على مدى الأيام الماضية، وعلى هامش عملية تعيين عضو جديد في مجلس ديربورن التربوي خلفاً للقاضية مريم بزي، قيل ونشر الكثير من الاتهامات والتخرصات على مواقع التواصل الاجتماعي، تركزت في معظمها حول موضوعين اثنين: الأول، حول دور «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) في إيصال المرشحة سيليا ناصر إلى المجلس. والثاني، حول أحقية تعيين المرشح اليمني الأميركي عادل معزب، لاسيما وأنه كان أفضل الخاسرين في انتخابات مجلس ديربورن التربوي الأخيرة، التي حصل فيها على 11 ألف صوت.
وقبل الرد على الحملة التي تطاولت على «أيباك» من دون مبرر سوى الانحياز لمرشح لم يلق دعمها، علينا –وقبل كل شيء– أن ندرك أن عملية تعيين عضو لملء مقعد شاغر منصوص عليها بوضوح في قانون ميشيغن، وفي النظام الداخلي لمجلس ديربورن التربوي، اللذين تم الاستناد إليهما لحسم تعيين سيليا ناصر باعتبار امتناع العضو حسين بري عن المشاركة في الاقتراع صوتاً يضاف إلى الأغلبية، بحسب الفقرة الأولى من المادة 0167 من قانون ميشيغن الخاص بالمجالس التربوية المحلية.
ورغم أن نص القانون الواضح سقط على الرؤوس الحامية كدلو ثلج بارد، إلا أن ذلك لم يمنع بري وآخرين من مواصلة معارضتهم الخاوية، بالصياح وكيل التهم في كل الاتجاهات، حتى أنه كاد أن يتمنى أن تكون لدية آلة الزمن حتى يغير موقفه في جلسة ١٢ حزيران (يونيو)، لأنه «لم يكن يعرف». ولكن الجهل بالقوانين ليس عذراً، فالقانون بحسب المقولة العربية لا يحمي المغفلين!
امتناع بري عن التصويت موثّقٌ وواضح لا لبس فيه، وزعمه لاحقاً بأنه لم يُدعَ للمشاركة في عملية الاقتراع ليس صحيحاً، كما يظهر في شريط فيديو جلسة 12 حزيران (يونيو) الماضي التي انتهت بحصول سيليا ناصر على ثلاثة أصوات مقابل صوتين لروكسان ماكدونالد، فيما لم يحصل المرشحون الآخرون على أي صوت بمن فيهم المعزب.
أما الإجابة على السؤال التالي: لماذا لم يتم تعيين المعزب عضواً بديلاً عن القاضية مريم بزي، لكونه الخاسر الأول في الانتخابات الأخيرة للمجلس؟ فهذا لا تقره قوانين الولاية ولا لوائح النظام الداخلي لمجلس ديربورن التربوي، وذلك لأن أعضاء المجلس التربوي في ديربورن يتم انتخابهم في سنوات مختلفة، على عكس المجلس البلدي الذي ينتخب أعضاؤه السبعة دفعةً واحدة، مما يسمح بتعيين أفضل الخاسرين في حال شغور أحد المقاعد.
التفسير الوحيد لموقف بري الغامض أنه أراد لصديقته المقربة روكسان ماكدونالد العودة إلى مجلس ديربورن التربوي الذي تناط به خلال الشهور الـ١٨ القادمة استحقاقات هامة في مقدمتها تعيين رئيس جديد لـ«كلية هنري فورد» ومعالجة أزمة ازدحام الثانويات.
فمن الواضح أن العضو العربي كان متحمساً لدعم ماكدونالد، لأنه مدين لها، فهي لم تترشح للاحتفاظ بمقعدها في المجلس العام الماضي، مما مهد له طريق العودة إلى المجلس، كما أنه نفسه نصحها بالترشح لانتخابات مجلس نواب ميشيغن في مواجهة العربي الأميركي عبدالله حمود الصيف الماضي ولكن لم يحالفها الحظ.
والحقيقة أن بري لم يجرؤ على التصويت لماكدونالد، لسببين: الأول، لأنها صوّتت ضد تمكين المربي الراحل عماد فضل الله من إجراء مقابلة مع المجلس التربوي وحرمانه بالتالي من فرصة تعيينه كمشرف عام على «منطقة ديربورن التعليمية»، خاصة وأن بري يقول إن فضل الله كان صديقاً مقرباً وبمثابة الأخ له. أما السبب الثاني، فهو إيهام المجتمع اليمني بأنه يدعم ابن جاليتهم عادل معزب.. وقد اتضح أن ذلك ليس صحيحاً.
لقد تلاعب بري وحلقته الضيقة بمعزب ومؤيديه منذ البداية، وقد أُبلغ الأخير أن «أيباك» فبركت عملية تعيين العضو الجديد وقامت بضمان 4 أصوات له قبل بدء عملية التعيين. وقد حاول بري إشاعة هذا الزعم خلال مناقشاته مع العديد من الفعاليات المجتمعية، وليس من المستبعد أنه هو نفسه قد قام بإطلاق تلك الشائعة، ولذلك فقد دخل المعزب عملية تعيين عضو لملء المقعد الشاغر في المجلس بعقلية المحارب الذي يطلق النار على الجميع، وفي كل الاتجاهات، بدلاً من التركيز على تعزيز ترشيحه وإقناع أعضاء المجلس بالتصويت لصالحه.
بري وحلقته الضيقة متهمة بنصب فخ، لكي يظهر المرشحان العربيان عادل معزب وسيليا ناصر ضد بعضهما البعض، في محاولة مفضوحة لجعل ماكدونالد وكأنها المرشح غير المثير للجدل، ولكن كما يقول المثل: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها!
منذ البداية، أعرب بري عن قبوله لفكرة نقل مهمة تعيين العضو الجديد إلى «المجلس التربوي الإقليمي في وين» (ريسا)، وأظهر بالتالي استعداده للتخلي عن مسؤولياته لآخرين باتخاذ القرار نيابة عنه، ولعله اعتقد أن «ريسا» لن يتردد في اختيار ماكدونالد لكونها عضو سابقة في المجلس، ولأن لديها أصدقاء في «ريسا».
وعندما لم يلق اقتراحه ترحيباً من أحد، قرر الامتناع عن التصويت دون إبداء أي مبرر قانوني، غير قوله أن قراره كان مبنياً على «نصيحة استشارية»، وللمرء أن يتساءل من هو المحامي الذي قدم له تلك النصيحة بدون أن يطلعه على عواقب امتناعه عن التصويت، وما معنى ذلك وفقاً لنظام مجلس ديربورن التربوي؟
وللمفارقة، جاء امتناع بري عن التصويت لصالح المرشحة سيليا ناصر، فتم احتساب «امتناعه» تصويتاً ضُم إلى صوتي العضوين فدوى حمود ومايكل ميد، إضافة إلى صوت رئيس المجلس ماري لاين، وبذلك تكون ناصر قد حصلت على النصاب المطلوب وهو 4 أصوات.
وهكذا تكون محاولة بري بإيصال ماكدونالد إلى المجلس قد آلت إلى الفشل، سواء من خلال التصويت لها من قبل الأعضاء، أو من خلال نقل مهمة التعيين إلى «ريسا»، لكنها –للأسف– نجحت في تعميق الانقسامات في المجتمع العربي في المدينة.
أما «أيباك» التي تمكنت على مدى العقدين الماضيين من بلورة وتعزيز الحضور السياسي للجالية العربية في منطقة ديترويت، كما نجحت في إحداث نقلة نوعية في مدارس ديربورن العامة التي أصبحت اليوم واحدة من أكبر المناطق التعليمية في ولاية ميشيغن وأكثرها تميزاً وتفوقاً، فقد وجدت نفسها مرة أخرى في مرمى الغوغائيين الذين تتحكم بهم وتقودهم الأحقاد والضغائن وعقلية تصفية الحسابات الشخصية عوضاً عن النظر إلى الصورة الأكبر ومستقبل العرب الأميركيين بمختلف شرائحهم، وتشكيل معارضة تقوم على أهداف وبرامج واضحة لا على بثّ الإشاعات والتحريض وحفلات الشتائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
Leave a Reply