ديترويت – خاص «صدى الوطن»
استبشر آلاف المهاجربن غير الشرعيين في ميشيغن خيراً في القرار الرئاسي الذي أصدره باراك أوباما الصيف الماضي، واعتقدوا أن معاناتهم الطويلة على أرض الفرص قد وصلت لخواتيمها السعيدة. ولكن قرار أوباما بشرعنة وجود هؤلاء يصطدم عملياً بعقبات كثيرة على المستوى الوطني وكذلك في ولاية ميشيغن التي دخلت معركة قضائية مع «إتحاد الحريات المدنية الأميركي» -فرع ميشيغن الذي رفع دعوى ضد سكرتيرة الولاية روث جونسون على خلفية إصدارها أمراً بحظر منح رخص قيادة للمهاجرين غير الشرعيين الشبان المشمولين بقرار فدرالي بمنحهم أذونات عمل ووقف ترحليهم.
روث جونسون |
وقد رفعت الدعوى نيابة عن ثلاثة مهاجرين ومنظمة للدفاع عن حقوق الشبان تطلق على نفسها «وان ميشيغن» يذكر أن هناك زهاء 15000 شخصاً من الشبان في ميشيغن مشمولين بالقرار الفدرالي. وكانت جونسون أصدرت أمراً في تشرين أول (أكتوبر) الماضي حذرت فيه كافة مكاتب السكرتاريا من صرف رخص قيادة لهذه الفئة من المهاجرين غير الشرعين، وهم تحت سن 30 عاماً دخلوا الولايات المتحدة بطرق غير شرعية برفقة ذويهم كأطفال..
فبالنسبة لسيرجيو مارتينيز المقيم في الولايات المتحدة منذ كان عمره خمس سنوات «الامور ليست هينة» حسب تحقيق أجرته صحيفة «ديترويت فري برس». فدائرة الهجرة والجمارك الاميركية طلبت من مارتينز كماً هائلاً من الوثائق لتسيير ملفه وشرعنة وجوده.
سجلاته وكل شهاداته المدرسية والتطعيمات وغيرها من المستندات الصادرة على مدى 21 عاماً مضت، كلها، ولحسن حظه، زودته بها والدته، وهذه الوثائق لو نشرت لملأت صفحات جريدة أميركية في يوم الأحد»، حسب التقرير الذي يقول فيه مارتينيز «أعجب انهم لم يطلبوا عينة من شعري».
مارتينيز واحد من 308,935 شخصاً دخلوا اميركا بطريقة غير شرعية بصحبة ذويهم وهم في سن الطفولة والمراهقة، قبل أن يتقدموا في الأشهر الأخيرة بطلبات للاستفادة من البرنامج الذي طرحته إدارة أوباما والذي يتيح لهم ارجاء الترحيل مدة سنتين شرط أن يكونوا قد أكملوا دراساتهم الثانوية ويتمتعون بسجل أمني نظيف.
كثر انفرجت أوضاعهم قليلاً، ولكن آخرين، لاسيما في ميشيغن وولايات أخرى، وجدوا أنفسهم أمام معضلة أخرى. وتعتبر ميشيغن ثالث ولاية حظرت صرف رخص قيادة لهذه الفئة إضافة إلى نبراسكا واريزونا.
فبعد أن جمع مارتينيز ما جمعه وقدمه للسلطات الفدرالية، فوجئ بقرار من سكرتارية ولاية ميشيغن، التي ترأسها الجمهورية روث جونسون، يقضي بمنع المهاجرين غير الشرعيين من الحصول على رخصة القيادة أو بطاقة الهوية الصادرة عن حكومة ميشيغن.
ومارتينيز واحد من بين 7 الى 12 ألفاً من أمثاله المهاجرين غير الشرعيين في الولاية ممن تنطبق عليهم مزايا برنامج ادارة أوباما، لكنهم في الوقت عينه ممنوعون من الحصول على رخصة القيادة او بطاقة الهوية، استنادا الى قرار جونسون الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وتقول المتحدثة باسم سكرتيرة الولاية، نميسجي غندارو، إنه ليس بوسع الولاية اصدار رخص قيادة لهؤلاء لحين منحهم اقامة شرعية في الولايات المتحدة. وأضافت «ننتظر من الحكومة الفدرالية أن تخبرنا من هم المقيمون الشرعيون هنا، فنحن لا نقرر ذلك، ولغاية الان لم نتلق من الحكومة الفدرالية أي وثيقة تقول إن من ينطبق عليهم برنامج اوباما هم مقيمون شرعيون».
يذكر أنه حسب برنامج أوباما يسمح للمهاجرين الشرعيين ممن تنطبق عليهم الشروط، الحصول على اذونات عمل ورقم اجتماعي لكن لمدة عامين، وهذا البرنامج لا يحوّل هذه المزايا الى إقامة دائمة ولا يمهد للحصول على الجنسية الأميركية. وبالنسبة لمتطلبات الإثبات للاستفادة من البرنامج فهي كثيرة من بينها أن يحمل الشخص اثبات هوية وأن يثبت أنه دخل أميركا قبل أن يبلغ سن 16 عاماً، وأنه لم يتعد سن 31 عاماً حتى تاريخ 15 حزيران (يونيو) 2012، وعليه أيضاً أن يثبت أنه تخرج من المرحلة الثانوية أو في طريقه للتخرج منها، وانه مطيع للقوانين المعمول بها في أميركا وليس لديه تاريخ جنائي.
بينما انصاعت معظم الولايات لبرنامج أوباما إلا أن ولايات ميشيغن ونبراسكا واريزونا تحدته من خلال رفض منح المشمولين به رخص قيادة وبطاقات هوية، على العكس منها كاليفورنيا التي تعج بالمهاجرين غير الشرعيين، والتي وقع حاكمها جيري براون مرسوماً أتاح فيه حصول المشمولين بهذا البرنامج على رخص القيادة وبطاقات الهوية.
وقالت ألينا داس، وهي أستاذة القانون في «جامعة نيويورك»، «يبدو أن الولايات سارت في الاتجاه المناصر للمهاجرين اكثر من الاتجاه المناوئ لهم». ولكنها أبدت استغرابها الشديد لقرار سكرتيرة الولاية في ميشيغن، والذي جاء عكس المتوقع، «خاصة وأن ميشيغن تضم شريحة حيوية من المهاجرين». وقرار جونسون، قوبل بانتقادات العديد من المنظمات الحقوقية والناشطين إضافة الى بعض المسؤولين وعلى رأسهم محافظ مقاطعة وين، روبرت فيكانو، الذي بعث برسالة الى حاكم الولاية ريك سنايدر يحثه فيها على إصدار قرار يلغي بموجبه قرار جونسون، مؤكداً أن وجود هؤلاء بات قانونياً وفق البرنامج، وليس كما تدعي جونسون.
وانضم الى فيكانو في الرسالة التي تلقت «صدى الوطن» نسخة منها، العديد من المنظمات الحقوقية العربية واللاتينية والآسيوية والإفريقية الأميركية، إلا أن الحاكم سنايدر، الذي يتميز بخطابه المنفتح على المهاجرين، لم يتدخل لغاية الآن، لدى جونسون لثنيها عن قرارها.
وقد اجتمعت جونسون مؤخراً مع مسؤولين في «اتحاد الحريات المدنية الأميركية» وأخبرتهم أنها «لن تغير قرارها ما لم تتسلم وثيقة من الحكومة الفدرالية تشير الى شرعية هؤلاء». وهو ما دفع الإتحاد الى مقاضاة جونسون باسم عدد من المتقدمين لرخص القيادة من المهاجرين غير الشرعيين بعد قوننة وجودهم في البلاد.
ومن جانبها، تقول سوزان ريد، من «مركز حقوق المهاجرين في ميشيغن»، إن تعليل جونسون لقرارها «يفتقد الى المنطق». واستندت ريد في ذلك الى قانون الهوية الحقيقية الفدرالي الصادر عام 2005 والذي يعتبر الأشخاص المجمد ترحليهم مقيمين شرعيين ويستحقون الحصول على رخصة القيادة. وقبل ذلك وتحديداً في العام 2004 صدر قانون بضرورة ان تمنح رخص القيادة لمن معهم رقم ضمان اجتماعي، وهذا ما أدى في السنوات الثمان الماضية الى وضع المهاجرين غير الشرعيين في خطر توقيفهم من شرطة السير وترحليهم.
أما جوز (19 عاماً)، الذي لم يكشف اسمه كاملا خوفا من توريط والده المتواجد في أميركا، فقد أوقفته مؤخراً الشرطة في مدينة ريدفور لتحرر بحقه مخالفة سير عادية، ولكونه لا يملك رخصة قيادة سحبت سيارته واضطر الى انتظار والدته لتقله الى المنزل. وقال جوز لـ«ديترويت فري برس» إنه مقيم شرعي بحسب البرنامج و«لكني غير مسموح لي بالقيادة لأني لا أملك رخصة، فلا أستطيع الذهاب الى الكلية أو العمل».
وقال مارتينز، الذي يقاضي حالياً سكرتارية الولاية بدعم من «اتحاد الحريات المدنية الأميركية»، إنه ينظر الى أوباما كـ«بطل خلص المهاجرين غير الشرعيين من كثير من المعاناة ومنع تجريمهم».
ولكن حياته لا تزال تعيسة فهو ممنوع من قيادة السيارة وإن فعل فإنه يقودها «كما لو كان عجوزاً حتى لا توقفه الشرطة»، وأضاف أنه لم يكن بامكانه السفر مع أصحابه الى لبنان للاستجمام لأنه لو فعل ذلك لما سُمح له بالعودة، وقال «أخشى أنني قد اضطر الى مغادرة ميشيغن أو ربما العودة الى موطني المكسيك، لأن وجودي هنا يبدو بأنه غير مرحب به».
Leave a Reply