بلال شرارة
ارتاح موريس عواد.. رحل تاركاً فينا اثنا عشر ديواناً من الشعر المحكي، بعضها مترجم إلى الفرنسية والايطالية، والانطولوجيا اللبنانية للشعر (1983).
رحل موريس عواد فيما كنا نقيم في معرض الكتاب، حيث اخبرنا الشاعر سليم علاء الدين انه تلقى على الهاتف رسالة عن رحيل موريس عواد.
بصراحة لم اعد احتمل رحيل العديد من الاصدقاء الشعراء: جوزيف حرب، عصام العبدالله، خليل الشحرور، جوزيف الهاشم (زغلول الدامور)، زهير غانم، الكبير عبد الرحمن الابنودي، احمد فؤاد نجم وقبلهم الزين شعيب وسعيد الأسعد وعبد المنعم فقيه وشحرور الوادي والعديد من شعراء المحكية والفصحى اللبنانيين والعرب.
سوف تنسحب الكلمة الحلوة من التداول ونحن لن نبقى سوى لتعليق أوراق النعي وكتابة تعليقات حزينة اسفل الصور.
الشعر المحكي يموت، ولا يكفي أن يقول شيئاً سليم علاء الدين، الياس زغيب، جوزيف عقيقي، ابراهيم الشحرور، حسين شعيب… أو أنا أو غيرنا.
بصراحة الشعر المحكي يموت ولا أحد يصلي عليه… الزجل… الألسنية الشعبية تموت ويأخذ بيدها إلى القبر الأخوان الرحباني، موريس عواد، ميشال وعصام العبدالله… ونحن ليس في حروبنا أمس واليوم وغداً إلا طلال حيدر نتقدم به إلى الخطوط الأمامية على محاورنا من أجل الكلمة التي ننحتها نحتاً.
هم يحملون أشخاصهم ويذهبون إلى سفر طويل اليوم وغداً، وهذا العام نذكرهم ثم ننسى «دحروب» أرواحهم الذي تساقط من على تينتهم «الغزلانية»… تبكي تذرف القليل من الدمع… نتمسك بالدواوين الشعرية… الأعمال الكاملة (!) للشعراء ثم أننا نترحم عليهم ونسأل الله لهم المغفرة وأن يسكنهم فسيح جنانه، وهم سيكون لهم مكان وثير في الجنة لأن الكلمة في البدء كانت الله وهم ماتوا وفي أنفسهم كلمة.
ربما سوف لا يعود موريس عواد ليقول لنا بعد الآن «حكي غير شكل» ولا ليتمنى «لو أنا زهرة»… أتمنى لو أني عصفور ولكن من يعرف أين تكمن بنادق الصيد والحرب ونحن لا نستطيع أن نستمر «رجال بوجه الريح»… سوف ننهزم ونسقط الراية من أيدينا، الواحد تلو الآخر ثم ستسقط هي مع آخر شهيد شاعر منا…
بعد قليل سوف تعلق مشنقة الكلام مهما ارتدى من أقنعة التورية ومهما بقى المعنى في نفس الشاعر ومهما كانت عصفورة المعنى مكتومة الصوت.
سوف تفقأ العين اللماحة للكلمة ولن يعود أحد ليقول شيئاً مهماً، لا عن الفساد ولا عن النهر أو الشاطىء ولا عن الديون على مستقبل أحفادنا ولا عن فرص العمل –عفواً الشعر– القادمة.
سوف يأخذ موريس عواد عمره معه وكذلك الشعراء الآخرون سنينهم المالحة. موريس عواد منذ ان كان عمره «سبعين» إلى الآن سوف لا يترك لنا شيئاً من أيامه المريرة. نحن لا نستطعم إلا بحلاوة إرواحنا، الوطن يشبه «رغيف دويرة القمر»، ولكنه مشتهى لا كهرباء فيه ولا ماء ولا حكومة ولا وزارة للشعر.
طيب موريس عواد يذهب إلى استراحته وكذلك فعل الشعراء الآخرون، كتب بعض ما جاء على باله وخاف أن يكتب كل شيء. نحن لا نكتب كل شيء، إذ أنهم سيجدوننا وسوف يعرفون آثارنا ويجدون بصمة لغتنا في طي الغيم أو في قميص الليل.
هو… نحن لا نقول أي كلام ليستطعم به الناس. نحن نقول بعض أوجاعنا… مراراتنا… هزائمنا وإخفاقاتنا… نقول صمتنا ثم نذهب إلى سكتنا الأبدي.
سأحمل ويحمل الشعراء ما استطاعوا من قناديل سفر الراحلين، ولكن قطاف التبغ على ضوء القنديل أهون بكثير من قطاف الكلام الذي سبّحت أشجاره مختلف أنماط السلطات في عالمنا. فهو –الكلام– إما أن يعبر الحدود الوطنية السيادية وحدود القارات ليتغزل بالليبرالية العالمية… والنظام العالمي الجديد… بازدهار الانسان غير الموجود والذي يشبه «وعد إبليس بالجنة» أو أنه سيغمد مشعله على الفور.
موريس عواد يرحل على وقع «كلام ع السكت» نقول له نوشوشه في اذنه كأننا نلقنه شهادة الشعر أو مثل كأنه يلقننا شهادة الموت.
Leave a Reply