التقرير الأسبوعي
شكل مشهد زحف مئات آلاف الغزيين إلى مناطق شمال القطاع، معطوفاً على مشهد عودة أبناء الجنوب اللبناني إلى قراهم وبلداتهم، صباح الأحد الماضي، صفعة مزدوجة لدولة الاحتلال، وإعلاناً عملياً لفشل الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، والتي أُجبرت حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة على إنهائها، إذعاناً للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، لعلها تحقق عبره ما لم تنجح في تحقيقه على مدار 15 شهراً من العدوان.
وإذا كان المشهد اللبناني قد نجحت إسرائيل في امتصاصه من خلال تدخل واشنطن للضغط على بيروت لقبول تمديد مهلة الانسحاب من الجنوب لغاية 18 شباط (فبراير) المقبل، فإن المشهد في غزة كان صادماً لدرجة تطلبت حضور مبعوث ترامب شخصياً لإقناع نتنياهو بالمضي قدماً في تطبيق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع «حماس» التي أكدت في عرض للقوة أنها مازالت تمسك بالأرض تماماً مع انتشار مقاتليها بكثافة في عمليات إطلاق سراح الإسرائيليين في غزة وخان يونس وغيرها.
وفي وقت يسعى فيه نتنياهو إلى استلحاق ما يُمكّنه من مواجهة الأزمة التي تعصف بحكومته، جراء خضوعه لإبرام اتفاقي وقف الحرب في غزة والانسحاب من لبنان، جاء اقتراح ترامب بتهجير الجزء الأكبر من سكان غزة إلى مصر والأردن، ليمنح بعض الأوكسجين السياسي لليمين الإسرائيلي الذي تبددت أحلامه بعودة الاستيطان إلى غزة، مع مشهد عودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى مناطق شمال القطاع التي حولتها آلة التدمير الإسرائيلية إلى ردم وركام.
حركة «حماس» التي أكدت عودة 300 ألف فلسطيني إلى شمال القطاع، اعتبرت أن مشاهد العودة عبر محور نتساريم شكّلت «انتصاراً لشعبنا، وإعلان فشل وهزيمة للاحتلال ومخططات التهجير». كما رأت حركة «الجهاد الإسلامي» أن عودة النازحين هي «رد على كل الحالمين بتهجير شعبنا».
وإذ لا تنحصر الأطماع الصهيونية في القطاع المنكوب يواصل جيش الاحتلال عملياته في الضفة الغربية التي يسعى اليمين الإسرائيلي إلى جعلها كبش فداء لفشله في غزة، بينما يستعد نتيناهو للتوجه إلى واشنطن الأسبوع القادم للقاء ترامب، محملاً بنية استئناف الحرب على القطاع، بعد الانتهاء من تبادل الأسرى، تحت طائلة فرط حكومته في ظل تمسك وزير المال بتسليئيل سموتريتش بهذا الشرط مقابل عدم الاستقالة من الحكومة أسوة بوزير الأمن القومي المستقيل، إيتمار بن غفير الذي تحدث عن «فشل مطلق» بدلاً من «النصر المطلق» الذي وعد به نتنياهو.
والأسبوع الماضي استؤنفت عمليات تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، بإتمام الدفعة الثالثة يوم الخميس المنصرم في حين من المتوقع إتمام الدفعة الرابعة بحلول السبت (مع صدور هذا العدد). وقد حرصت المقاومة على أن تتم عملية نقل الرهائن الذين أفرجت عنهم، بتظاهرة شعبية ومسلحة من أمام منزل الشهيد يحي السنوار، ما شكل صدمة لسلطات الاحتلال، عبر عنها نتنياهو بالقول إن «المشاهد من غزة مروّعة». ونقلت إسرائيل رسائل تهديد وغضب للوسطاء القطريين والمصريين بسبب مشاهد إطلاق سراح الأسرى.
وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه في 19 كانون الثاني (يناير) الماضي، فإن المرحلة الأولى تستمر لمدة 42 يوماً، يتم خلالها التفاوض على مرحلتين إضافيتين، وذلك بوساطة مصرية وقطرية، وبدعم من الولايات المتحدة.
وقد ردت «حماس» بأن «الاحتشاد الكبير لجماهير شعبنا الفلسطيني في عمليّتَي تسليم الأسرى في مدينة خان يونس ومخيم جباليا، وسط الركام الذي خلّفته الفاشية الصهيونية في المنطقتين، هو رسالة إصرار وقوة وتحدٍّ ترفعها في وجه هذا المحتل الهمجي، مفادها بأن شعبنا باقٍ على أرضه، ومُصَمِّم على إنجاز مشروعه في التحرير والعودة وتقرير المصير».
وعلى وقع استعراض القوة «الحمساوية»، يوم الخميس الماضي، أعلنت «كتائب القسام»، ، استشهاد قائدها محمد الضيف، وأعضاء في مجلسها العسكري، خلال العدوان.
وأعلن الناطق باسم الكتائب، «أبو عبيدة»، في كلمة مصوّرة أن القادة استشهدوا «في خضم معركة طوفان الأقصى … بين غرف عمليات القيادة أو الاشتباك المباشر مع قوات العدو في الميدان، أو في حال تفقّد صفوف المجاهدين وتنظيم سير المعركة وإدارة القتال».
في غضون ذلك، واصل الجيش الإسرائيلي عملياته في مدينة جنين ومخيمها للأسبوع الثاني على التوالي، مخلفا عشرات القتلى والإصابات، والاعتقالات، وسط تدمير واسع للممتلكات، وللبنية التحتية، فيما استمرّ جيش العدو في الدفع بتعزيزات عسكرية وآليات ثقيلة، لتدمير البنية التحتية وتجريفها.
ويبدو أن عملية «السور الحديدي» التي شرع فيها جيش الاحتلال، بدأت تتدحرج من مدينة جنين ومخيّمها، المحاصريْن، إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية. فقد شهدت مدينة طولكرم وبعض بلدات المحافظة وقراها، تصعيداً إسرائيلياً يشي ببدء عدوان مشابه لِما يجري في جنين، مع شنّ طائرات الاحتلال غارات على مخيمها.
«هدايا» ترامب
في غضون ذلك، قدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب هداياه لنتنياهو. فقد أعلن مقترحا أمام صحافيين لـ«تنظيف» غزة، حسب تعبيره، «من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط». وقال ترامب إن الأردن ومصر ستستقبلان الفلسطينيين من سكان غزة… فعلنا الكثير من أجلهم (مصر والأردن) وسيفعلون ما طلبناه»، موضحاً أنه يناقش المسألة مع ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السياسي. وكان ترامب قال أمام الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية إنه يخطط لنقل مليون ونصف مليون شخص من القطاع»، مشيراً إلى أن ذلك قد يكون «مؤقتاً أو طويل الأجل».
وعسكرياً، قرر ترامب رفع الحظر الذي فرضه الرئيس السابق جو بايدن على توريد قنابل تزن 2000 رطل لإسرائيل. علماً بأن إدارة بايدن أرسلت آلاف القنابل التي تزن 2000 رطل إلى إسرائيل بعد «طوفان الأقصى» قبل أن تعلق توريدها لاحقاً.
أما «الهدية» الثالثة التي قدمها ترامب لإسرائيل، فكانت دعم حظر أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي اعتمد بقرار عنصري فاشي اتخذه كنيست الكيان الصهيوني استكمالاً لحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني بأنماط جديدة.
ويأمل نتنياهو أن تؤدي استعادة «خيار التهجير» إلى لمّ شمل حكومته. وهو يسعى، ومساعدوه، لأن يؤدي تشجيع ترامب سكان غزة على «الهجرة الطوعية» إلى إعطائه المزيد من الوقت الثمين، ويوفّر لوزير المالية المتطرف، سموتريتش، سبباً مقنعاً للبقاء في الحكومة، كما قد يدفع بن غفير للعودة.
لبنان… تمديد المهلة
في لبنان، حل صباح الأحد 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، موعد انتهاء مهلة الستين يوما المحددة لانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلها في الجنوب، من دون أن تلتزم تل أبيب بوجوب الانسحاب الشامل، بل تم تمديد المهلة حتى 18 فبراير، وفقاً لما أعلنته السلطات الأميركية ولاحقاً رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي.
وكان قد جرى هذا التمديد في ظل جهود مكثفة قادتها الولايات المتحدة وفرنسا بذريعة «احتواء التوترات والتمهيد لتحقيق تهدئة طويلة الأمد». وترددت معلومات مفادها أن المساعي الأميركية بدأت قبل نحو عشرة أيام من موعد انتهاء مهلة الستين، مع بدء تل أبيب تسريب أخبار عن نيتها طلب تمديد المهلة ستين يوماً أخرى.
من جانبه، شدّد الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على أن «تمديد مهلة انسحاب العدو من جنوب لبنان يعني أننا أمام احتلال يعتدي ويرفض الانسحاب، وللمقاومة الحق بأن تتصرف بما تراه مناسباً حول شكل المواجهة وطبيعتها وتوقيتها»، مؤكداً أن «على إسرائيل أن تنسحب… ولا نقبل بأي مبرّر لتمديد يوم واحد ولا نقبل بتمديد المهلة». معتبراً أن «الجميع مسؤول في مواجهة هذا الاحتلال: الشعب والجيش والدولة والمقاومة».
وأضاف: «وافقنا على وقف إطلاق النار، والدولة قرّرت التصدي لحماية الحدود وإخراج إسرائيل، وهذه فرصة لتختبر قدرتها على المستوى السياسي، والتزمنا بعدم خرق الاتفاق بينما خرقت إسرائيل الاتفاق 1350 مرة، وفي مرحلة من المراحل فكّرنا أن نرد على الاعتداءات فقالوا لنا أن نصبر قليلاً… مشهد الخروقات الإسرائيلية كان مؤلماً، لكن قررنا أن نصبر وتتحمل الدولة مسؤوليتها، ولم يمارس الراعي الأميركي أي دور، واعتبرنا أن الدولة هي المعني الأساس في مواجهة إسرائيل، وما جرى في خرق الاتفاق يؤكد حاجة لبنان إلى المقاومة».
وفي اليوم الأول بعدَ الستين، لم ينتظِر الجنوبيون أحداً، وقرروا تحرير أرضهم وتحصيل حقوقهم لا يتمّان إلا على أيديهم، فبادروا إلى فتح القرى بلحمِهم الحي، يواكبهم الجيش اللبناني، الذي تولى فتح الطريق أمامهم، وتعرض لإطلاق النار من قوات الاحتلال. وقد هال قوات الاحتلال هذا الإصرار الشعبي على العودة، فعمدت إلى إطلاق النار على الجنوبيين العزّل الذي أجبروا الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من أكثر من عشرين قرية لينحصر وجودهم في نحو عشر قرى فقط. وقد ارتقى الأحد الماضي 23 شهيداً، وجرح 124 بينهم 12 إمرأة ومسعف من كشافة الرسالة ولكن بقي الجنوبيون عند التحدي وهو مواصلة العودة والسكن في أرضهم ولو كانت بيوتهم مدمرة.
وقد واصلت قوات الاحتلال اعتداءاتها، واستمرت في تفجير المنازل وتجريف الأراضي في المناطق التي لم تتمكن من السيطرة عليها طوال شهرين من محاولات التوغل البري. في موازاة ذلك، يستكمل الجيش اللبناني الدخول إلى عدة بلدات جنوبية والانتشار فيها. وصدرعن قيادة الجيش مديرية التوجيه بيانٌ جاء فيه، «واصل الجيش مواكبة الأهالي العائدين إلى البلدات الحدودية الجنوبية والوقوف إلى جانبهم في مواجهة العدو الإسرائيلي، انطلاقاً من واجبه الوطني».
وعلى وقع استمرار الاحتلال، يواجه لبنان تحدي تشكيل حكومة العهد الأولى، بعد انتخاب جوزيف عون رئيساً. وتعترض عملية التشكيل مشاكل ناجمة عن تمسك الكتل النيابية والقوى السياسية بمطالب تمثيلها في الحكومة العتيدة، بما في ذلك وزارة المال لحركة «أمل». ويشير سلام إلى أنَّ الحكومة «ستكون من 24 وزيراً لأنَّ حكومة الـ30 وزيراً وحكومة الوحدة الوطنيّة والمجلس النيابيّ المصغَّر غير عمليّة، ولا نستطيع تشكيل حكومة أقلّ من ذلك، كي يكون لكلّ وزير حقيبة واحدة».
الشرع رئيساً لسوريا
فيما يتواصل العدوان الإسرائيلي في جنوب البلاد وتستمر الأوضاع غير مستقرة شمالاً وفي مدن الساحل، أعلنت إدارة العمليات العسكرية في دمشق، تنصيب أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية، في قرار يضع البلاد أمام منعطف تاريخي جديد، تتداخل فيه التوافقات الداخلية بالحسابات الإقليمية والتحديات الهيكلية.
ويمهد تنصيب الشرع رئيساً، لتوافد زعماء الدول إلى دمشق، وقد كان في مقدمهم أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي التقى بالشرع بعد يوم واحد من تنصيبه، فيما يرجح مراقبون زيارة قريبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال الشرع إنه تسلم مسؤولية البلاد بعد مشاورات مكثفة مع خبراء قانونيين، متعهداً بالعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة تمثل جميع السوريين، ومؤكداً أن البلاد تفتح اليوم فصلاً جديداً في تاريخها.
وأعلن –في أول خطاب له إلى الشعب بصفته رئيساً– مساء الخميس الماضي أنه سيصدر إعلاناً دستورياً ليكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية، كما سيعلن في الأيام المقبلة عن لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني.
وقال «سنعمل على تشكيل حكومة انتقالية تتولى بناء مؤسسات سوريا الجديدة وصولاً لمرحلة انتخابات حرة نزيهة». وشدد «الرئيس الانتقالي» في خطابه على أن البلاد «تحررت بفضل الله ثم بفضل كل من ناضل في الداخل والخارج».
وخلال اجتماع موسع للفصائل العسكرية والثورية، الأربعاء الماضي في قصر الشعب بدمشق، تقرر إعلان الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية وإلغاء العمل بدستور سنة 2012.
كما أُعلن عن حل حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتفويض رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم.
إلى ذلك، يتواصل العدوان الإسرائيلي جنوباً. فبعد احتلال عدة بلدات على الحدود، وتوغلها بريف القنيطرة، طالبت الإدارة الجديدة في سوريا، الأربعاء الماضي، القوات الإسرائيلية بالانسحاب. وأوردت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة التقيا وفداً أممياً أكدا له رغبة سوريا بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة حسب تفويض عام 1974 بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية فوراً.
Leave a Reply