نيويورك
في مفاجأة سياسية من العيار الثقيل، حقق المهاجر الهندي الأصل، المناصر للقضية الفلسطينية، ظهران ممداني، الذي لم يمض على نيله الجنسية الأميركية سوى بضع سنوات، فوزاً عريضاً في السباق التمهيدي للحزب الديمقراطي، لانتخابات رئاسة بلدية نيويورك، يوم الثلاثاء الماضي، مما يمهد أمامه الطريق ليصبح أول مهاجر وأول مسلم يتولى قيادة أكبر مدينة في الولايات المتحدة، بعد تفوقه الكبير على حاكم ولاية نيويورك السابق أندرو كومو.
ونال ممداني (33 عاماً) الذي يشغل عضوية مجلس نواب ولاية نيويورك منذ مطلع عام 2021، ما يزيد عن 43.5 بالمئة من الأصوات، مقابل 36.4 بالمئة لكومو، فيما توزعت بقية الأصوات على خمسة مرشحين آخرين. وفاز ممداني بذلك ببطاقة الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات العامة المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، بمواجهة رئيس البلدية الحالي أريك أدامز الذي سيخوض السباق كمرشح مستقل، إلى جانب مرشحين مستقلين آخرين والمرشح الجمهوري الوحيد، كيرتيس سليوا، الذي لا يتمتع بأي حظوظ جدية للمنافسة في المدينة الموالية تقليدياً للديمقراطيين.
وخلال كلمة ألقاها أمام أنصاره احتفالاً بالفوز، قال ممداني: «اليوم دخلنا التاريخ… فزنا لأن أهالي نيويورك دافعوا عن مدينة يمكنهم تحمل تكاليف العيش فيها… مدينة حيث يمكنهم القيام بما هو أكثر من مجرد الكفاح» لتأمين احتياجاتهم.
وعلق كومو، البالغ 67 عاماً والساعي للعودة إلى الحياة السياسية بعد فضيحة تحرش جنسي، قائلاً لأنصاره: «الليلة لم تكن ليلتنا… اتصلت به وهنأته… لقد فاز هو».
حملة ناجحة
ممداني الذي يحظى بتأييد واسع من التيار الديمقراطي الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي، وخاصة من السناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، كان قد أعلن ترشحه لرئاسة بلدية نيويورك في تشرين الأول (أكتوبر) 2024، تحت شعار «مدينة يمكننا تحمّل تكاليفها»، مركّزاً على ثلاث أولويات رئيسية، هي: وقف ارتفاع الإيجارات، وتوفير وسائل نقل عام مجانية، وزيادة الضرائب على الشركات الكبرى لتمويل الخدمات الأساسية.
ويرى ممداني أن أزمة السكن في المدينة لم تعد مسألة ظرفية، إذ تجاوز متوسط إيجار شقة من غرفة واحدة عتبة 3,500 دولار شهرياً، مما يجعل مئات الآلاف من السكان مهددين بفقدان مساكنهم.
وحذر ممداني في تصريحاته خلال الحملة من أن «نيويورك أصبحت مدينة تعمل لخدمة الأغنياء، في وقت يُطلب فيه من بقية السكان أن يكافحوا من أجل البقاء».
في المقابل، أثار ترشح ممداني وفوزه، مخاوف الجماعات المؤيدة لإسرائيل بحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، التي أشارت إلى أن المرشح ممداني خضع لتمحيص مكثف على خلفية مزاعم «معاداته للسامية»، في ظل وجود ما يقارب مليون يهودي في المدينة.
عُرف ممداني بانتقاده الشديد لسياسات إسرائيل، إذ وصف حربها على قطاع غزة بـ«الإبادة الجماعية». وكان أحد الأصوات القليلة في الجمعية التشريعية التي طالبت بوقف تمويل دوائر الشرطة التي تتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. كما شارك في فعاليات مناصرة لفلسطين في نيويورك، وصوّت لاحقاً ضد تشريعات يرى أنها تقيّد حرية التعبير الداعمة لحركة المقاطعة «بي دي أس».
وأكسبته هذه المواقف شعبية واسعة بين الناخبين المسلمين في نيويورك، لكنها في المقابل أثارت انتقادات شديدة من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل.
صدمة أنصار إسرائيل
قال الباحث في الدراسات العبرية واليهودية والتاريخ في جامعة نيويورك، آبي سيلبرشتاين، إنّ ترشح ممداني للانتخابات «ليس مُرضياً لإسرائيل»، بحسب مقال نشرته «هآرتس».
وعن الأسباب، قال سيلبرشتاين إنّ ممداني كان صريحاً وواضحاً بشأن آرائه عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فهو يصر على المساواة في الحقوق للفلسطينيين.
وتابع الباحث في مقاله أن ممداني دعم في السابق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، ووصف أفعال الاحتلال في غزة بأنها إبادة جماعية. كما رعى مشروع قانون لإلغاء الصفة الخيرية للمنظمات التي تساعد المستوطنات الإسرائيلية. وبحسب سيلبرشتاين، فإن المعارضين يخشون أن يولي ممداني في حالة فوزه بالمنصب، الاهتمام الأكبر لمخاوف جميع سكان نيويورك –بمن فيهم الفلسطينيون المتضررون من الأحداث الدولية– بدلاً من مناصرة إسرائيل دون انتقاد.
وينبئ الفوز المحتمل لممداني في مدينة كبرى مثل نيويورك بتحول في المشاعر العامة على نطاق واسع، حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن التعاطف مع الإسرائيليين بلغ أدنى مستوى له على الإطلاق، في حين وصل التأييد للفلسطينيين إلى مستوى لا مثيل له في الارتفاع منذ عام 2001، طبقاً لـ«هآرتس».
من هو ممداني؟
ظهران كوامي ممداني، هو مُهاجر وُلد ونشأ في أوغندا لأب أكاديمي من أصول هندية، وهو المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية في «جامعة كولومبيا» محمود ممداني، وأم هندية هي المخرجة السينمائية الشهيرة ميرا نايير صاحبة أفلام «ميسيسيبي ماسالا» و«زفاف في موسم الأمطار».
وُلد في العاصمة الأوغندية كمبالا عام 1991، وانتقل مع أسرته إلى جنوب أفريقيا لمدة سنتين قبل هجرته إلى الولايات المتحدة، حيث نال الجنسية الأميركية عام 2018، وتزوج مؤخراً من الفنانة التشكيلية السورية راما دوجي.
في سن السابعة هاجر مع أسرته إلى نيويورك، حيث نشأ في بيئة متعددة الثقافات. وتأثر ممداني بتجربة والده الفكرية وأعمال والدته الفنية، ليوجّه لاحقاً بوصلته نحو القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس الفئات المهمشة.
وانخرط ممداني مبكراً في العمل الميداني، ونشط في الحملات التي تطالب بإصلاح قوانين السكن وإلغاء ديون الطلاب، قبل أن يُنتخب عام 2020 عضواً في مجلس نواب ولاية نيويورك عن «الدائرة 36» في منطقة أستوريا، ليكون ثالث مسلم يتولى عضوية مجلس نواب نيويورك عبر التاريخ.
وينتمي ممداني إلى التيار الديمقراطي الاشتراكي، وهو الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي الذي يعتبر السناتور ساندرز من أبرز وجوهه. وقد اشتهر الشاب الهندي الأصل بمواقفه التقدمية ودعمه للتيار الاشتراكي الديمقراطي، إضافة إلى تأييده القضية الفلسطينية.
وحول خلفيته الأكاديمية، تلقى ممداني تعليمه الأولي في المدارس العامة بمدينة نيويورك، وتخرّج من مدرسة برونكس الثانوية للعلوم، ثم حصل عام 2014 على البكالوريوس في الدراسات الأفريقية من «كلية بودوين».
ويتقن ممداني لغات عدة، منها الإنكليزية والسواحيلية والهندية، مما ساعده في التواصل مع شريحة واسعة ومتنوعة من سكان نيويورك التي تضم زهاء 8.3 مليون نسمة.
شارك أثناء دراسته الثانوية في تأسيس أول فريق كريكيت في مدرسته، وكانت ممارسته السياسية آنذاك تقتصر على منشورات مطولة على فيسبوك.
وفي المرحلة الجامعية، شارك في تأسيس أول فرع لحركة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، وأسهم في تنظيم حملات وطنية بالتعاون مع منظمات تقدمية، هدفت إلى دعم مرشحين يساريين وتوسيع نطاق التأمين الصحي في الولايات المتحدة.
قبل دخوله عالم السياسة، نال ممداني شهرة واسعة في مجال موسيقى الراب واشتهر باسمه المستعار «السيد هيل». ثم انخرط مبكرا في العمل الميداني ونشط في الحملات التي تطالب بإصلاح قوانين السكن وإلغاء ديون الطلاب.
وعمل ممداني مستشاراً في مجال منع مصادرة المساكن، وهي الوظيفة التي دفعته للترشح لمنصب عام، إذ أدرك أن أزمة السكن لم تكن حالة طبيعية بل نتيجة سياسات متعمدة اتخذت على مر الزمن.
وانضم عام 2017 إلى حركة «الاشتراكيون الديمقراطيون في أميركا»، وهي أكبر منظمة اشتراكية في البلاد، تسعى لترسيخ الحضور العلني للاشتراكية الديمقراطية في المجتمعات والسياسة الأميركية.
Leave a Reply