إن مفردة الاعلام كما هو معروف، تشتمل على الصحافة والراديو والتلفاز وكل وسيلة لنقل الأخبار المكتوبة والمسموعة والمرئية، على أن أخطر هذه الوسائل هو الشاشة، لسبب يتلخص بتوفرها في كل بيت معاصر حتى أصبحت جزءا من حياة الأسرة اليومية، ومن ثم لتغدو الوسيلة المؤثرة سلباً أو إيجاباً في نفوس المتابعين، فإذا نظرنا إلى الشاشة في إطار التسلية وتزجية الوقت ومتابعة ما يحصل من أحداث في العالم يوماً بيوم، فإن المسألة تمضي بمداها العادي، أما حين ننظر إلى تأثير الشاشات على السلوك والعلاقات الانسانية فإن المسألة هنا لا بد وأن تأخذ مجرى آخر.
وكمثال على ذلك، هو ما يعرض علينا من برامج تفيض برطانات التشهير، إذ أصبح معدّو ومقدّمو البرامج يتسابقون على نشر فضائح الناس وكلا على طريقته بغية نيل الشهرة ولو كان ذلك على حساب خصوصية وأعراض وسمعة البشر، التي توجب الدساتير والقوانين والأعراف الاجتماعية عدم التعرض إليها باعتبارها جزءاً من احترام آدمية الإنسان والحضارات البشرية على مر القرون.
يأتي السؤال هنا: هل نحن نأخذ بعجلة الحياة إلى الأمام أم نقودها باتجاه الخلف؟ فإذا نظرنا إلى الماضي، نجد أن التصرف إزاء وقوع جريمة ما، كان يجري في نطاق حل المشكلة وليس في إطلاقها نحو التشهير. وعلى سبيل المثال كان في سابق الزمن القريب إذا حصلت جريمة، تتم تسويتها عن طريق (مختار) البلدة وكبار القوم، فإذا ارتكب شاب جريمة التعدي الجنسي مثلاً ضد فتاة ما، يتم تزويجهما وتنتهي القضية من دون فضائح، أما إذا حصلت سرقة، فإنهم يجبرون السارق على إعادة الأغراض أو الأموال المسروقة إلى صاحبها والاعتذار منه.
هكذا كانت تعالج المشاكل أو تكبح الجريمة فيما مضى، أما اليوم فقد هانت الكرامات واستبيح المحظور وأصبح كل شيء يعرض على الهواء ليكون تحت أنظار الملايين، بمعنى أن الفضائح أصبحت عالمية التداول، وقد تفنن مقدمو البرامج في مراوغة الضحايا بطرق ملتوية تتمثل بإقناعهم في الظهور على شاشات التلفزة وتسويغ ذلك بأنهم سيقدمون لهم خدمة استحصالهم على حقوقهم، دون مراعاة لآدميتهم واحترام خصوصياتهم.
لسنا ندري، هل نضع اللوم على معدّي البرامج أم على أصحاب القضايا الذين ينشرون غسيلهم على الملأ؟ علماً بأن التعامل مع الشرطة والسلطات المختصة قد يكون كفيلاً بتحصيل الحقوق دون فضائح وقيل وقال.
إذا نظرنا إلى دور وسائل الاعلام، فلا يمكن بأي حال نكران دورها في التأثير على المجتمع وتحديد ما هو مقبول وما هو مرفوض، بناء على أجندتها التي قد تنحصر في بعض الأحيان بمنظور ضيق لا يتعدى تحقيق الربح أو الشهرة أو مكاسب سطحية أخرى دون أي مراعاة للقيم الاجتماعية والفئات العمرية الشابة التي تشاهد وتتابع ما يعرض على الشاشات وتتأثر بكل ما تراه من مبالغات ووقاحات، باعتبارها حقيقة واقعة.
Leave a Reply