لم يخرج عن القمة السورية-السعودية أي جديد بها يتعلق بالوضع الحكومي المجمد سوى التطرق السطحي لمسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية من ضمن سقف مرتفع للزيارة حاولت القيادة السورية استغلاله لمصلحة نظرة عربية وإسلامية أشمل، وذلك من خلال الكلام الذي أدلت به المستشارة الإعلامية للرئيس الأسد بثينة شعبان، واعتبرت فيه أن سوريا تعمل على إرساء تفاهم عربي-إسلامي بالتعاون مع السعودية وتركيا وإيران، من أجل رفع كلمة العرب على المستوى الإقليمي. بالرغم من أن هاجس السعوديين هذه الأيام هو النفوذ الإيراني الآخذ بالتمدد في المنطقة على حساب مصالح العرب ليسد فراغا أحدثه العرب عندما انكفأوا عن قضاياهم ولزموا قصورهم يخوضون فيها حرب الأجنحة والأفخاذ دفاعا عن ديمومة حكمهم وتوريث الأبناء والأحفاد..
.. إلا أن كلام المستشارة الإعلامية شعبان يأتي بعكس الهدف الذي تعمل عليه السعودية منذ قمة الكويت الاقتصادية التصالحية، وهو العمل على استمالة سوريا ولو خطوة واحدة نحو ما يسمى محور الاعتدال العربي الذي تتزعمه السعودية لصد الخرق الإيراني للمنطقة، أو بالحد الأدنى التقليل من تأثيره. ويعزو أحد المطلعين على ملف العلاقات السورية-السعودية منذ قمة الكويت مسألة التأخير في تقدم العلاقة بين البلدين إلى صراع الأجنحة داخل العائلة الحاكمة في السعودية، والذي كان من نتيجته تنحية وزير الخارجية سعود الفيصل عن ملف العلاقات بين الدولتين، وكف يد كل من بندر بن سلطان وتركي بن عبدالعزيز ليمسك بالملف مقرن بن عبدالعزيز وعبدالعزيز ابن الملك عبدالله ومستشاره.
ويضيف المصدر بأن التغيير هذا وافق رغبة سوريا التي كانت تتأفف من حركة الوزير سعود الفيصل ولا تستحسن ما يقوم به من خطوات وخاصة تصريحاته التي كان يدلي بها من حين إلى آخر. فأتت الزيارة التي قام بها الرئيس الأسد إلى السعودية للمشاركة في إفتتاح جامعة “الملك عبدالله” في هذا السياق كرسالة حسن نية تعبر عن الرضى السوري لمبادرة التغيير من قبل الملك السعودي، ولفتح كوة كبيرة في العلاقات الموصدة للانطلاق نحو مرحلة جديدة تعتبر سوريا أن وقتها قد حان لممارسة دور سياسي على مستوى الإقليم يوائم بين تركيا وإيران من جهة، وبين ما يسمى عرب الاعتدال بقيادة السعودية من جهة أخرى، ويشير المصدر إلى أن الرئيس بشار الأسد قد استرسل بحديثه أمام ضيفه الملكي عن ضرورة عودة منعة العرب وعزتهم وعن ضرورة الاستفادة من القدرات الإيرانية وعدم جعلها فزاعة للعرب، واضعاً تحالفه مع إيران في هذا الإطار وعارضا في نفس الوقت استعداده للعب دور الوسيط لتنسيق الجهود وتشكيل جبهة عربية-إسلامية تقف بوجه المخطط الإسرائيلي الاستيطاني للسيطرة على المنطقة ولإجهاض عملية السلام وقلعها من جذورها، خاصة بأن الملك عبدالله كان قد “هدد” في قمة الكويت بسحب مبادرته للسلام التي أطلقها في قمة بيروت، فكانت إشارة الأسد أكثر منها تذكيرا بما قاله عبدالله في قمة الكويت.
وعليه فإن سوريا بعد الزيارة تبدو كمن بدأ بحصد ما زرعه في موسم سابق، حتى ولو لم تثمر الزيارة كالعادة عن خطوات عملية، لأن الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة والدول العربية على سوريا قد سقط ولم تعد تعيش القيادة السورية العزلة الإلزامية المفروضة عليها منذ 14 شباط 2005.
إلا أن الهم السوري الأول مازال المحكمة الدولية المسلطة فوق رأسها بهدف وحيد هو توجيه الاتهام للنظام السوري باغتيال الرئيس الحريري. وإذ تعلم سوريا بأن السعودية لا تملك حق التقرير في هذه المسألة فهي تبقي معظم أوراقها الرابحة بعيدا عن طاولة المفاوضات، تاركة إياها لمن يملك زمام الأمور من مجلس الأمن إلى لاهاي إلى العراق ولبنان وفلسطين. وجلّ ما يمكن إعطاؤه للملك السعودي هو حفاوة الاستقبال وخرق البروتوكول وكل ما هو شكلي لا يرقى إلى الجوهر والمضمون، لإن عادة المفاوض السوري أن لا يدفع إلا بعد الحصول على كل ما يريده.
بالمحصلة، فقد أسست زيارة الملك لمرحلة جديدة من العلاقات السورية-السعودية مع ما يضفيه ذلك من أجواء إيجابية على الساحة العربية ومنها الساحة اللبنانية المتعثرة على عتبة تأليف حكومتها التي تنتظر أن تأتيها صفارة الانطلاق من خارج ملعبها..
وإذا كانت سوريا قد حصلت على ضمانة الثلث المعطل (المقنّع) لحلفائها حتى أصبحت صيغة ١٥-١٠-٥ لازمة وطنية يرددها كل من المعارضة والموالاة، فما هو التنازل الذي يمكن أن تقدمه سوريا في لبنان حتى يتم تشكيل الحكومة بعد أن استطاعت فرض حلفائها كشركاء يملكون حق النقض في حكومة ربح انتخاباتها حلفاء السعودية؟
فمن يتنازل إذا، ويطلق أسر الحكومة؟
Leave a Reply