مريم شهاب
لا شك أن درجات الحرارة المرتفعة، والرطوبة حتى الدبق، تجعل الإنسان يتحسّر على أيام البرد حتى ولو كان برد ميشيغن القارس. فالناس حولنا وربما في أي مكان آخر، يتأففون دائماً من أحوال الطقس ولا تسمع منهم إلّا النق والشكوى سواء من الحر أو البرد، رغم أن ذلك لن يعدل مزاج الطقس ليصبح على هوى البشر، بل وجد الباحثون أن المناخ له تأثير كبير على أمزجة الناس، فهناك من يعاني من الاكتئاب في أيام الشتاء الغائمة، وآخر يرهقه الملل في أيام الحر، وأخرى تعشق رومانسية الأمطار حتى في عز الصيف.
شخصياً لا أصدق هذه الدراسة، ففي وطن النجوم لبنان مثلاً، أجمل طقس معتدل صيفاً وشتاءً ولو أن المناخ يؤثر على الناس، كان يجب أن يكون اللبنانيون في أحسن مزاج، لا تستفزهم الشعارات الطائفيّة ولا يذلهم زعماء الطوائف الفاسدون.
قديماً وعلى أيام أجدادنا، قبل الكهرباء والصنبور والغاز، كان الناس لديهم القدرة على التأقلم مع الظروف المحيطة بهم مهما كانت قاسية، فكانوا يبتكرون طرقاً متنوعة لحفظ الطعام من الفساد والتعفّن. ولعل أبسط تلك الطرق حرص ربات البيوت على إعداد وجبات طعام تكفي ليوم واحد فقط، لعدم توفر وسائل لحفظها مثل البرادات والثلاجات كما اليوم. إلّا أنه وفي أغلب الأحيان، كانت البركة تفيض، كما كانت الجدّات تعتقد، ويبقى جزء من وجبة الغداء الأساسيّة، فما كان مصير بقايا الطعام في ذلك الزمن الغابر؟
في البداية كانت «الكبكة»، وهي عبارة عن قطعة خشبية تعلق بالسقف من أطرافها الأربعة ويوضع عليها الطعام بعيداً عن الأرض والحشرات الزاحفة وعبث الأطفال، ثم كان استعمال السلال أكثر شيوعاً بسبب سهولة حفظ بقايا الطعام وغيرها من المأكولات عبر تغطية السلة بقطعة من القماش النظيف الخفيف، ثم تعليقها بالسقف بواسطة «المرسة»، لكي لا تصلها الحشرات والقوارض. وكانت السلال تصنع من القصب المبلل بالماء والمشبك بحرفية خاصة للسماح بدخول الهواء إلى الطعام. ولم يكن مستغرباً أن تجد في البيت الواحد، العديد من السلال: واحدة لحفظ بقايا الطعام، وأخرى للفواكه أو الخضار، وأخرى للبيض.. ألخ.
لأبناء جيلي، حين تذكر السلّة تعود صور وذكريات الكروم لتنعش ماضياً يبدو بعيداً جداً، حين كانت الصبايا تتمايل بسلالها صباحاً بعد أن ملأنها تيناً وعنباً.
كان زمناً جميلاً وبريئاً وبسيطاً. انقضى ولن يعود. لم تعد هناك قرى أصلاً، ولا فلاحون ولا كروم عنب ولا تين ولا حتى سلال.
Leave a Reply