ديربورن
النجاح الذي حققه «مهرجان السحور» الرمضاني بنسخته الجديدة والموسّعة في مركز «فيرلين» التجاري، باجتذاب عشرات آلاف الزوار خلال شهر رمضان المبارك، أثار موجة من الجدل والاستياء في بعض الأوساط الدينية والاجتماعية التي حمّلت إدارته مسؤولية إبعاد الكثير من الشباب المسلم عن ارتياد المساجد خلال شهر الصوم.
وبحسب المنظمين، قصد حوالي 70 ألف زائر، المهرجان الذي ضمّ 54 بائعاً قدّموا مختلف أنواع المأكولات والمشروبات، بدءاً من الأطباق الشرق أوسطية وصولاً إلى الأطباق الأميركية التقليدية، بالإضافة إلى احتوائه على ألعاب ترفيهية وخيمة مركزية كبيرة ومسرح وشاشة عرض ضخمة.
وكان «مهرجان السحور» قد استهلّ نسخته الأولى ببداية متواضعة عام 2018، عبر نصب خيم محدودة لتقديم وجبات السحور في موقف إحدى محطات الوقود في ديربورن، لكنه سرعان ما سجّل نجاحاً باهراً في العام التالي، عندما أقيم المهرجان في مركز «هايب» الرياضي بمدينة ديربورن هايتس.
وبعد توقف لمدة عامين بسبب وباء كورونا، عاد المهرجان بنسخته الثالثة إلى ديربورن، حيث أقيم على مساحة تزيد عن 85 ألف قدم مربع ضمن مواقف السيارات المقابلة لمتجر «سيرز» في مركز «فيرلين»، خلال عطل نهاية الأسبوع، ابتداءً من 8 نيسان (أبريل) الجاري، على أن يختتم فعالياته في ليلتي الجمعة والسبت، في 29 و30 أبريل.
تذمّر واستياء
وكان الشيخ أحمد حمود، من «المركز الإسلامي في أميركا» بديربورن، قد وجّه انتقادات لاذعة للمهرجان الذي تسبب –على حد زعمه– بإبعاد شرائح واسعة من الشباب المسلمين عن المساجد خلال شهر رمضان، محذراً مما أسماها أنشطة وسلوكيات تتنافى مع «قيمنا الأخلاقية والدينية»، مثل الاختلاط الفاضح وتعاطي المواد المخدرة.
واتهم حمود في إحدى خطبه، المنظمين باستغلال الشهر الفضيل «لتغطية أمور لا علاقة لها بالدين، لا من قريب ولا من بعيد»، على حد تعبيره، متهكماً على الإدارة التي تفتتح المهرجان بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم تتغاضى عن الممارسات والسلوكيات المنافية للحشمة والأخلاق والآداب العامة، حسب تعبيره.
وقال حمود ساخراً: «على أي أساس تفتتحون المهرجان بقراءة القرآن، ما علاقتكم أنتم بالقرآن؟ نبدأ بقراءة القرآن ثم ننتهي بشرب الحشيشة!».
وأكد حمود بأن معظم زوار المهرجان ليسوا من أبناء ديربورن، وأنهم من سكان المدن الأخرى الذين يأتون إلى ديربورن من أجل «البسط»، ولتحقيق «غايات أخرى»، في إشارة إلى ترويج المخدرات.
وحذّر حمود من تفشي المواد المخدرة في أوساط الجالية العربية بمنطقة ديربورن، وقال: «إذا ابتلي المئات من أبنائنا بداء المخدرات بسبب هذا المهرجان، فلتتحضر الجالية إلى تشييع ما لا يقل عن مئة جنازة من الشباب والصبايا خلال السنوات القليلة المقبلة».
وأضاف: «نحن لا نريد مثل هذه الأنشطة في بيئتنا وفي مجتمعنا، لأنها ستدمر أبناءنا تحت عناوين زائفة، مثل «مهرجان السحور» الذي نتغاضى عنه لكونه يمنح بعض الجوائز، مثل تذاكر السفر للحج والزيارة»، مستدركاً بالقول: «لولا هذه البرامج لقصد الناس المساجد خلال رمضان، ولكن الكثيرين انجذبوا للإغراءات التي تقدمها تلك الفعاليات، وفضلوا الذهاب إليها، بدل الذهاب إلى المراكز الدينية».
وفي سياق آخر، تناقل متصفحو وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً لحراس أمن وهم يثبتون أرضاً أحد الزوار المراهقين عقب مشادة عند مدخل «مهرجان السحور»، غير أن إدارة المهرجان نفت ما تم تداوله من أن الخلاف بسبب عدم دفع رسم الدخول البالغ دولاراً واحداً، وقالت إن بضعة شبان تحرشوا بحراس الأمن، ما أدى إلى استدعاء الشرطة وطردهم من المكان.
جلسة حوارية
بادرت «صدى الوطن»، الإثنين الماضي، إلى عقد جلسة حوارية بمشاركة عدد من الناشطين والقياديين الاجتماعيين في منطقة ديربورن لمناقشة ردود الفعل على «مهرجان السحور» الرمضاني، حيث أجمع معظم المشاركين بأن المهرجان أضفى أجواء إيجابية على الشهر الفضيل في ديربورن، بعد عامين من غياب التجمعات والأنشطة المحلية بسبب وباء كورنا.
وعزا بعض المشاركين، الانتقادات الموجهة لـ«مهرجان السحور» إلى الطابع الديني المتزمّت في مدينة ديربورن، محملين المراكز الدينية مسؤولية تبدل المزاج الاجتماعي في ديربورن خلال السنوات الأخيرة، من «مزاج منفتح ومعتدل» إلى «متزمت ومتعصب».
وخلال الجلسة التي بُثّت على صفحة «صدى الوطن» بموقع «فيسبوك»، أكدت الناشطة الاجتماعية فاتن سعد بأن المشكلة الحقيقية لا تكمن في مهرجان السحور أو غيره من الفعاليات، وإنما في الشباب الذين يمرون بأزمات مستفحلة تستوجب التدخل الاجتماعي السريع، لافتة إلى عمق هذه الأزمات التي يعجز أولياء الأمور عن معالجتها أو فهمها في كثير من الأحيان، لاسيما آفة تعاطي الحبوب المخدرة والماريوانا.
بداية جيدة
سعد أبدت أسفها لمحاولة البعض التستر على تلك الآفات الاجتماعية، بدل السعي إلى إيجاد حلول لها، وقالت: «للأسف، غالباً ما نحاول تغطية تلك المشاكل بالضمادات بدل معالجتها بطريقة صحيحة»، مضيفة: «لدينا الكثير من المشاكل في مجتمعنا، والتي يجب أن لا نتعامى عنها، وإنما التحدث عنها علناً وحلها بالشكل الصحيح».
وأشارت سعد إلى أن وباء كورونا «تسبب بازدياد حالات الانعزال والوحدة والكآبة بنسبة تصل إلى 70 بالمئة، لا في ديربورن وحدها، وإنما في جميع أنحاء البلاد»، وقالت: «إن عزل المراهقين والشباب اليافعين ليس حلاً، الحل في خلق أنشطة وفعاليات تشجع على إشراكهم في النشاطات الاجتماعية والترفيهية، وعلى اندماجهم وتعارفهم على بعضهم البعض».
ووصفت سعد «مهرجان السحور» بأنه «بداية» يمكن البناء عليها، وقالت: «في الوقت الحالي، لا توجد أماكن يقصدها الشباب»، مؤكدة أن «المهرجان مثّل بداية جيدة، يمكننا الانطلاق منها لخلق فعاليات وأنشطة مستدامة».
غيرة على الجالية
من جانبه، شجع الشيخ باقر بري، من «المجمع الإسلامي الثقافي» بديربورن، على تنظيم الفعاليات والأنشطة الاجتماعية خلال شهر رمضان، لكنه شدد على ضرورة «التقيد بالضوابط الدينية والأخلاقية التي تنسجم مع ديننا الحنيف وثقافتنا الشرقية».
وأشار بري إلى أن المسجد ليس مجرد مكان لأداء الصلوات وإنما هو مكان «جامع»لعقد اللقاءات والمناسبات الاجتماعية التي تتخذ طابعاً خاصاً خلال شهر الصوم، لافتاً إلى أن «المجمع الإسلامي» قام –قبل ثلاث سنوات– بدعوة عدد من البائعين إلى تقديم المأكولات والمشروبات خلال شهر رمضان.
وعزا بري انتقادات حمود إلى «غيرته» على شباب الجالية العربية في منطقة ديربورن، وحرصه على تحصينهم من الآفات الاجتماعية، وقال: «لقد رفع الشيخ حمود العيار قليلاً من منطلق حرصه على أبناء الجالية، وإنني أعتقد أن اللجوء إلى الحوار في مثل هذه الحالات هو الطريقة الأنسب لفضّ الاختلافات في وجهات النظر».
وكانت «صدى الوطن» قد دعت حمود للمشاركة في الجلسة الحوارية، غير أنه لم يلبّ طلب الصحيفة.
عواقب «التأمرك»
الناشط مهند حكيم، حذّر من التصادمات المحتملة لدى حاملي «الهوية العربية الأميركية الإسلامية»، وقال إن هذه الهوية المركبة تتعرض للخلل إذا طغى أحد العناصر على المكونات الأخرى، مضيفاً بأن المشاكل تتفاقم لدى بعض الشرائح «المتأمركة» التي تضع حريتها الشخصية فوق كل اعتبار.
وأوضح حكيم بأن اختلال التوازن في الهوية «يسهم في دفع الكثير من عائلاتنا نحو التفكك الأسري، وكذلك دفع شبابنا نحو المخدرات والعنف والجنس، وقال: «إن الأميركيين أنفسهم باتوا يحذرون من التطرف في ممارسة القيم الأميركية».
وأضاف الناشط في مجال الدعوة الإسلامية: «نحن المسلمين لدينا ضوابط شرعية وأخلاقية يجب أن تراعى وتحترم، وفي كل مجتمع توجد قيم غير مكتوبة ينبغي الحفاظ عليها»، مؤكداً بأن المهرجان الذي يقام خلال شهر رمضان يجب أن يكون «صديقاً للعائلات»، وألا يسمح بالاختلاط الفاضح وتدخين الأراكيل وغيرها من السلوكيات الأخرى.
من جانبه، فنّد المحامي عبد حمود، ادعاءات الشيخ حمود التي وصمت منظمي المهرجان بمحاولة استغلال الدين من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية، مشيراً إلى أن مكة المكرمة كانت ولاتزال مركزاً اقتصادياً يعجّ بالحركة خلال مواسم الحج والعمرة.
وقال حمود الناشط في المجال السياسي والاجتماعي في ديربورن منذ عقود: «منذ متى كان البيع والشراء خلال المناسبات الدينية يُعتبر استغلالاً للدين؟ ومن قال إن العبادة تتناقض مع العمل والسعي وراء الرزق؟».
وأبدى مساعد الادعاء العام السابق في مقاطعة وين، استهجانه لـ«الهجمة الشرسة» على المهرجان ومحاولة البعض اتهامه بالإخلال بالآداب العامة، وقال: «لقد زرت المهرجان، ولم أشعر بأنه ليس صديقاً للعائلات كما يروج البعض»، مستدركاً بالقول: «أنا لا أدعي بأن التنظيم كان مثالياً، طبعاً يمكن تنظيمه بشكل أفضل، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى تضافر جهود الجميع».
ولفت حمود إلى أن المراكز الدينية ساهمت خلال السنوات الأخيرة برفع منسوب التعصب والتقوقع في أوساط الجالية العربية بمنطقة ديترويت، محذراً من الآثار السلبية لهذه الظاهرة على المدى الطويل.
تقدّم وتراجع
بدوره، أشاد ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، بنجاح المهرجان في احتضان عشرات آلاف الزوار، لافتاً إلى أهمية العمل الجماعي للحفاظ على المنجزات وتثميرها بشكل إيجابي لتعزيز مكانة ديربورن كعاصمة للعرب الأميركيين في الولايات المتحدة.
ولفت السبلاني إلى أن «المهرجان العربي الأميركي الدولي» بمدينة ديربورن كان –قبل إلغائه– يستقطب سنوياً أكثر من مئة ألف زائر، لكنه فشل في الاستمرار بسبب عدم إشراك المجتمع في إيجاد حلول ناجعة للمشاكل والأخطاء التي تعرض لها على مر السنين وأدت في نهاية المطاف إلى إلغائه.
وقال السبلاني: «لا أقول بأن مهرجان السحور هو مهرجان مثالي، توجد بعض الأخطاء التي يجب أن نعمل على تلافيها في المستقبل»، محذراً من المبادرات الفردية في إقامة المناسبات الجماعية دون التشاور مع المؤسسات والشخصيات الاجتماعية في المجتمع المحلي.
وانتقد ناشر «صدى الوطن»، سخط المتذمرين من أخطاء المهرجان، وقال: «إن العائلات لا تستطيع ضبط أبنائها في المنازل، فكيف نطلب من إدارة المهرجان ضبط عشرات الآلاف من الناس.. هذا مستحيل»، مضيفاً بأن «وجود الأخطاء لا يعني فشل التجربة».
وأبدى السبلاني أسفه لما تؤول إليه أوضاع الجالية العربية في مدينة ديربورن، وقال: «بكل أسف، إن جاليتنا تتقدم خطوة إلى الأمام، ولكنها تعود خطوتين إلى الخلف، صحيح أننا نحقق الكثير من التقدم في المجال السياسي، ولكننا –كمجتمع متكاتف– نتراجع كثيراً إلى الخلف».
وفي سياق الحديث عن الأخطاء التي اعترت فعاليات المهرجان، شجب السبلاني قيام حراس الأمن بضرب بعض الزائرين في إشارة إلى مقاطع فيديو تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في اليوم الافتتاحي للمهرجان، لافتاً إلى أنه: «من غير المقبول، إقامة مهرجان لتعريف الناس بشهر رمضان، وعندما يذهب أبناؤنا إلى هناك، يتعرضون للضرب والإهانة».
تعليق السبلاني، أثار حفيظة مؤسس المهرجان حسن الشامي الذي بادر إلى المشاركة في الجلسة النقاشية عبر الهاتف، داحضاً ما جرى تداوله بشأن الحادثة التي أسفرت عن اعتقال عدد من المراهقين وتوجيه تهم إليهم، وقال: «إن تلك المشكلة وقعت عندما قام ستة أشخاص بالتعدي والتحرش بحراس الأمن»، نافياً أن يكونوا قد تعرضوا للضرب لأنهم لم يدفعوا رسم الدخول.
الشامي، وهو شريك في ملكية صيدلية «هيلث برو» بمدينة ديربورن هايتس، أوضح بأن المهرجان حقق نجاحاً باهراً باستقطابه قرابة 70 ألف زائر خلال ستة أيام، وقال: «من غير المقبول تجاهل هذا النجاح والتركيز على مشكلة وحيدة حدثت بسبب كسر قواعد التنظيم».
ولفت الشامي إلى أن إدارة المهرجان فرضت رسوم الدخول البالغة دولاراً واحداً لكل شخص، لكي تتمكن من فرض قواعد تتماشى مع الحشمة والآداب العامة، وتمنع تناول الكحول وتبادل السباب والتلفظ بالكلام البذيء، وقال: «إن هؤلاء الأشخاص لم يتقيدوا بالقواعد فحصل ما حصل».
Leave a Reply