فتنة تعصف بالأسرة الهاشمية .. والملك عبدالله «يئدها»
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
«إنها الأزمة الأكثر إيلاماً لكون أطراف الفتنة من داخل الأسرة الملكية، وقد جرى التعامل مع موضوع الأمير حمزة في إطار الأسرة الهاشمية، وهو ليس معتقلاً إنه في قصره وتحت رعايتي، أما الجوانب الأخرى للقضية فهي قيد التحقيق وفقاً للقانون». بهذه الكلمات ارتأى الملك الأردني عبد الله الثاني رسم نهاية للأزمة التي عصفت بالأسرة الحاكمة في الأردن، وهي أزمة غير مسبوقة منذ تسلمه العرش عام 1999.
أيام عصيبة عاشتها الممملكة المنهكة اقتصادياً، وتأويلات عديدة لما حصل، من أيادٍ خارجية تريد أن تعبث بأمن الأردن واستقراره وتسعى إلى إشاعة الفوضى فيه للمجيء بقيادة أكثر طواعية وتوافقاً مع رؤيتها، إلى أطماع شخصية وطموحات سلطوية، وصولاً إلى ما هو أكبر من ذلك ويندرج في إطار الخطر الاستراتيجي والبنيوي على أصل كيان الدولة.
إذاً ومن دون مقدمات، خرج الأمير حمزة بن الحسين بتسجيل مصور يعلن فيه أنه قيد الاعتقال مؤكداً أنه لن يلتزم بالأوامر، وهي الأوامر التي أبلغه بها رئيس أركان الجيش، وتقضي بعدم السماح له بمغادرة منزله وبأنه ممنوع من التواصل مع الناس أو لقائهم. كما أشار إلى اعتقال عدد من أصدقائه ومعارفه وسحب الحراسة وقطع خطوط الاتصال والانترنت عنه. ولاحقاً، عقد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي مؤتمراً صحافياً أوضح من خلاله، الأسباب التي تقف وراء عمليات الاعتقال التي شملت رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض االله والشريف حسن بن زيد، المقرّبَين من ولي العهد السعوي محمد ابن سلمان. وكشف الصفدي عن وجود تواصل مع المعارضة الخارجية، وشدد على أن تحركات المشتبه فيهم وئدت في مهدها بعد أن انتقلت من مربع التخطيط إلى مربع التنفيذ وتحديد توقيت للتحرك.
رد فعل الشارع الأردني جاء إجماعاً على الرفض القاطع للتدخلات الخارجية، وسط دعوة إلى إطلاق حوار شامل وبرنامج إصلاحي. فيما سارعت الملكة نور إلى نفي التهم عن ابنها ووصفتها بالافتراءات.
العديد من الدول استنكر محاولة زعزعة أمن الأردن واستقراره سواء عبر بيانات الدعم والاستنكار أو عبر الاتصال الهاتفي كما فعل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أكد وقوفه إلى جانب المملكة ودعم سيادتها واستقرارها.
وقالت القوات المسلحة الأردنية في بيان إنه طُلب من الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، وقف أي أنشطة تُوظّف لاستهداف الأمن.
من جهته، نفى رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، ما تردد حول اعتقال الأمير حمزة، في حين أفاد بيان رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي أنه اعتقل نتيجة لهذه التحقيقات الشريف حسن بن زيد وباسم إبراهيم عوض الله وآخرون.
وأد الفتنة
بعد أيام من الإرباك الذي ساد الساحة الأردنية، أعلن الملك عبد الله الثاني، مساء يوم الأربعاء الماضي، «وأد الفتنة» وانتهاء الأزمة التي عصفت من دون سابق إنذار، كاشفاً عن أن الأمير حمزة ليس معتقلاً ولا منفياً، وأن التحقيق مستمر وفقاً للقانون وبما يضمن العدل والشفافية.
هذا الكلام دحض الشائعات التي تحدثت عن مغادرة الأمير حمزة البلاد أو أنه طلب منه ذلك. بعد التسوية التي تمت في إطار العائلة وبوساطة الأمير الحسن بن طلال ليعود الأمير حمزة وينشر رسالة مصورة قال فيها إنه سيبقى عوناً وسنداً للملك وملتزماً بالقانون والدستور على عكس ما أعلنه في السابق.
وفقاً لمدير مركز القدس للدراسات السياسية الكاتب الأردني عريب الرنتاوي فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأمير حمزة قد غيّر موقفه، لكن الأساس هو الالتزام بالأعراف والتقاليد، من قبيل أنه عند حصول الخلاف بين أفراد العائلة يجب أن لا يتسرب إلى العلن أو إلى وسائل الإعلام. المشكلة ليست في اختلاف موقف الأمير حمزة نفسه بل هي تكمن في كونه معارضاً وأميراً في الوقت عينه، أن تكون من داخل الأسرة الملكية ومعارضاً لسياساتها فهذا أمر غير مألوف على مدى مئة عام من عمر الدولة الأردنية تحت الحكم الهاشمي، يضيف الرنتاوي، لذلك جرت التسوية التزاماً بالأعراف والتقاليد والقواعد الدستورية المتعارف عليها في الأردن.
العالم كله تضامن مع الملك والمملكة، والرئيس بايدن اتصل به وأعلن دعمه الكامل للأردن واستقراره وأمنه، في وجه ما اعتُبر مؤامرة، وأصابع الاتهام وُجّهت ضمنياً إلى السعودية وإسرائيل.
دور إسرائيلي؟
يوضح الرنتاوي لـ«صدى الوطن» أن هناك تكتماً شديداً على سير التحقيق، وأن مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة الأردنية، طلبوا إبقاء الأمور قيد الكتمان. أما بالنسبة إلى الأزمة مع إسرائيل فهي ليست مرتبطة بحادث طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو –يوم مُنعت من عبور الأجواء الأردنية– يلفت الرنتاوي، بل هي منذ أن جاء نتنياهو على رأس أول حكومة له عام 1990 والعلاقة الأردنية معه سيئة. فقد حاول اغتيال خالد مشعل في أحد شوارع عمان وفي وضح النهار من دون مراعاة أو اعتبار واحترام لسيادة الأردن، وبعد سنتين ونصف من توقيع معاهدة بين الطرفين، وهناك أيضاً مشكلة السفارة حيث قتل الحارس الإسرائيلي أردنيين، وبدل تحويله إلى المحكمة بحسب الاتفاق استقبله نتنياهو استقبال الأبطال، إضافة إلى اغتيال قاضٍ أردني بدم بارد، ثم قضية زيارة ولي العهد الأردني إلى الأقصى وعرقلتها من قبل نتنياهو نفسه، وهو ما استتبع رداً من الأردن بمنع تحليق طائرته. ومؤخراً، طلب الأردن كمية إضافية من الأمطار من الجانب الإسرائيلي بسبب الجفاف الناجم عن شح الأمطار، كان نتنياهو الرافض الوحيد لتزويد الأردن بـ8 ملايين متر مكعب. هذا الرجل –أي نتنياهو– هو من مدرسة تعتقد أن الفوضى في الأردن هي مصلحة إسرائيلية، لأنه لا يؤمن بحل الدولتين، ويريد حل القضية الفلسطينية خارج فلسطين، أي في الأردن، وعلى حسابه، وهذا ما يبرر فتح الباب أمام كل التكهنات التي تتحدث عن دور إسرائيلي في التآمر على الأردن، هذا فضلاً عن صفقة القرن ومشاريع الضم والاستفزاز اليومي للرعاية الهاشمية للمسجد الأقصى، بحسب كلام مدير «مركز القدس».
دور سعودي؟
أما في ما يتعلق بالجانب السعودي، فـ«هنا المفاجأة»، بحسب الرنتاوي، فنحن ما كنا لنتخيل ذلك لولا أن باسم عوض الله الذي هو اليوم مستشار ولي العهد السعودي هو أحد المتورطين، ويشير الرنتاوي إلى تصريح مصدر أمني مسؤول عن عدم صحة الأنباء التي تحدثت عن تسليم عوض الله للسعودية، فهو أولاً مواطن أردني، وقد حصل على الجنسية السعودية مؤخراً، ومن الطبيعي أن يحاكم في الأردن إذا كان فعلاً متورطاً أو متآمراً، كما جرت محاولة سعودية حثيثة لاسترداده لكن الأردن رفض ولم يخلِ سبيله وما يزال قيد الاعتقال والتحقيق، أما ماذا تريد السعودية من الأردن فهذا في الحقيقة سؤال كبير، يستغرب الرنتاوي، فالرياض التي لم تستطع التملص بعد من أزمة قتل خاشقجي ولا من حربها في اليمن وخلافها مع قطر، كي تفتح على نفسها باب مشكلة جديدة وفي بلد مثل الأردن، أجمع العالم كله على ضرورة الحفاظ على أمنه وسيادته، وإذا فعلاً كانت لها يد في ذلك فستكون حماقة كبرى منها.
يؤكد الرنتاوي أن ما حصل لم يكن محاولة انقلابية، بل كان استثماراً للغضب الشعبي من البطالة والأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مع تفشي جائحة كورونا، وانسداد مسار الإصلاح السياسي والأداء الحكومي المرتبك، إضافة إلى سوء الإدارة والفساد المستشري. كان البعض يتأمل وصول هذا الاحتقان والغضب إلى مرحلة الانفجار، وربما اعتقد الأمير حمزة أنه سيكون النموذج الأمثل والبديل الأنسب. وفقاً لرأي الرنتاوي، فإن السعودية غاضبة على الأردن منذ حرب اليمن، لأنها كانت تأمل أن يكون شريكاً أكثر فعالية في حرب اليمن، لكنه اكتفى بالدعم المعنوي والسياسي، ولم يرسل أية قوات، معتبراً أنها ليست حربه.
ويضيف، خلال فترة إدارة دونالد ترامب كان هناك تواطؤ من ترامب وكوشنير مع دول الخليج على «صفقة القرن»، فيما كان ينظر الأردن إليها كتهديد وجودي لكيانه وهويته الوطنية وأنها مدخل للحل على حسابه ولحل القضية الفلسطينية على حسابه أيضاً، ثمة فراق أردني–خليجي وقع بسبب «صفقة القرن».
أبرز المعتقلين، غير الأمير حمزة، باسم عوض الله والشريف حسين بن زيد، وهما أردنيان يحملان الجنسية السعودية ومقربان من ولي العهد السعودي. وعوض الله هو مستشار لدى ولي العهد السعودي وهو مَن نظّم دافوس الصحراء ومن كبار المهندسين لمدينة «نيوم» و«رؤية 2030» وبالتالي لا يمكن أن يكون باسم عوض الله قد تطوع من ذاته لفعل ذلك أو أن يعمل لحسابه أم أن له «معلماً» ينفذ تعليماته.
يشير الرنتاوي إلى أن هناك نحو نصف مليون أردني في السعودية وربع مليون في الإمارات، وهؤلاء لا يمكن المجازفة بهم، ويجب الأخذ في عين الاعتبار مصيرهم قبل توجيه أي اتهام للدولتين، والملك قال في رسالته إن القانون والمؤسسات وسيادة القانون ومعيار المصلحة الأردنية هي ما سيقرر كيف سنتصرف، ومعيار المصلحة هنا يمكن أن يحتمل إمكان الوصول إلى خلاصات وعدم البوح بها حفاظاً على عدم تدهور العلاقات وترديها وهذا أمر شائع في العلاقات الدولية.
تبعات الأزمة
عن الأزمة ومفاعيلها، يقول الرنتاوي إن ما كان يمكن أن يمثل تهديداً لأمن الأردن واستقراره قد انتهى، يختم حديثه مدير «مركز القدس للدراسات السياسية».
بحسب ما ظهر بوضوح من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تبين أن الأمير حمزة يتمتع بشعبية واسعة. هو الذي يستخدم لغة الناس ويتحسس آلامهم وتطلعاتهم، مما أكسبه قاعدة شعبية راكمها على مدى سنوات، فكان على اتصال دائم بالأوساط العشائرية وقد تعززت أسهمه في ظل الأداء المرتبك والسياسات الخاطئة التي انتهجتها الحكومات. أما الرواية الرسمية لما حدث فقد تسهم في إضعاف شعبيته وتفقده تعاطف شريحة من الأردنيين ولا سيما لدى القبائل والعشائر.
قبل وفاته، عين الملك الأردني الراحل حسين ابنه البكر عبد الله ولياً للعهد، على أن يخلفه في ذلك أخوه غير الشقيق الأمير حمزة، وهو ابن الملكة نور، لكن الملك الحالي وبعد خمس سنوات من تسلمه العرش عمد إلى تجريد الأمير حمزة من منصبه وتعيين ابنه هو ولياً للعهد، وهو ما أعطى صورة واضحة عن القلق الذي كان يساور الملك عبدالله إزاء أخيه غير الشقيق الأمير حمزة الذي أتم الحادية والأربعين من عمره في آذار الماضي.
الملك عبد الله لم يواجه معارضة منظمة منذ توليه حكم البلاد قبل نحو عشرين عاماً حيث لعب على التوازنات بين قبائل البلاد القوية، لكن مع حلول جائحة كورونا قامت حكومات متعددة لم تكن على مستوى الأزمات، وتضاءل الدعم السعودي المالي، والذي كان عامل استقرار مهماً، لكن الأمور تغيرت تحت قيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
اليوم، يقف الشارع الأردني على عتبة مرحلة لم يألفها سابقاً، فلطالما عاش هذا البلد هدوءاً ميّزه عن محيطه المتوتر، واستطاع ملكه عبدالله الثاني تخطي محنة «الربيع العربي» التي طالت بعض دول الجوار، وتمكن من إبعاد كأسها المرة عن عرشه. لكن ثمة سؤال لا بد من إجابةٍ عنه ويشغل بال كل أردني: من هي الجهة التي تقف خلف الأمير حمزة ورفاقه وتريد تغيير القيادة في البلاد؟
قد يتوصل التحقيق إلى هوية تلك الجهة، لكن هل ستمتلك عمان جرأة التصريح عنها، لتفتح على نفسها معركة قد لا تمتلك القدرة على تحمل تبعاتها؟
Leave a Reply