لازالت أصداء تصريحات القيادي في حركة “فتح” فاروق القدومي، بشأن اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، تتصدر مواقع مهمة في وسائل الإعلام العربية والعالمية، كون الضحية يمثل رمزاً للشعب الفلسطيني، لا يمكن للذاكرة أن تغفله في شهور أو سنين. وكون المتهم بالجريمة رجل في منزلة محمود عباس، يحتل مواقع هامة في هرم السلطة الفلسطينية وقيادة “فتح” وكان مقرباً جداً من عرفات، وهو مهندس اتفاقات أوسلو سيئة الصيت.
ولعل هذه الصفة الأخيرة هي ما دعت القدومي إلى كشف الغطاء عن أدلة تدين عباس بالتورط مع إرئيل شارون ومسؤولين أميركيين، في جريمة اغتيال مفترضة، تم فيها تسميم عرفات وقتله.
ما يعزز نظرية المؤامرة في هكذا جريمة اغتيال سياسية، هو رفض عرفات التوقيع على اتفاق سلام مع الإسرائيليين وحينها هددت وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت الزعيم الفلسطيني بالقول “أتعلم ما هي نتيجة أن يقول أحد (لا) للرئيس الأميركي؟” مضيفة أن بلادها بوسعها أن تزيل دولا وتسقط أنظمة بجرة قلم.
ثم إن محمود عباس عيّن في السنوات الأخيرة قبيل رحيل عرفات، عنوة في منصب رئيس الوزراء، وهو منصب استحدثه الأميركيون والإسرائيليون، للالتفاف على هيمنة الرئيس الفلسطيني وتفرده بالقرارات الحاسمة، أضف إلى ذلك اقتران اسم عباس في هذه الجريمة المفترضة مع اسم محمد دحلان، الذي نهب 50 مليون دولار من أموال الفلسطينيين، وكاد أن ينشئ جيشاً يحارب به عرفات، بدعم إسرائيلي وأميركي.
وما يزيد الطين بلة أن السلطة الفلسطينية ومنذ رحيل أبو عمار لم تقدم للشعب الفلسطيني تقريراً عن سبب وفاة الرجل، وأبقت أمر موته طي الكتمان، ما أثار شكوكاً حول سلوكها في قضية تهم عشرة ملايين فلسطيني في الأراضي المحتلة والشتات.
لكن الملفت للنظر هو سكوت القدومي على هكذا اتهامات سنوات عدة، وكان الأجدى به أن يعلنها بعد دفن عرفات بأيام أو أسابيع أو شهور، ما يثير الريبة في أدلة يقول عنها القدومي أنها دامغة، وذلك من شأنه التقليل من أهمية ادعاءاته وبأن المبرر وراء إطلاقها في هذا الوقت هو مصالح شخصية.
كما أن توقيتها جاء في غير صالح الشعب الفلسطيني، في وقت يمر فيه بحصار على غزة، وخروج من حرب طاحنة على القطاع، وشروخ في الجسد الفلسطيني متمثلة في الانشقاق بين حركتي “فتح” و”حماس”، تصريحات قدومي لو أخذها الفلسطينيون على مجمل الجد لأفضت إلى مزيد من الانقسام والتشتت وربما إلى حرب أهلية، والفلسطينيون في غنى عنها.
بقي القول إن جرائم الاغتيال السياسي تاريخيا لم يستطع أحد الكشف عن ملابساتها والجهات المنفذة لها والمستفيدة منها، ولا شك أن عرفات إن كان ذهب ضحية جريمة اغتيال، فلا يعول على كشفها، وتقديم المنفذين إلى العدالة، والسبب أن هكذا جرائم تخطط لها وترعاها دول وأنظمة وأجهزة أمنية، وهي مثل الإقدام عليها تخفي معالمها وتقطع خيوطها، يصبح البحث عن رأس خيط فيها، أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش.
إن كان أبو عمار قضى مسموما أو مريضا، لا يهم الطريقة التي مضى بها، فهو شهيد، وسيظل بطلا في نظر الشعب الفلسطيني ورمزا خالدا. طيب الله ثراه.
Leave a Reply