كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يقترب مؤتمر «سيدر» من مُضيّ عامه الأول، فالمؤتمر الدولي الذي انعقد في باريس يوم 6 نيسان (أبريل) 2018 تحت عنوان مساعدة لبنان على النهوض باقتصاده، وزيادة النمو فيه، لازال ينتظر تحقيق الإصلاحات البنيوية والإدارية والمالية والاقتصادية لإبقاء وعوده على قيد الحياة، في ظل تقارير جديدة تحذر من مخاطر انهيار الاقتصاد اللبناني، واللحاق بدول تعاني من أزمات حادة كاليونان وفنزويلا وغيرهما.
موفد فرنسي
ولمتابعة تنفيذ مقررات «سيدر»، تمّ تكليف السفير بيار دوكان من قبل الحكومة الفرنسية، ليتابع مع الحكومة الجديدة التي تشكّلت بعد تأخير دام تسعة أشهر، خططها حول البدء بوضع بنود المؤتمر على سكة التطبيق، حيث حضر دوكان إلى بيروت، واعتبر أن تشكيل الحكومة وإقرار بيانها الوزاري ونيل ثقة مجلس النواب عليه، هي من العوامل الإيجابية، ولو كانت متأخرة حوالي العام، إلا أن ما لمسه الموفد الفرنسي بأن موازنة هذا العام لم تقر، وهو سجّل سلبية على الحكومة التي نبهها إلى أن التأخير في الموازنة إلى ما بعد نهاية آذار (مارس) ومطلع نيسان (أبريل)، لن يكون مشجعاً للدول المانحة على دعم الاقتصاد اللبناني، لكنه أكّد أن الاتفاق حول مقررات المؤتمر لازال ساري المفعول، مثنياً على ما ورد في البيان الوزاري للحكومة، بأنها لا تملك ترف الانتظار، إذ أن الوقت يمر، وإن لم يحصل أي تقدم باتجاه تنفيذ بنود «سيدر»، للاستفادة من تعهدات بقيمة 11 مليار دولار أقرّت للبنان، فإن المنح قد تنتقل إلى دول أخرى، لاسيما في إفريقيا، علماً بأن الأموال المرصودة بعضها هبات، وأخرى قروض ستزيد من الدين العام وخدمته.
ماذا طرح دوكان؟
لقد استعجل دوكان المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، على ضرورة وضع خطط سريعة للبدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لاسيما في قطاعات تعاني من الهدر المزمن مثل الكهرباء، داعياً إلى تشكيل الهيئات الناظمة في أبرز القطاعات وهي الطاقة والاتصالات والطيران المدني، فمن دونها لا استثمارات، بحسب ما أفصح به الموفد الفرنسي لأركان السلطة اللبنانية الذين حذّرهم من أن الوقت ليس في مصلحة لبنان، الذي عليه أن يخفض العجز في الموازنة بمقدار 1 بالمئة سنوياً لتحقيق النمو، وخفض الدين العام وخدمته، لافتاً إلى أن أي تلكؤ قد يلحق بالاقتصاد اللبناني أضراراً كبيرة. والمفتاح، بحسب دوكان، هو الموازنة التي ترسم السياسة المالية والاقتصادية للدولة، وقد أتى البيان الوزاري على ذكر ما ستقوم به الحكومة الجديدة للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية عبر رفع النمو وتأمين فرص عمل جديدة.
المشاريع
رفعت الحكومة السابقة التي كانت برئاسة سعد الحريري، 280 مشروعاً رأت أن لبنان بحاجة إليها، في البنى التحتية والموزعة على الكهرباء والطرقات والمياه والنفايات والبيئة وإقامة مشاريع إنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة، وعد الحريري بأنها ستؤمن مئات آلاف فرص العمل الجديدة، متحدثاً عن حوالي 900 ألف وظيفة، يمكنها الحد من البطالة المتفاقمة في صفوف الخريجين والشباب والتي باتت تقدر بحوالي 40 بالمئة، وهي نسبة مرتفعة جداً في بلد يعاني ثلث شعبه من الفقر. ومن دون هذه المشاريع سيكون لبنان على حافة انفجار إجتماعي، وهو ما بدأت تظهر نذُره من خلال تحركات الشارع.
الإصلاح
المشاريع التي قدّمها لبنان في مؤتمر «سيدر»، تبنتها الدول المانحة والمؤسسات والصناديق الدولية من خلال تعهدات بهبات وقروض ميسرة بفوائد منخفضة، ووضعت في محفظة مالية تشرف فرنسا على إدارتها بالتعاون مع الجهات المانحة، وقد تم تعيين السفير دوكان ليمثلها في تطبيق مقررات «سيدر» ومتابعة تنفيذ المشاريع. ولذلك أبلغ دوكان الرؤساء الثلاثة والوزراء المختصين والجهات المعنية بضرورة البدء فوراً بالإصلاحات التي اشترطها المانحون، ومن دونها، فإن الدول المعنية ستتخلى عن تعهداتها تجاه لبنان، إذا لم يقم بما هو مطلوب منه. وهذا ما أشار إليه بعض الوزراء بقولهم، إن الدول قامت باحتضان لبنان، الذي عليه، أن يكون على قدر المسؤولية، بتنفيذ إصلاحات تبدأ من وقف الهدر والتصدي للفساد، وأن بعض الدول لديه شكوك من أن تقوم الحكومة بوضع ما تعهّدت به من إصلاح موضع التنفيذ، لأن الخلافات السياسية والمحاصصات الطائفية وعقد الصفقات، قد تعيق أية مساع فعلية للإصلاح، وهو ما يتخوّف منه دوكان وفق ما نقل عنه بعض مَن التقاه من سياسيين وإعلاميين.
من أين ستبدأ الحكومة؟
وعد الرئيس الحريري، بأن حكومته ستبدأ بمكافحة الفساد كاستراتيجية للحد من العجز في الخزينة، عبر تأمين موارد إضافية لها من خلال وقف الهدر والتهرب الضريبي، وعقد التلزيمات من خلال إدارة المناقصات التي كانت سابقاً تحصل بالتراضي، وتحصر بعدد من الشركات والمتعهدين، لتشجيع الاستثمار في لبنان، إضافة إلى خفض أعباء كلفة الكهرباء التي تكبد المالية سنوياً نحو ملياري دولار، وتفاقم من أعباء الدين العام الذي بلغ نحو 85 مليار دولار.
ويحتل القطاع العام، الجانب الأهم في تحقيق الإصلاح، من خلال وقف تعيين الموظفين، والذين يتسربون إلى إدارات ومؤسسات الدولة بالآلاف، بالرغم من وجود قانون يمنع التوظيف من خارج مجلس الخدمة المدنية، الذي يحدد ما تحتاجه الإدارات من موظفين فيدعو إلى مباراة لإشغالها، إلا أن ما يحصل هو أن الوزراء والمدراء العامين يلجأون إلى أساليب التعاقد والمياومة والعمل بالفاتورة، من خارج مجلس الخدمة المدنية، وقد انكشفت فضيحة عن توظيف نحو أكثر من 10 آلاف شخص في أسلاك الدولة، في الإدارة والجيش وقوى الأمن الداخلي، رغم القانون الذي أوقف التوظيف بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017.
ويفاقم الإفراط بالتوظيف أعباء الخزينة، حيث ارتفعت الرواتب، إلى 6.5 مليار دولار سنوياً، ومعاشات التقاعد إلى 1.8 مليار دولار، وبات على الحكومة أن تعالج هذه المعضلة عبر سياسة تقشفية وترشيد الإنفاق، وهو ما طالب به مؤتمر «سيدر»، وتحدّث عنه دوكان، عندما أشار إلى القطاع العام لجهة عمله وإنتاجيته وموظفيه.
الحاضنة الدولية
لبنان مازال يتمتع بحاضنة دولية، وهذا ما يميّزه عن بعض الدول، إذ أن الاستقرار الأمني محمي بقرار دولي، والنهوض الاقتصادي فيه أيضاً، فأوروبا لا تريد أن ينزح إليها مليون ونصف مليون سوري من لبنان، وهذا ما سبق لرئيسة الحكومة الألمانية أنجيلا ميركل أن بحثته مع المسؤولين اللبنانيين قبل أشهر اثناء زيارتها بيروت، وقدّمت مساعدة بقيمة 30 ألف دولار لكل عائلة سورية تبقى في لبنان.
مبعوث فرنسا لمؤتمر «سيدر» أعطى لبنان بين ثلاثة وأربعة أشهر للبدء بالإصلاحات، ووضع آلية لتنفيذ المشاريع ولو على مراحل، وإلا فإن الدول المانحة ستكون خارج الاتفاق، ويفقد لبنان الحاضنة الدولية، ويتهدّد اقتصاده بالانهيار وتدخل عملته في دائرة الخطر.
Leave a Reply