمجة خياراتنا دون أن ندري! فكيف سيكون الحال إن تم وصل الإنترنت مباشرة بخلايا أدمغتنا؟ عندها إذ سيقف سارتر على قبر فلسفته ناعياً إرادته الحرة وشاتماً عصر سيطرة الآلة.
وداعاً للموت والشيخوخة
تخيلو العصر الذي لن نحتاج فيه إلى أطباء. فالرجال الآليون النانويون (بحجم النانو) سيمدوننا بإكسير الحياة. نعم، إنها مسألة وقت. وهي حتمية. سنعيش 300 أو 400 عام أو أكثر يقول العلماء. الروبوت الطبيب، سيسيل مع كريات الدم ليجدد الخلايا ويقاوم الأمراض فسيتقبل المرض ويودعه قبل أن تشعر به! وقد تهدي زوجتك في العيد روبوتاً نانوياً يمدها بالصحة وبمزيد من الوقت للاستمتاع معاً بحياة أطول عمراً.
Leave a Reply